على امتداد الطريق الوطني 21 الرابط بين قالمة و عنابة، تنتشر حقول صغيرة خضراء مزهرة بين بلديتي نشماية و عين الباردة، فيها رجال و نساء يعملون ساعات طويلة كل يوم لجني المحصول الأخضر، الآخذ في التوسع عبر الأقاليم الملائمة على الشريط الحدودي بين قالمة و عنابة، القريب من الساحل، إنه نبات القناوية الأكلة الشعبية التي تعدت شهرتها الموطن الأصلي و وصلت إلى مختلف ولايات الوطن و حتى إلى أقصى الجنوب الكبير، كما يقول بن نوار حسان المتقاعد من مركب الحجار، الذي عاد لزراعة القناوية قرب نشماية، للهروب من روتين التقاعد الممل و الحصول على مزيد من المال لمواجهة متطلبات الحياة الصعبة بمنطقة فقيرة يهاجر أهلها إلى عنابة باستمرار، للبحث عن مناصب عمل بالمصانع الكبرى و شركات البناء المنتشرة بقوة بالعصمة الصناعية لشرق البلاد.  
النصر زارت حقول القناوية بنشماية شمالي قالمة، و عاشت يوما مع المزارعين و التجار و المستهلكين من عشاق القناوية القادمين من مختلف مناطق الوطن لشراء الحبات الخضراء من موطنها الأصلي، بأسعار أقل بكثير من تلك المتداولة بالأسواق المحلية و الوطنية.  
تحت أشعة شمس حارقة، كان بن نوار حسان وسط حقل صغير قرب نشماية، يسابق الزمن لقطف مزيد من الثمار الخضراء، قبل أن تشتد الحرارة الموسمية و تجبره على المغادرة أو الاحتماء بالمجرى الطبيعي المجاور الذي تغطيه أشجار كثيفة تحجب أشعة الشمس و تنعش المكان.
من السادسة إلى العاشرة صباحا، قطف الرجل نحو 6 كيلوغرامات فقط من القناوية، و لم يعد قادرا على جني المزيد، كان وحيدا، اختار أبناؤه البحر في ذلك اليوم و لم يساعدوه كالعادة لجني أكبر كمية ممكنة لبيعها لتجار الجملة الذين يحتكرون تجارة القناوية بالمنطقة و يتحكمون في أسعارها و توزيعها عبر الأسواق الوطنية.  
"أنا هنا منذ الصباح، لم أجمع سوى 6 كلغ من القناوية، العمل هنا شاق و متعب و يحتاج إلى صبر و مزيد من الوقت، لجمع المحصول حبة بعد حبة و وضعه في صناديق و سلال صغيرة، ثم نقله إلى نقاط البيع بالجملة أين يتم التفاوض على الأسعار المفتوحة و المتغيرة من يوم لآخر، العمل بحقل القناوية ليس كالعمل بباقي الحقول الزراعية الأخرى، هنا عليك التحلي بالصبر و الاستعانة بمزيد من العمال لجمع أكبر كمية ممكنة، كما ترون أنا اليوم وحدي في الحقل، أبنائي رفضوا العمل اليوم، و فضلوا الذهاب إلى البحر و تركوني وحدي في الحقل، جمعت 6 كلغ فقط هذا اليوم،ما يعادل قيمته  1200 دينار تقريبا، رغم التعب أنا سعيد و راض بما حققته، جيل اليوم لم يعد يحب العمل بالزراعة لم يبق إلا الكبار في  الأرض، يزرعون الطماطم و القمح و البطيخ و القناوية التي تعد أحد أشهر الأطباق الشعبية بالمنطقة". 

 
و حسب المتحدث فإن شهرة القناوية آخذة في التزايد بين سنة و أخرى، بعد أن تمرس السكان المحليون في زراعتها و صناعة أطباق متعددة منها، بالإضافة إلى فوائدها الصحية التي اكتشفها المستهلكون كطرد الغازات، تهدئة القولون العصبي، تنقية الصدر من الأدران و زيادة سائل المفاصل لمنع الاحتكاك بين العظام.  
و تعد القناوية من بين المحاصيل الزراعية القليلة التي لا تحتاج إلى المبيدات الكيماوية و المعالجة الدورية ضد الأمراض النباتية، فهي نبتة مقاومة للأمراض و التغيرات المناخية و تحتاج فقط إلى كميات قليلة من مياه السقي في مراحل النمو الأولى.  
و يزرع المحصول بين شهري مارس و أفريل و ينضج بداية من شهر جويلية و تمتد عملية الجني إلى شهر سبتمبر من كل سنة، و يحرس المزارعون على إنتاج البذور بأنفسهم و يتركون مساحات محددة لهذا الغرض، فهم لا يثقون كثيرا في البذور التي تباع بالأسواق و محلات الشتائل و البذور الفلاحية.  
و تغطي حبات القناوية طبقة من الأشواك الدقيقة تصعب مهمة الجني و تجبر أصحاب الحقول على ارتداء قفازات، حتى لا تتضرر أياديهم، و هو تحد آخر يواجه المنتجين، و بالرغم من ذلك فإن أعدادهم آخذة في التصاعد بين موسم و آخر، بعد أن عرفت الأسعار زيادات معتبرة، تغطي التكاليف و تحقق فوائد بسيطة للعائلات الفقيرة التي تعتمد على الأنشطة الزراعية و الرعوية البسيطة للحصول على موارد العيش.  

