مشجرة طونقة جنة سنديان اللويزيانا الأمريكية و السرخس الملكي
تتمتع عذراء السياحة الجزائرية المنسية القالة، بمؤهلات طبيعية و مواقع خلابة قادرة على جعلها وجهة سياحية عالمية و مخبر إيكولوجي نموذجي بامتياز، بفضل ما تزخر به هذه المنطقة من تنوّع نباتي و حيواني هائل، جعلها مؤشرا حيويا هاما لدراسة متغيرات المناخ و التنبؤ بالأعاصير، النصر زارت حظيرة طونقة الساحرة و مشجرتها الحاضنة لعشرات الأصناف النباتية النادرة و مقصد الباحثين و الطلبة التي يعود تاريخ نشأتها إلى سنة 1924.

قبل الوصول إلى بحيرة طونقة الشهيرة تمهد الطبيعة مسارا مغريا للسياح بغطائها النباتي الشاسع على امتداد الحظيرة الوطنية ذات المكانة المرموقة بالجزء الغربي للبحر المتوسط و المتربعة على مساحة 800ألف هكتار بشمال شرق الجزائر و المنشأة طبقا عام 1983، قبل تصنيفها في ديسمبر 1990 كمحمية للكائنات الحية من قبل اليونسكو. و من بين المواقع الجديرة بالزيارة، مشجرة طونقة الثرية بالأنواع النباتية النادرة، أهمها السرو الأقرع و الأكاسيا و السرخس الملكي و الكثير من الأصناف مما أهلّها لأن تكون مختبرا واسعا في الهواء الطلق يترّبع على مساحة تقدّر بحوالي  48هكتارا.
و تمتاز المشجرة حسب المفتش الرئيسي للغابات بالحظيرة الوطنية بالقالة عبد السلام قريرة بخصوصية أشجارها الوارفة و نباتاتها المتنوّعة كالقيقب البارز بمدخل هذا الفضاء، المعروف كمنطقة ممتازة لإنتاج السرو الأقرع، و الذي يطلق عليه أيضا اسم السنديان الأحمر أو "سيبري دي لا لويزيان"، حيث تعتبر القالة من أغنى مناطق البحر المتوسط بهذا النوع من الأشجار المنتشرة على منطقة تتراوح بين أربع و خمس هكتارات، و التي من خاصيتها مواصلة النمو حتى بعد قطعها و يقال أن هذا النوع من الشجر الذي يصل طوله إلى 50 مترا،  تم جلبه من الولايات المتحدة الأمريكية في القرن الـ18.
و من الأصناف الأكثر انتشار هناك، شجر الدردار و الصفصاف الأبيض و الأسود، فضلا عن أشجار الحور بنوعيه الأبيض و الأسود و كذا النشم، إلى جانب النباتات المتنوعة كسوسن المستنقعات و السرخس الملكي، إضافة إلى حوالي 50نوعا من الفطريات.
و خلال تجوالنا بالمشجرة الكثيفة الظل لفت انتباهنا كثرة الجذور البارزة فوق التربة و التي أوضح مرافقنا بأنها عبارة عن جذور تنفسية و بمثابة رئة لهذه الأشجار المعمرة، التي يصل عمر بعضها إلى حوالي قرن، فيما توجد أشجار معمرة أخرى بالحظيرة الوطنية كأشجار الزيتون التي يتراوح عمر بعضها بين الثلاثة و السبعة قرون حسبه.

