الفول يسقط "البيتزا" و الشواء على طرقات الجزائر
يتبارى الكثير من أصحاب المطاعم و وجبات الأكل السريع لتحضير أشهى الأطباق، سعيا لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الزبائن، غير أن طبق بسيط بأيادي بسيطة قلبت الموازين، لأشخاص يبحثون عن نشاط لتوفير لقمة العيش، مستعينين بالعبارة الشهيرة “مالح و بنين” التي تسيل لعاب الكثيرين ممن يعشقون طبق الفول المغلي الذي غيبته تطورات العصر لوقت طويل.
الفول المغلي بالماء و الملح، تلك الأكلة الشعبية التي لطالما اقترنت بالمدارس بسبب ذلك الشاب أو الكهل الذي يفتح كشكا صغيرا أو يضع طاولة تحمل أواني ضخمة لمختلف أنواع البقول المغلية بالملح، تطورات العصر أزاحتها عن المشهد العام للشارع الجزائري، و عوضتها أكشاك تبيع أنواع مختلفة من الحلوى و الشيبس التي تبقى أخطر أنواع الأطعمة التي تسببت في أضرار للأطفال و الكبار على حد سواء بداية بتسوس الأسنان و السمنة.
أما اليوم، فتلك الطاولة التقليدية المظهر، و التي ربما لا يعرفها سوى من تناول الفول الذي تقدمه، فعبارة “مالح و بنين” لا تغيب عن الكثير من الجزائريين ممن كان لهم الحظ و تناولوا هذه الوجبة، فهي كانت لفترة طويلة من الزمن الأكلة المفضلة لأطفال المدارس و حتى الشباب، خاصة مع انخفاض درجات الحرارة، باعتبارها مادة مغذية و تبعث الدفئ في الجسم، لكن جيل اليوم لا يعرفها من المتمدرسين.

الفول يسقط البيتزا و الشواء في الأسواق الأسبوعية

فمختلف الأسواق الجزائرية التي غالبا ما سيطرت عليها طاولات البيتزا أو عربات الشواء و البطاطا المقلية، قد زاحمها نشاط جديد و قديم في آن واحد، لتلك الأواني كبيرة الحجم التي تضم كميات كبيرة من الفول المغلي في الملح و المتبل بالكمون، و التي يؤكد الكثيرون على أنها تفوقت على أنواع الاطعمة الأخرى.
الشاب سليم، أحد باعة أكلة الفول الشعبية يؤكد بأنه قرر الاستثمار في هذا النشاط منذ بداية فصل الشتاء، أين قام باقتناء كمية من الفول اليابس التي يقوم بوضعها في الماء و الملح لليلة كاملة لكي تصبح طرية نسبيا، قبل غليها في الماء في اليوم الموالي في إناء تحضير طعام الأعراس المعروف بالشرق الجزائري ب”القازال”، و التي تتبل في النهاية بمادة الكمون قبل أن تقدم للزبائن في أكواب أو قرطاس ورقي بمقابل 30 دينار للقرطاس الواحد، و يضيف الصانع بأن البطالة كانت وراء تجارته الصغيرة في الفول، فعدم توفر منصب شغل دفعه للبحث عن بدائل، ليقرر تجربة الفول الذي أثبت نجاحه قبل أن يطور عمله و يوسع نشاطه من الأسواق الأسبوعية إلى العمل اليومي على حواف الطرقات الولائية و الوطنية.
و يعتبر الكثير من عشاق الفول كالسيد “ناصر.ب” الذي يشتغل في مجال نقل و شحن مادة الدقيق بين الولايات، بأن عودة الفول إلى الشوارع الجزائرية عمل جيد، خاصة و أنه يوفر على الناقلين عناء انتظار أدوارهم في المطاعم، كما يغنيهم عن الكثير من الأطعمة التي تقدمها هذه الأخيرة و التي غالبا ما تتسبب لهم في اضطرابات هضمية أو أمراض أخرى، و يضيف محدثنا بأن تناول الفول يعتبر مغذ و يسد الجوع الكبير الذي يجعل من يتناوله يصبر عن الأكل إلى حين العودة إلى البيت.

شباب يسترجعون أيام الطفولة و آخرون يستمتعون بلذة لا يصنعها غير الفول

و إذا كان الفول المغلي لسد جوع الكثيرين، فإنه يعتبر نقنقة بالنسبة لآخرين، فأحد الباعة يؤكد لنا بأنه يعمل طوال اليوم، و يبيع كميات كبيرة للعائلات و للشباب في أوقات خارجة عن موعد الغذاء، و هم من يقولون بأنهم يتناولونه بين الوجبات و يستمتعون بطعمه المميز الذي يعود بهم إلى سنوات خلت و يذكرهم بمراحل سابقة من أعمارهم كسن التمدرس كما قال البعض.
و إن كانت لذة و ملوحة الفول المغلي غاية الكثيرين، فهم لم يخفقوا في اختيار الطعام على غير العادة، بل نجحوا في تزويد أجسامهم بفوائد غذائية تعتبر أساسية كمادة البروتين الأساسي الموجودة فيه، بالإضافة إلى الحديد و النشويات، مع إضافة الكمون الذي يقضي نسبيا على الغازات التي قد يسببها، فمن منا لا يرغب في هذا البرد في قرطاس فول مالح و لذيذ؟
إ.زياري

الرجوع إلى الأعلى