الطريق الوطني رقم 11..متعة السفر بين  الآثار الرومانية  ونسيم البحر المعطر برائحة الصنوبر الحلبي

يسلك الكثير من المصطافين الطريق الوطني الساحلي رقم 11 ، الرابط بين الجزائر العاصمة و وهران للتمتع بالمناظر الطبيعية والأثرية و استنشاق نسيم البحر المعطر برائحة الصنوبر الحلبي، و كذا التلذذ بأكل الأسماك الطازجة، رغم الازدحام المروري والمنعرجات الخطيرة التي يعرفها هذا الأخير .
  يقطع المسافر هذا المحور، الذي يعبر 5 ولايات في أزيد من 10 ساعات، بدل 6 ساعات على الطريق السيار شرق –غرب، لكونه معروف بالمنعرجات الخطيرة و الضيقة، ويشهد ازدحاما مروريا عبر مداخل المدن، خصوصا بالمدينة الأثرية تيبازة أو شرشال ،وتنس بالشلف ،لكن حركية المدن التي تعج بالمصطافين من داخل و خارج الوطن، إلى جانب الآثار الشاهدة على تعاقب الحضارات والمساحات الخضراء، تنسيهم متاعب السفر و الترحال.
  أثناء عودتنا من العاصمة باتجاه ولايات غرب البلاد، سلكنا الطريق الساحلي الذي تدعم بطريق ازدواجي لفك الخناق المروري المفروض على المدن، كبوسماعيل و تيبازة ، وصولا إلى شرشال ،تتراءى لك عديد السيارات و المركبات تشق طريقها باتجاه شواطئ غرب العاصمة، للبحث عن الهدوء و المتعة و استكشاف المواقع الأثرية .


مرفأ الصيد ببوهارون ..مطاعم عديدة تقدم أسماكا طازجة


يفضل البعض قبل مواصلة المسار شراء أو تناول الأسماك الطازجة بمطاعم متراصة قبالة مرفأ الصيد ببوهارون، على بعد بضع كيلومترات عن دائرة بوسماعيل ،التي تشتهر بالأسماك، فطريقة التحضير و أجواء الشواء على الجمر وطريقة عرضها، تثير الشهية للأكل، و الخيارات كثيرة أمام الزبائن بين السردين والسمك بكل أنواعه وأحجامه  والجمبري الملكي، و كذا طبق "البايلا" و لا يقل سعره عن 4500 دج، حسب الأسعار المعروضة لميسوري الحال، فيما يكتفي أصحاب الدخل الضعيف بطبق السردين الذي يتراوح سعره بين 800 و 1200 دج، أو شراء ما يكفيهم من أنواع السمك المعروض على قارعة الميناء العتيق الذي يعج بالصيادين المنهمكين في تفكيك وخياطة الشباك، تمهيدا لرحلة الصيد التي تنطلق في المساء وتمتد الى غاية طلوع الفجر كما قال عمي محسن، 60 سنة، الذي وجدناه منهمكا في وضع الشباك على القارب، مؤكدا بأن معظم العائلات ببلدية بني هارون، تمتهن حرفة الصيد وركوب البحر، إذا يتجاوز عدد الناشطين في هذا المجال 100 بحار، و أضاف بأن الواجهة البحرية تعد من أغنى المناطق بالأسماك بالوسط الغربي، حيث تجلب تجار السمك من الولايات المجاورة كعين الدفلى ،البليدة، المدية والعاصمة .

قبر الرومية .. متنفس للزوار على ربوة مطلة على البحر

واصلنا رحلتنا عبر الطريق الوطني القديم، على خط مواز للطريق  المزدوج  للاطلاع على حركة المصطافين ،لأنه الوحيد الذي يمكنك من الانعطاف في أي اتجاه، أو التوقف لأخذ قسط من الراحة في الظل أو اقتناء ما طاب لك من مأكولات ومشروبات.
لمحنا بعض المركبات بترقيم عدة ولايات، و هي تتجه نحو سيدي راشد، لتصل إلى  المعلم الأثري "قبر الرومية " الذي يعتلي ربوة تطل على البحر، و يقع الضريح الملكي الموريتاني حسب اللوح لإشهاري، على ارتفاع  261 مترا، ويطل على سهول متيجة و قد بناه،  حسب الروايات المتداولة، الملك يوبا  الثاني ،  ملك الإمبراطورية الموريتانية، تخليدا لذكرى وفاة زوجته  كليوباترا  التي  أنجبت له أميرا اسمه بطليموس،  و هذا الضريح شبيه لحد ما بضريح إمدغاسن بباتنة وأهرامات مصر.
تحف الضريح، الذي تبلغ مساحته حدود 80 مترا مربعا، أشجار باسقة وجو منعش بفعل التيارات البحرية، مما يساعد العائلات على البقاء لفترة طويلة هناك تارة للمرح والترفيه، وتارة أخرى يحاولون تسلق الصخور و الاستفسار عما وراء الباب الحديدي الموصود، ،لكن اللوحة الإشهارية المعروضة تقدم  تصميما شاملا للضريح الموريتاني الذي يتوفر على أروقة ملتوية، بطول يتجاوز 140 مترا إلى جانب بعض الغرف ،وحسب أحد الشباب المكلفين بحراسة الموقع،فإن مداخل الضريح أغلقت بداية العشرية السوداء، حفاظا على هذا الإرث الإنساني. وغير بعيد عن الضريح الموريتاني تتناثر آثار الإمبراطورية الرومانية الموريتانية القيصرية بمجرد دخولك إلى بلدية تيبازة ذات الأصل البونيقي التي اتخذها الفينيقيون كمستوطنة في القرن الخامس قبل الميلاد، حيث استمدت اسمها الذي يعني مكان العبور .

تيبازة .. مدينة تعانق الحضارة

الزائر لمدينة تيبازة يجد نفسه محاصرا بين أطلال أثرية لازالت رغم مرور الزمن صامدة، تجعل الزائر يستفسر لا محالة عن أصولها ومكانتها وتاريخها و لا يمكن أن تغادر هذه المدينة الجميلة، إلا بعد أن تقتني تذكارا يخلد ذكرى  مرورك بعين المكان،و تسبح في أحد شواطئها الرائعة، روعة رمالها الذهبية التي تمتد و تعانق فسيفساء التاريخ، على امتداد الحظيرة الأثرية كمتاريس ،شنوة ،البلج ، الشاطئ الأزرق ،كواري ،بن عودة ،وغيرها من الشواطئ التي تعج بالمصطافين.
 قبل مغادرة المكان باتجاه غرب البلاد، تتوقف في خليج شنوة لالتقاط صور فوتوغرافية، مع الخلفية الطبيعية التي يتناغم فيها البحر مع الغابة، ويمكنك أيضا ركوب حصان و التقاط صورة مع طائر الطاووس الذي ينثر ريشه الجميل ، بشرط أن تدفع مقابل ذلك 200 دج، كما قال صاحبه الشاب عمر، 26 سنة، الذي  يسترزق من هذه المهنة الموسمية على خليج شنوة، فيما يتولى صديقه الصادق بيع الشاي و المكسرات للزوار، مؤكدا بأن المكان يعد قبلة للزوار و السياح الذين يستمتعون بجمال الطبيعة وهدوء المكان .
تركنا عمر  و الصادق اللذين تعارفا في هذا الموقع منذ حوالي 10 سنوات، و يتقاسمان مهنة كافية لضمان قوت سنة وتلبية احتياجاتهم الضرورية، لنتوجه إلى  مدينة شرشال التي وصلنا اليها في حدود السادسة مساء، إلا أن هذه الأخيرة يتقاطع فيها الطريق المزدوج مع الطريق الوطني رقم 11 ،و هناك تتشكل نقطة سوداء في حركة المرور على مدار الساعة، الأمر الذي يدفع البعض للتوقف والعودة من حيث أتوا، صوب العاصمة، أو استكمال المسار، باتجاه ولايتي الشلف و مستغانم، أو وهران .

آثار يوبا الثاني تخفق متاعب الازدحام المروري

 قد يدوم الازدحام المروري حوالي ساعتين من الزمن، لكن يمكن للمسافرين تجاوز ذلك من خلال التمتع بجمال المدينة التي تحفها من كل جانب آثار رومانية، من بينها السور المستوحى من الأسوار ذات المخطط المثلث الذي يميز الموقع المتواجد  بين البحر و المرتفعات، و يبلغ طوله 4640 مترا. أما السور الشرقي، فهو يبدأ من الجهتين حتى البحر بشاطئ تيزيرين و يبلغ طوله 1250 مترا في المدخل الشرقي، على  يسار الطريق الوطني رقم 11 يقع المدرج الروماني الذي بني خصيصا لمشاهد الصيد و المصارعة خلال الحقب القديمة و هو يتربع على مساحة تقدر بـ 4082 مترا مربعا و له خصوصية فريدة من نوعها،عكس المدرجات الأخرى،حيث أن ميدانه يشكل مساحة مستطيلة وممتدة في جانبيها بشكل نصف دائري.
تتوسط المدينة حديقة جميلة بها نافورة تضم تماثيل ليوبا الثاني ،كما يخصص هذا الفضاء الرحب لوضع ألعاب الأطفال و ركوب الخيل، و في الجهة السفلى يقع ميناء شرشال العتيق الذي تنتصب بجواره منارة مصنفة ضمن التراث الوطني. و غير بعيد عن هذا المكان يوجد متحف أثري يؤرخ للمنطقة ويقابله مسجد "الرحمن" الذي يعود هيكله للفترة الرومانية .
تتمتع شرشال بعدة شواطئ جميلة من بينها شاطئ تيزيرين، واد البلاع ،شاطئ القمة الحمراء ،سيي غيلاس وحجرة النص، وهي من بين الشواطئ التي تستقطب العائلات المحافظة .
أهم ما يميز الطريق الوطني رقم 11 ، ذلك الانسجام القائم بين البحر و المساحات الغابية ذات الظلال الوارفة، مما يتيح للعائلات التوقف لأخذ قسط من الراحة، أو تناول وجبة الغذاء واقتناء الذرة المشوية و غالبا ما يستغل البعض هذا الفضاء للشواء، وتمكين الأطفال من اللعب، بعيدا عن ضوضاء المدن و الأحياء الشعبية، ثم  النزول إلى الشواطئ   ،المسموحة السباحة بها، عبر مسارات ضيقة. و الأجمل في كل ذلك أن بعض الشواطئ تحفها الأشجار الباسقة، على غرار واد تغزة، بوشغال ،بني حواء ، القلتة، المرسى، عين حمّادي، قطّار، سيدي عبد الرحمان، وغيرها من الشواطئ، التابعة لإقليم ولايتي  الشلف، فيما تبدأ الغابة في الانفصال عن البحر، كلما اتجهنا غربا، باتجاه ولايتي مستغانم ووهران.

ربورتاج هشام ج

الرجوع إلى الأعلى