رقـيـة و تسـوق وحجاج يبحـثون عـن القـنـوات الريـاضيـة و "الويـفي"
طالما حملت رحلة الحج على مر العصور قصصا و حكايا يرويها العائدون من البقاع المقدسة عن مغامرات الطريق و تحدياتها، و اليوم بعد تطور الحياة أصبحت الرحلة أسهل، لكن مغامرات الحجاج لم تنته، فهناك مواقف طريفة جعلت الحجاج الجزائريين يتميزون عن غيرهم، و يحفرون ذكراهم عميقا في أذهان بعض المرشدين و الإداريين التابعين لوكالات الحج و العمرة، الذين أكدوا بأن التواجد في مكة أو المدينة، لا يغير من ذهنيات الجزائريين شيئا، إذ يوجد دائما بين أفراد البعثة من يصنعون الاستثناء بتصرفاتهم و مغامراتهم التي لا تنتهي.
نور الهدى طابي
خلال حديثنا إلى عدد من المرشدين التابعين لوكالات حج و عمرة من قسنطينة، سطيف و ميلة كشفوا لنا عن مغامرات غريبة و عجيبة للحجاج الجزائريين، مؤكدين بأن بعثاتهم تحسنت في السنوات الأخيرة و أصبح أفرادها أكثر تنظيما و احتراما للتعليمات، مع ذلك يبقى هناك من الحجاج من يصنع الحدث، بمجرد وصوله للمطار و السبب، حسبهم، راجع إلى غياب ثقافة السفر لدى الجزائري، فأغلب الحجاج الذين يصادفونهم خلال مواسم الحج، لم يسبق لهم و أن غادروا البلاد من قبل.
رقية شرعية على متن الطائرة
تعد حالات السحر و المس من أكثر المواقف تكرارا خلال كل موسم حج، كما أخبرنا زكريا كرايسية، مسؤول تنظيم و مرشد على مستوى وكالة حج و عمرة بقسنطينة، ففي كل سنة تقريبا يتكرر مشهد حجاج و حاجات ينقلب حالهم بمجرد دخول الطائرة للمجال الجوي السعودي، فيبدأون بالصراخ و العويل أو يدخلون في حالات بكاء هستيرية، تحمر عيونهم ، يتقيأون و يعانون من حالات تبول لا إرادي أو تعرق مفرط ، حتى أن إحدى السيدات في إحدى الرحلات فقدت السيطرة على نفسها و تحول صوتها إلى صوت رجالي.
 حسب محدثنا، فإن هذه الحالات غالبا ما تكون ضحية سحر أو مس، و يتم التحكم فيها مباشرة، لأن كل بعثة تكون مرفقة بشيخ أو إمام يتكفل بمهمة رقية الحجاج ضحايا هذه الحالات، و من الحجاج من يبقى في تواصل مع الشيخ بعد عودته من البقاع المقدسة، فمنهم من يطلب رقية لابنه أو قريبه و منهم من يحضر زجاجة ماء أو زيت و يطلب من الإمام إخضاعها للرقية، ليستعملها قصد الشفاء.
احتجاجات بسبب الـ "ويفي" و مباريات كرة القدم
زكريا أخبرنا بأن الكثير من الحجاج يتمتعون برصانة و وقار، إذ يضبطون برنامج رحلتهم مسبقا، و يعكفون على الصلاة و ختم القرآن و حتى متابعة دروس الفقه و الشريعة في المساجد.
بالمقابل يتسبب حجاج آخرون في حالة من الفوضى  يصعب التحكم فيها، نظرا لسلوكياتهم العصبية، فمنهم من يسأل مباشرة عن الأسواق بمجرد وصوله إلى الفندق، لأن الحج لم يكن بناء على رغبته الخاصة، بل جاء بناء على رغبة من أبنائه مثلا، و منهم من يحتج بسبب عدم توفر شبكة الإنترنت أو " الويفي" في الغرفة، بينما يحتج آخرون بسبب عدم قدرتهم على مشاهدة مباريات كرة القدم لأن التلفاز غير مبرمج.هذا دون الحديث عن النوبات العصبية التي تتضمن سيلا من الشتائم و السباب و الناجمة عن التدافع لاستخدام المصاعد و دورات المياه، حتى أن شقيقتين من العاصمة، وصل بهما الأمر في إحدى المرات، إلى الاعتداء على بعضهما البعض بالضرب داخل الفندق. ويبقى المشكل الأكبر متعلقا بعدم تقبل الحجاج لفكرة أن الحج يتضمن مشقة و صعوبات،و أن توفير كافة ظروف الراحة خارج الفندق أمر غير ممكن، كما أضاف محدثنا، مشيرا إلى أن الأحكام المسبقة و تحميل مسؤولية كل صغيرة و كبيرة للوكالة، يجعل عملية التنظيم صعبة جدا.
خشي الفضيحة بعدما علم بعودة زوجته العجوز المريضة مع مرشد سعودي
عندما وصلت حاجة جزائرية مسنة بصحبة زوجها ، حسبما أخبرنا رابح صخري مرشد تابع لوكالة حج بسطيف، تم نقلها لقسم العناية المركزة بمستشفى بالمدينة المنورة، لأنها كانت تعاني من أمراض عديدة، و مكثت هناك لفترة، و استأذن زوجها للخروج للصلاة، وعندما عاد سأل عن زوجته فأخبروه بأنها خرجت برفقة المطوف، وهي صفة تطلق على المرشدين السعوديين، ليعيدها إلى المخيم. عندئذ جن جنون الحاج وبدأ بالصراخ، قائلا" غدا ستطعن كل الجزائر في شرفي، بعدما يرى أصحابي من الحجاج عودة زوجتي بصحبة المطوف إلى المخيم" ، وهو ما استدعى، حسب محدثنا، تدخل منظمي البعثة لتهدئته،
إلا أنه أصر على إعادة زوجته مرة أخرى إلى المستشفى ليعيدها بنفسه للمخيم، وطلب منهم الاتصال بالمطوف وإعادة زوجته.
و واصل محدثنا:" خلال سعينا لإعادتها إلى المستشفى، اكتشفنا بأن الزوجة لا تزال في العناية المركزة، وأن هناك خطأ حصل في تسجيل الجنسيات، فسجلت على أنها باكستانية، نظرا لتزامن دخولها العناية مع حاجة باكستانية أسعفت في نفس الوقت وسجلت على أنها جزائرية، فخرجت وبقيت زوجة الرجل.هذا و قد حملت القصة جزءا آخر لو علم به الحاج، لأقام علينا الدنيا ولم يقعدها، فالحاج الباكستاني الذي أدخلت زوجته المستشفى، جاء سائلا عن زوجته، ولأن هناك خطأ حصل و تم الخلط  بين الحاجة الجزائرية والأخرى الباكستانية، فقد تم اصطحابه من قبل الممرضات إلى حيث تتواجد الحاجة الجزائرية، على اعتبار أنها زوجته وكانت تغطي وجهها وجسدها بالكامل.و جلس الحاج الباكستاني إلى جانبها على السرير، وكانت نائمة، فأمسك يدها لمدة ربع ساعة و شرع في تلاوة القرآن، حتى جاءت إحدى الممرضات لتعطيها الدواء وكشفت عن وجهها، فذهل الحاج الباكستاني وترك يدها وخرج، عندها تم اكتشاف هذا الخطأ وعولج في وقته، وإلا فإن مذبحة كان سيرتكبها الحاج الجزائري، لو علم بالأمر كله".
حج و تجارة
حاج آخر كان يقصد كل مستشفيات المشاعر المقدسة، كما أخبرنا الفوضيل مختاري، مسؤول تنظيم إداري بوكالة حج و عمرة بميلة، وذلك بسبب معاناته من مرض مزمن " ضغط الدم"، و أضاف محدثنا بأن الحاج تعرض لوعكة مفاجئة، وهو في طريق العودة إلى المطار في آخر يوم من الرحلة، وعندما تم تفتيش حقيبته بحثا عن دوائه، فوجىء الجميع بأنها  ممتلئة بالأدوية لعلاج مختلف الأمراض، وبعد تحسن حالته سئل عن مصدر هذه الأدوية، فأوضح أنه جاب كل المستشفيات والمراكز الصحية ليحصل على الأدوية مجانا، ليحملها معه بعد عودته إلى بلاده قصد بيعها لمن يحتاجها، فهو يعاني من مرض واحد يتم علاجه ببعض الأدوية، وأما ما يتبقى منها، فيمكنه الاستفادة منه، خصوصا و أن أدوية السعودية جيدة، حسبه، مشيرا إلى أنها فرصة، حيث أن الدواء في الحج مجاني، بينما يباع في الجزائر بمبالغ باهظة.
غيرة نساء
 محدثنا قال بأن ثلاث سيدات جزائريات نقلن في إحدى المرات إلى المستشفى نظرا لإصابتهن بإرهاق شديد خلال آدائهن لمناسك الحج، وكانت إحداهن تعاني أكثر من مواطنتيها لدرجة تعذر عليها المشي، فقررت إدارة المستشفى نقلها إلى الفندق على كرسي متحرك بعد استقرار حالتها، الأمر الذي أثار حفيظة الحاجتين الأخريين، و طالبتا بالمساواة في المعاملة، بحجة أنهما مسنتان و تعانيان من السمنة، و رفضتا مغادرة المستشفى على الأقدام، لتتخذ الإدارة قرارا بنقل الحاجات الثلاث في سيارة إسعاف واحدة إلى الفندق.

الرجوع إلى الأعلى