بات الحديث عن  الثورة غريبا على الأجيال الجديدة من الجزائريين من كثرة استخدام هذا المصطلح من طرف السياسيين وتوظيفه بطريقة غير مهنيّة من وسائل إعلام تختصر الثورة في كلمات إنشائية تردّدها كل عام  أو بسبب التراشق بين رفاق الأمس في شهادات ذاتية لم تجد من يفحصها بين المؤرخين المختصين، إن وجدوا.
الثورة الآن في الواحدة والستين وقد أنجبت بلدا مستقلا بعد سبع سنوات ونصف وهي ليست مسؤولة عما حدث بعد ذلك: ليست مسؤولة عن الاخفاقات التي صاحبت بناء الدولة الوطنية وليست مسؤولة على الانحرافات. ويفترض بعد هذه السنوات الطويلة أن يكف المتقدّمون للعمل السياسي عن استخدام الثورة وأدبياتها وينتبهوا إلى الواقع والمستقبل ويتركوا الماضي وصراعاته للتاريخ. لأن الإشادة بالثورة لا تنفع من لا يمتلك برنامجا سياسيا، والنقاشات بشأنها يفترض أن تكون في سياق التاريخ وليس في سياق المستقبل.
صحيح أن كشف الحقائق التاريخية والإدلاء بالشهادات عمل محمود، لكنه ليس سوى مرحلة ابتدائية في كتابة الحقائق التاريخية التي يتولاها مختصّون يضعون كل شهادة في إطارها مع كلّ ما تستدعيه العملية من تحرّ وتدقيق.  كما يفترض أن تُفهم الوقائع التاريخية في سياقها وألا تتحوّل إلى حدث آني يؤثر على الحياة العامة، نسوق هذا الكلام حين نرى كيف تُفسر  بعض الصراعات السياسية على ضوء الصراعات القديمة بين ثوّار الأمس في الولايات التاريخية.
كما أن الإسراف في التركيز على الماضي واستدعاء الثورة في كل آن يحيل إلى مشكلة  في الحاضر، مشكلة نخب سياسية لم تتجدّد ولم تجدّد خطابها.
و لم يعد خافيا أن الأجيال الجديدة تريد حياة جديدة وربط هذه الأجيال ببلادها وتاريخها لن يكون بالصوّر والملصّقات والأناشيد والخطب ولكن بتمكينها حقا وصدقا من العيش الكريم، وحمايتها من التشرّد في بلاد الآخرين.
تستحقّ الجزائر بعد كل ما دفعته في ثورة التحرير وخلال الحرب الأهلية أن تستريح  من الألم ومن الخوف. ولن يكون ذلك إلا بالتخلّص من أسباب الخوف عبر إقرار نظام ديموقراطي يستوعب كل المكوّنات الثقافية للمجتمع ويعتمد الاستحقاق في إدارة شؤونه لأن رهانات القوة التي استخدمتها النخب السياسية في التاريخ الحديث للبلاد هي التي أنجبت شعبا عظيما، سريع الاشتعال.

سليم بوفنداسة

 
    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى