باتوا يشكّلون خطرا  حقيقيا على مشاريع التحديث التي تبنتها الدولة الوطنية منذ الاستقلال و على تطوّر مجتمع عذّبته الحروب والأزمات، بمشاريع يختلط فيها المال بالدين وتؤدي إلى تفاعلات تدميرية.
ويزداد خطرهم باستقطاب كوادر في مواقع مسؤولية حسّاسة ووسائل إعلام  تقدمهم للجمهور الواسع كمخلّصين.
يتعلّق الأمر بمشعوذين قادمين من عصور سحيقة، تمكّنوا من استمالة «شركاء» مكّنوهم من النشاط والانتشار، بكل ما يعنيه ذلك من خطر على الصحة العمومية (العضوية والعقلية) وعلى صورة الجزائر التي قدموها بشكل بائس للعالم.
فبعد اختراع دواء السكري ثم اعتباره مكملا تهافت عليه المرضى بالداء المذكور في مشاهد محزنة، تأتي العيادة التي قيل أنه يتم العمل على توسيعها إلى قرية يقول القائمون عليها أنها ستصبح عالمية بتخصّصها الفريد في معالجة «أمراض» العين والسحر والمسّ، وتتقدم شخصيات فنية يراها المشاهدون كلّ يوم في أعمال تلفزيونية وفي ومضات إشهارية لتدعو الناس في نشرة إخبارية إلى زيارة العيادة لأن مالكها صاحب سرّ رباني.
يحدث ذلك الآن في وقت يعرف فيه العلم تقدما كلّ يوم، وفي وقت تبني فيه الجزائر جامعات في كلّ الولايات، وتطمح إلى رفع مستوى التعليم بين السكان لاستدراك الوقت الضائع والوصول إلى مجتمع معرفة يستطيع إدارة شؤونه وتسيير أزماته بعقلانية ويصل إلى الحلول الناجعة من أقصر الطرق، بل ويصبح غير قابل للخديعة والاستغفال و الاستغباء، ولا يتمكن منه تجار السياسة ولا باعة المعجزات ولا مقلدو العملة من المهاجرين القادمين من دول إفريقية شقيقة.  وتلك هي التنمية الحقيقية التي تعد بنية لقيام مجتمع متقدم لا يخجل من الانتماء إلى هذا العصر.
وواضح أن الجزائر لم تكسب حربها على الشعوذة، بعد، وتحتاج إلى حملة ذات منفعة عامة لا تستهدف المشعوذين و قاهري الجنّ الذين تحولوا إلى نجوم في التلفزيونات بل تطيح بشركائهم  الظاهرين والمستترين.
فمن السهل سحب الدواء المعجزة من الأسواق ومن السهل إغلاق عيادة بشائر الشفاء قبل أن تتحوّل إلى قرية استشفائية عالمية يصعب التحكم في عدد الداخلين إليها من الإنس وعدد الخارجين منها من الجان، لكن ما  ينبغي القيام به حقا هو العمل على عدم  ظهور «المخترع» وصديق الجن في حياتنا.
سليم بوفنداسة

 
    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى