فجّر رحيل هيكل نقاشا هاما في الصحافة العربية عن علاقة مهنة الصحافة بصناعة القرار ودورها في تزوير التاريخ وتجميله.

وإذا كان بعض كتّاب الزوايا عندنا قد توقفوا عند ذكرياتهم مع الرجل أو تشبيه أنفسهم به، فإن النقاش الذي  أثاره غيابه يمكن أن يكون مقدمة لتفكير جدي حول مهنة الصحافة التي حذّر مفكرون من خطورتها، في عالم بات يتأثر بالصوّر والمؤثرات التي تبدع الصحافة في إخراجها لاستقطاب الجمهور. وتأتي خطورة هذه المهنة من علاقتها بصناعة القرار وصنّاعه وعلاقتها بالأموال وأصحابها. علاقتان حولتا الصحافة من وسيلة لكشف الحقيقة وإذاعتها إلى آلة تضليل وخداع. وإذا كانت العلاقة الملتبسة مع السلطة هي أهم العقبات التي تحول دون تطوّر الإعلام في العالم العربي، فإن مخاطر جديدة بدأت تلوح مع ظهور القنوات الفضائية والوسائط الالكترونية التي تحولت إلى منابر دعاية  دينية ومذهبية  بل آلة لترويج الدروشة والشعوذة، كما هو حاصل عندنا.
وبالطبع فإن أي نقاش حول الإعلام  لا يمكن أن يغفل مسألة الثقافة الديمقراطية  التي تجعل خطاب الحقيقة  والحق مقبولا لدى الفاعلين والمجتمع على حد سواء.
ومثلما يمكن أن تكون سيرة هيكل نموذجا قابلا للتدريس في معاهد الصحافة، فإن قصته تعد درسا  بليغا للصحفيين العرب خصوصا الذين أصابهم داء النجومية، منهم، فباتوا يقدمون أنفسهم ككائنات فضائية  بإمكانيات خارقة بُعثت لترشد المجتمعات والنخب السياسية. صحيح أن هذه الحالات لا تعالج خارج اختصاص الطب النفسي، لكن تواجدها في مواقع مؤثرة  له عواقبه الخطرة، وما يستنتج من قصة هيكل أن نفوذ الصحفي مهما كانت وجاهته وعبقريته سينتهي في يوم ما، وقد يظهر كل ما أخفاه  أو منع حضوره الطاغي التطرّق إليه، فهيكل الذي ظهر في عصره كشفيع لمثقفين مغضوب عليهم، يظهر اليوم في صورة جديدة يرسمها تلاميذه الذين يتهمونه بخدمة نظام عسكري أتى على الحريات وتجميل أفعاله، بل وبينهم من يتهمه بتحريف حقائق تاريخية. نعم، كان هيكل رمزا  ونموذجا للصحافي الناجح في العالم العربي طيلة عقود، لكن هناك من يصف التمثال اليوم  بأوصاف غير مألوفة لدى الذين تعودوا على سماع الحقيقة من فم «الأستاذ». 
ملاحظة
لا يكفي في الصحافة أن تكون بئر أسرار، بل عليك ألا تستخدم مياه البئر استخداما مشؤوما.

سليم بوفنداسة

 
    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى