صرنا نقدم أنفسنا للانجليز بالقول أننا من بلد رياض محرز
فاطمة الزهراء أحمد السيد، واحدة من بين خمسة طلبة جزائريين يزاولون دراستهم بجامعة ساوث هامبتون البريطانية، حدثتنا عن يومياتها في المملكة المتحدة في حوار جمعنا بها خلال زيارتها للنصر، بهدف إجراء بحث خاص حول « التحليل الخطابي النقدي لتغير نظرة المجتمع للمرأة الجزائرية في السياسة من خلال عدسة الصحافة» اعتمدت في إنجازه على أرشيف المؤسسة، فاختزلت الطالبة واقعها بالقول «حياتنا كطلبة صعبة جدا، خصوصا في جانبها المالي، مع ذلك نحاول النجاح نندمج بشكل إيجابي في الحياة العامة و عندما نعرف عن أنفسنا  كجزائريين، لابد أن نشرح لمحدثنا بأننا من بلد رياض محرز ليتمكن من تصنيفنا جغرافيا».
حاورتها: نور الهدى طابي
الطالبة كشفت لنا عن جوانب أخرى من حياة الطلبة الجزائريين في الخارج، حياة يعتقد الكثيرون بأنها وردية و مليئة بالفرص، لكنها في الحقيقة سريعة و جادة و تعتمد على تحكم مطلق في الإنفاق.
منع الطلبة من العمل عقد وضعيتهم المادية
النصر: قليلون هم من يحظون بمنح للدراسة في الخارج على نفقة الدولة، كيف حصلت على هذا الامتياز هل لعبت الوساطة دورا في ذلك؟
ـ فاطمة الزهراء أحمد السيد:  لا مطلقا، حصلت على المنحة بجهدي الخاص، فقد كنت الأولى على دفعتي في قسم اللغة الانجليزية بجامعة منتوري بتقدير 15 /20 عن سنوات الدراسة الخمسة، ولحسن حظي أن مناقشتي لمذكرة شهادة ماستر في تخصص علم اللغة، تزامنت مع إعلان الجامعة عن وصول منحة دراسية مدتها ثلاث سنوات بجامعة ساوث هامبتون الانجليزية، لصالح مئة طالب جزائري من قسم اللغة الانجليزية، تم تحصيلها في إطار اتفاقية تعاون بين وزارتي التعليم العالي و البحث العلمي لدى البلدين، كان ذلك سنة 2014.
 و بالفعل اجتزنا مسابقة خاصة أفرزت عن ظهور اسمي ضمن قائمة من أربعة طلبة على المستوى الوطني، فخلافا لما كنا نتوقعه، امتحننا في اللغة الفرنسية و مقياس صعب قليلا في اللغة الانجليزية، أعلن عنه في وقت متأخر لم يسمح لنا بمراجعته بالشكل المطلوب.
بالحديث عن الوساطة أؤكد بأنني لست من النوع الذي يحظى بها مستواي في اللغة الانجليزية ممتاز، نظرا لكوني قضيت كل سنوات طفولتي و مراهقتي تقريبا في المملكة العربية السعودية بحكم عمل والدي، وهناك الانجليزية تعتبر ثاني لغة رسمية بعد العربية، أقول لك سرا، لقد سبق وأن ضاعت مني منحة دراسية لاستكمال الماستر في إيطاليا لأسباب أفضل الاحتفاظ بها لنفسي، طبعا كان ذلك قبل أن يعوضني الله بمنحة بريطانيا التي حصلت عليها عن جدارة.
ـ حدثينا أكثـر عن المنح الدراسية كم تكلفة السنة الواحدة؟ و هل يمكن الاعتماد على الإمكانيات الخاصة للالتحاق بجامعة بريطانية للراغبين في ذلك؟
ـ المنحة الدراسية طبعا، فرصة ممتازة و حلم أي طالب في العالم، لكن المشكلة تكمن في كونها لا تغطي كافة احتياجات الطالب، مثلا منحة كل شهر تقدر بـ  1470 يورو ، أي حوالي 1000 باوند، لكننا لا نحصل عليها بشكل شهري، بل كل ثلاثة أشهر أي أننا نستلم كل ثلاثي ما قيمته 3000 باوند، من وزارة التعليم العالي و البحث العلمي الجزائرية، وهذه القيمة يفترض أن تكون مخصصة للإقامة و الدراسة و الأكل و النقل و الكتب الأمر الذي يعد مستحيلا تقريبا، إذا ما علمنا أن تكاليف الإقامة داخل الجامعة جد مرتفعة و لا يمكن تحملها، لذلك فغالبيتنا كطلبة، اضطررنا للبحث عن بدائل خارج الحرم الجامعي.
 عن نفسي اضطررت لتأجير مكان قريب مقابل  80 بالمائة تقريبا من قيمة المنحة ككل، لأن المؤجرين لا يقبلون الدفع شهريا، بل يشترطون تسبيق أربعة أشهر عموما، ما يعني أنني أدفع تقريبا كل قيمة المنحة، لتسديد تكاليف الإقامة، و بالتالي فإنني أعاني فعلا لأتمكن من العيش بالمبلغ المتبقي.
و بالرغم من وجود حل بديل، إلا أننا كطلبة جزائريين نجد مشكلة في اللجوء إليه، فأصحاب المنازل في بريطانيا يشترطون على المستأجرين وجود كفيل لكي يسمحوا لهم بدفع إيجار شهري و إلا فالدفع يكون مسبقا بمعدل أربعة أشهر أو أكثر ، و في حالتنا كطلبة كفيلنا الوحيد  قد يكون إما الوزارة الوصية أو السفارة، وكلا الهيئتين تكتفي بدور الممول و ترفض لعب دور الكفيل.
المشكلة تكمن كذلك في أن المنحة تتضمن شرط عدم ممارسة أي عمل أي أنه يحظر على كل طالب مستفيد أن يستغل تأشيرته للعمل في أي مجال، وهو بند نطالب بإعادة مراجعته أضف إلى ذلك، فإن تكاليف النقل في بريطانيا جد مرهقة، فثمن تذكرة الحافلة وحدها، يعادل ما قيمته 1000 دج، لذلك فغالبيتنا لا يقوم بأية حركة، دون أن يحتسب تكلفتها بدقة.
 هنالك أيضا شق آخر متعلق بالتغطية المالية لسنوات المنحة التي يفترض بأن مدتها ثلاث سنوات، إلا أن نظام الدكتوراه في انجلترا يشترط أربع سنوات دراسة قبل التخرج، وهو أمر كنا نجهله كطلبة قبل سفرنا، أما الآن فنحن أمام معضلة حقيقية، تتعلق بتدبرنا لتكاليف السنة النهائية وهو مسعى صعب، إذا ما علمنا أن تكلفة السنة الواحدة تعادل 300 مليون سنتيم بعملتنا.
 أما بالنسبة للاعتماد على الإمكانيات الشخصية لاستكمال الدراسة في الخارج، فالأمر ممكن و ليس مستحيلا إذ أن هنالك تأشيرات مستقلة خاصة، يمكن العثور عليها عبر الانترنت، بعضها مغر جدا، لكن الأمر يبقى مرتبطا بتوفر الإمكانيات المادية لكل فرد.
ـ  بين جامعة منتوري و ساوث هامبتون، كيف تقيمين الاختلاف في المستوى الأكاديمي و الحياة الجامعية عموما؟
ـ اختلاف كبير لدرجة تصعب، بل تستحيل معها المقارنة، حقيقة المستوى مختلف جدا و السبب هو درجة الاهتمام بالبحث العلمي، و مستوى اللغة، فما ندرسه كطلبة ماستر هنا بالجزائر يدرسه طلبة السنة الأولى هناك، لذلك فالتباعد في المستوى و اختلاف المناهج قد يشكل صدمة للطلبة، بمجرد وصولهم إلى بريطانيا، وهو ما دفع الوزارة إلى إدراج برنامج تكويني تأهيلي مكثف مسبق للطلبة، قبل التحاقهم بالجامعة بشكل نهائي.
في إنجلترا الدراسة في الجامعة ليست في متناول الجميع، لأن الدراسة جد مكلفة وكل خطوة تتطلب الدفع، مع ذلك فإن التكوين متنوع و مكثف لدرجة أنك لا تجد الوقت لأي نشاط غير الدراسة، علاقة الطلبة بالجامعة و الأساتذة مختلفة تماما، فالطالب هناك لا يفرق بين النظري و التطبيقي وهو بمثابة باحث.
ربما الجانب الوحيد الذي يمكنني أن أشير إليه، و الذي اعتبره سلبيا في جامعاتنا، هو أن الطلبة و الباحثين لا ينشرون أبحاثهم و مذكراتهم عن طريق الإنترنت، وهو ما يتركها حبيسة الأدراج و يصعب على الطلبة الآخرين، بما في ذلك الطلبة الجزائريين في الجامعات الأجنبية الاستفادة منها، فلا يعقل أن يتنقل طالب بين مكتبات الجامعات و يطلع على كل المذكرات ليتمكن من إثراء بحثه، لذلك أطلب من الأكاديميين الجزائريين التوجه لترجمة أعمالهم و نشرها لإعطائها قيمة أكبر.
الإنجليز أكثر تعايشا مع المسلمين و محرز بيض صورة إفريقيا

 ـ  لأية درجة تشكل هويتك كعربية جزائرية مسلمة عائقا أمام اندماجك في مجتمع أوروبي تتنامى فيه الإسلاموفوبيا؟
ـ  أولا أود أن أشير إلى نقطتين، غالبية الإنجليز يعرفون تونس و المغرب لكنهم لا يعرفون  الجزائر و السبب هو السياحة، لكن هذا كان طبعا قبل أن يلمع نجم رياض محرز، اليوم محرز عرف ببلاده، إذ يكفيك أن تقول أنك من الجزائر بلد محرز ، فيخبرك الجميع بأنهم باتوا يعرفونها.
 ثانيا، الإسلاموفوبيا لا تتنامى في بريطانيا، كما في دول أخرى، الانجليز متفتحون جدا على الثقافات الأخرى  حتى أن مدنا أصبحت جد مختلطة و غالبيتها ليسوا بالضرورة إنجليز، هناك المسلمون و الهندوس و الملحدون و المسيحيون  واليهود و كل الطوائف تقريبا، إلا أن أصل المعاملة لدى الفرد الإنجليزي يعتمد على الكفاءة و ليس الهوية ، هناك أنت ما يمثله مستواك كفاءاتك، عطاؤك المهني و الإنساني أما هويتك فلا تعد عنصر تصنيف ولا تحدد طبيعة المعاملة.
لا أنكر  أن هنالك مدنا أكثر تحفظا من أخرى، وأن الشيوخ و الكهول أقل تقبلا للمسلمين من الشباب و المثقفين، لكن ذلك لا يخلق أي عدائية ولا يؤثر على مستوى التعايش الذي يبرز بشكل مثالي في الجامعات.
ربما بالنسبة إلي كفتاة مسلمة، الأمر أكثر تعقيدا مما هو عليه بالنسبة للرجل المسلم، لأن حجابي يعكس هويتي. مع ذلك يبقى الوضع مريحا، فلا وجود للعنصرية بين الإنجليز سوى لدى فئة قليلة تميل للتأثر بما يروج له الإعلام عن الإرهاب، خصوصا بعد الهجمات الأخيرة على باريس و مقتل القس الفرنسي على يد متطرف،  أراد البعض في تلك الفترة إغلاق الكنائس لحماية رجال الدين و أصبحت نظرتهم لنا كمسلمين أكثر حدة، لدرجة دفعتنا للخوف، لكن رجال الدين المسيحيين رفضوا عدائيتهم تجاه الإسلام، و أصروا على تبرئته من تهمة الإرهاب.
هذا دون أن أغفل ردود الأفعال الإيجابية للإنجليز عموما بعد هذه الهجمات تخيلوا أن جل من نعرفهم و حتى المارة في الشوارع، كانوا يعتذرون من المسلمين، ويؤكدون بأنهم آسفون لما يحصل، و أنهم متأكدون أن الإرهاب سلوك فردي، وليس مسؤولية المسلمين جميعا.
ـ  تقصدين أن نظرتنا للمجتمعات الغربية خاطئة؟
ـ أجل هناك فهم خاطئ للمجتمعات الغربية، فهم ليسوا عدائيين و عنصريين، كما نتصورهم، بالعكس هم منفتحون جدا و القليلون منهم فقط، من يميلون إلى التمييز و خلق التفرقة، لكن الغالبية لا تهتم لقضية الدين و الهوية و العرق، الحياة في إنجلترا سريعة و لا تنتظر أحدا ، لذلك فالجميع منصرف لانشغالاته اليومية، حتى الأحداث الأمنية في الدول و قضايا كداعش وغيرها، لا تحظى لديهم بأي اهتمام يذكر، هم يعاملون الفرد ككفاءة بغض النظر عن انتمائه، ما يهمهم فيك هو ما يمكنك إنتاجه لا غير.
مسيحيون و بوذيون يصومون رمضان و يحترمون ديننا
ـ تفصلنا أيام معدودة عن عيد الأضحى، كيف تعيشون كطلبة مسلمين هذه المناسبات عادة؟
ـ لا يمكنني القول بأننا لا نستمتع بالعكس كطلبة نلتقي ببعضنا البعض و نحاول استحضار أجواء المناسبات الدينية و الأعياد ، بكل الطرق في عيد الفطر الفارط مثلا، أحضرت من الجزائر « طاجين» و استعملناه للشواء، كما أن هنالك إمكانية مخصصة لشعائر المسلمين، هناك أماكن للصلاة و التلاقي و الاحتفال. أًصدقاؤنا الإنجليز و الصينيون و غيرهم، يشاركوننا الصيام و الإفطار و فرحة العيد، و يحاولون تعلم العربية و فهم الإسلام فهما صحيحا.

الرجوع إلى الأعلى