تجارة رائجة على حواف الطرقات

إلى جانب زراعة القناوية بنشماية و الباردة، تنتشر أيضا تجارتها على طول الطريق الوطني 21 شريان الاقتصاد و الحياة الاجتماعية بالمنطقة، طاولات مصطفة بانتظام على جانبي الطريق و حركة دؤوبة للمواطنين من السكان المحليين و عابري السبيل الذين لا يغادرون المنطقة، حتى يشترون ما لذ و طاب من خيرات الأرض.  
تتوقف السيارات و الشاحنات و الحافلات بنقاط البيع و يتجمع الرجال و النساء حول أكوام الحبات الخضراء، يسألون عن السعر و النوعية و يشترون ما يستطيعون شراءه بأسعار مغرية، تختلف كثيرا عن تلك المتداولة لدى التجار بالأسواق المحلية، أين وصل سعر الكيلوغرام الواحد إلى 400 دينار، في حين لا يتجاوز 200 دينار بالحقل و طاولة البيع على الوطني 21.


قرارة بلقاسم رجل مسن يمارس تجارة الطاولات على الطريق الوطني 21 قرب نشماية، و يكاد يكون متخصصا في بيع القناوية كل صيف، إلى جانب فواكه و خضر موسمية أخرى، كالتين الشوكي و الطماطم و البطيخ و الذرة و التين و غيرها من الفواكه الأخرى الواسعة الانتشار بالمنقطة.
و يعد العابرون للطريق الوطني 21 ،من أهم زبائن تجار القناوية بقالمة، يتوقفون بنقاط البيع المنتشرة بكثرة و يتجمعون حول طاولات صغيرة تعرض المنتوج القادم من الحقول منذ ساعات قليلة، "منتوج جديد بسعر أقل و نوعية مغرية"، خاصة للنساء اللائي يعرفن كيف يطبخ طبق القناوية و يعرفن أيضا فوائدها و نوعيتها الجيدة و الرديئة، كما تقول حاجة نشطة نزلت من سيارة أجرة قادمة من عنابة، على ما يبدو، تقدمت إلى طاولة لبيع القناوية و خاضت مفاوضات شاقة مع تاجر صغير، سألته عن السعر و مصدر المنتوج و نوعيته و عاينت الحبات الخضراء بدقة، قبل أن تطلب كمية تكفي لإعداد طبق شهي لعائلة كبيرة.   
يقول تاجر القناوية المعروف بنشماية قرارة بلقاسم ، بأنه يبع لزبائن معروفين لديه من قسنطينة و عنابة و حتى من العاصمة، يشترون كميات من القناوية لإعداد أطباق شهية.  
و يطالب تجار القناوية العاملين على الطرقات الرئيسية بقالمة، بتخفيف إجراءات الرقابة و السماح لهم بالنشاط الموسمي للعيش و مواجهة متطلبات الحياة، مؤكدين للنصر، بأنهم يتعرضون للمطاردة بين حين و آخر، و المستفيد، كما يقولون، هم تجار الأسواق الكبرى الذين يرفعون الأسعار و يستنزفون جيوب المواطنين بأسعار مرتفعة، في حين يحصل المزارع و تاجر  الطاولة على ربح قليل من أجل إسعاد الزبائن، و تطوير زراعة القناوية التي بلغت مساحتها هذه السنة نحو 60 هكتارا، حسب مصادر من مديرية الفلاحة، التي تعتزم إطلاق برنامج لتطوير زراعة  هذا المنتج بقالمة و تنظيم المزارعين و حثهم على التكتل لبناء شعبة زراعية جديدة ، قد يكون لها شأن كبير في المستقبل. 

روبورتاج / فريد غريبة

الرجوع إلى الأعلى