90بالمائة من أشجار القالة ليست للاستغلال

و عن مدى استغلال هذه الأشجار، خاصة منها العود الأحمر المعروف كنبات طبي، و كذا لحماية البيئية، فضلا عن استغلاله الواسع في صناعة الأواني المنزلية الخشبية التقليدية، أوضح مرافقنا بأن العود الأحمر المنتشر عادة في المناطق الباردة استطاع كغيره من عديد الأصناف المستوردة التأقلم في منطقة القالة الرطبة، مؤكدا بأنها محمية و لا يسمح باستغلالها إلا في الدراسة العلمية و البيولوجية و البيئية، مشيرا إلى مشروع موّحد تم التوقيع عليه عام 2001لفتح مجال التعاون بين حظيرتين مهمتين بالحوض المتوسط وهما حظيرة القالة و حظيرة "تشرتشيو" الإيطالية، ناهيك عن التعاون مع دول أجنبية عديدة منها فرنسا اسبانيا، و البرتغال، و كذا الولايات المتحدة الأمريكية و كندا.
فالحظيرة لا تبهر زوارها ببساطها النباتي الشاسع المفعم بشتى الأنواع و الأحجام و الألوان فقط، بل تسحره بثروتها الحيوانية، حيث أن الأكثر حظا من الزوار، قد يلمحون مختلف الحيوانات البرية و على رأسها الأيل البربري، الثعلب الأسمر، و ابن آوى، و الخنزير البري و النمس و ابن عرس، و الأرانب البرية، فضلا عن الطيور الغابية التي تزيد أنواعها عن الـ 40 نوعا على غرار القرقف و أبوالحنا، بالإضافة إلى الكواسر المثيرة للاهتمام كعقاب القصب، و ذو الحذاء و الحدايا السوداء، إلى جانب الحمام المعروف باسم "الترغلة"، و الزرزور الأسود، و حتى الطيور المهاجرة ا وجدت في هذا البساط النباتي المعانق للمسطحات المائية ما شجعها على الاستقرار، مثلما ذكر السيد قريرة و هو أيضا  عضو في الشبكة الوطنية لمراقبة الطيور، مؤكدا بأنه من خلال مشاركته في العملية الجهوية لتعداد الطيور المائية بمختلف المناطق الشرقية، التي تتم سنويا خلال شهر جانفي، لاحظوا تزايد عدد الطيور المهاجرة كما و نوعا ممن اختارت الاستقرار.  

عودة الحسون إلى موطنه

عاد عصفور الحسون المعروف بشكله الجميل و صوته العذب يحلّق بين أشجار الحظيرة الشاسعة، بفضل إجراءات الحماية و المراقبة المستمرة و منع عمليات الصيد العشوائي التي كادت تتسبب في انقراضه على المستوى الوطني، بسبب جشع من وجدوا فيه مصدرا للكسب السريع، لسهولة تسويقه داخل و خارج الوطن و بأسعار مغرية، حيث عبّر مختص في الطيور عن تفاؤله في عودة انتشار الحسون بالمنطقة مثلما كان سابقا و ذلك في فترة وجيزة إذا استمرت إجراءات المراقبة و ردع الصيادين، خاصة و أن الظروف الطبيعية ملائمة جدا حسبه لتكاثره من جديد.    

مخبر في الهواء الطلق  

تعد مشجرة طونقة مقصد الباحثين و الطلبة الجامعيين من داخل و خارج الوطن على مدار السنة، حيث تعد زيارة ما بين 800إلى 1000طالب متخصص يأتونها  من مختلف جامعات الوطن، باتنة، بسكرة، ورقلة، العاصمة ،تيزي وزو، سطيف، قسنطينة و غيرها، فضلا عن الزيارات المنظمة للوفود الأجنبية و السواح.
و التعاون مع دول أجنبية كثيرة منها فرنسا اسبانيا، إيطاليا و البرتغال، و كذا الولايات المتحدة الأمريكية و كندا.
و تعد المشجرة بثراء غطائها النباتي بمثابة حيوي مهم يساعد على تحديد أبرز التغيرات المناخية الطارئة وأثر الاحتباس الحراري ، و كذا محاولة فهم أسباب  التدبدب الملفت في تساقط  الأمطار بالمنطقة التي كانت فيما قبل  تسجل ما بين 1200إلى 1800ملم،  أما اليوم فهي لا تتجاوز الـ900ملم في أفضل الأحوال.

منطقة معرضة للأعاصير

لم  تسجل القالة انخفاضا كبيرا في درجة الحرارة خلال فصل الشتاء، حيث لم يكن زئبق الحرارة ينخفض أقل من 5درجات كأقصى حد في الماضي، عكس السنوات الأخيرة التي شهدت انخفاضات المؤشر الحراري  إلى ما تحت الصفر، و ليس هذا فحسب بل سجلت المنطقة تكرر اجتياح الأعاصير لها، كان أشدها عام 2003  و الذي تجاوزت سرعته 180كلم في الساعة، كما شهدت المنطقة عدة أعاصير أخرى بين 2005 و 2016لكنها كانت أقل حدة، حسب محدثنا دائما الذي قال بأن ثمة عوامل طبيعية ملائمة يمكن استغلالها للتنبؤ بالأعاصير، إشارة إلى التنوّع البيئي الذي تزخر به حظيرة طونقة التي استفادت مشجرتها الواقعة على حافة الطريق الوطني رقم 44، مؤخرا من غلاف مالي قدره 30مليون دج لأجل إعادة تهيئتها.

روبورتاج مريم بحشاشي – تصوير شريف قليب

الرجوع إلى الأعلى