فضلت العمل السياسي على بناء أسرة و لا أملك بيتا و لا سيارة
الحلاقة مهنة شريفة لا تنقص من قيمة البرلمانيات
دافعت البرلمانية عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي نادية لوجرتني عن زميلاتها في المجلس الشعبي الوطني و قالت أن امتهان بعضهن للحلاقة لا ينقص من قيمتهن و بأن الشهادة الجامعية وحدها لا تصنع السياسي، كما تطرقت في حوار مع النصر إلى علاقتها مع الأمين الوطني للحزب أحمد أويحيى.  عضو المكتب الوطني للأرندي و ابنة قسنطينة فتحت قلبها لأول مرة بالتطرق إلى حياتها الشخصية و إلى نضالها في مرحلة التسعينيات، وتحدثت بمرارة عن  تلقيها لتهديدات بالقتل تقول أنها واجهتها بشجاعة.
خيروني بين الحجاب أو الموت
كيف ترين نظرة المجتمع للمرأة التي تمارس السياسة، خاصة تلك التي تحتكّ بعامة المواطنين؟
أولا، الأمور انقلبت رأسا على عقب، المرأة الجزائرية كانت دائما في الواجهة عندما يتعلق الأمر بالوطن و شاركت في العمل السياسي و الثوري، و هناك نساء خلدن أسمائهن بحروف من ذهب، أذكر لك على سبيل المثال لا الحصر، الكاهنة، لالة فاطمة نسومر، حسيبة بن بوعلي، و كلهن عُرفن بالشجاعة و الذكاء بل و كنّ قادة على الرجال، و بعدها شاركت المرأة في مهمة التشييد و البناء، و بعدها تراجع دورها بشكل كبير بفعل النظرة السلبية التي فرضتها بعض الأطراف، والتي حاولت تقزيم دور المرأة في المجتمع، و تسويق صورة عن أنها غير قادرة على العمل السياسي، بحجة أنها ناقصة عقل..  حدث ذلك في التسعينيات بفعل التيارات السياسية التي كانت تنشط وقتها، و لم يتبق من النساء المناضلات إلا القليل، و هو نفس الأمر الذي وقع للرجال أيضا، فقد عرفت هذه المرحلة تدهورا كبيرا في العمل النضالي لتخوف الناس من التعرض للقتل.. أنا شخصيا تلقيت في بداية الأزمة تهديدا بالقتل، أتذكر يومها أنني كنت في المنزل عندما وصلتني رسالة من مجهولين، لما فتحتها كانت ملطخة بالدماء، و قد كتب عليها أنه يجب علي التوقف عن العمل السياسي، و ارتداء الحجاب أو سيكون مصيري الموت.
كيف تعاملت مع التهديد بالقتل،  و هل أخبرت عائلتك؟
لا أخفي عليك.. لقد أصبت برعب كبير، غير أنني لم أخبر عائلتي بذلك، حيث أخفيت الرسالة عن والدي و سلمتها للمصالح الأمنية، كما أنني خففت الخروج بمفردي و كنت ألتزم بتوجيهات بعض الزملاء في الحزب، و صرت أخرج مع شقيقتي بشكل دائم و لمدة طويلة.. أذكر أنه في أحد الأيام لما كنت رفقتها بصدد التوجه للعمل، و بينما كنا ننتظر قدوم الحافلة على مستوى مدينة الخروب، توقفت بالقرب منا سيارة نزل منها أربعة أشخاص كانوا يريدون أن يعتدوا علينا، قبل أن يلوذوا بالفرار عند مشاهدتهم دورية لمصالح الأمن.
النساء أكثر حضورا من الرجال في البرلمان
لقد حرصت على ألاّ أخبر أحدا بالتهديد الذي تلقيته، لأنني كنت متيقنة أن عائلتي لن تسمح لي بمواصلة النضال السياسي خوفا على سلامتي، خصوصا والدتي التي عانت كثيرا، بعكس والدي الذي كان يشجعني كثيرا.
ما هو تقييمك لدور المرأة في الحياة السياسية اليوم؟
هناك عودة تدريجية لنشاط المرأة سياسيا، سيما بعد اعتماد حصة 30 في المائة للنساء داخل المجالس المنتخبة، و هذا الأمر يجب أن ننوه به، فلولاه لما رأينا المرأة تترشح على رأس القوائم الانتخابية، حيث أثبتت أحقيتها في هذه المكانة من خلال ما تقوم به تحت قبة البرلمان، رغم ما يقال عن هذا البرلمان و الوصف الذي يطلق على أعضائه، إلا أنه يمكن الوقوف على الكثير من البرلمانيات اللواتي صنعن الفرق، من خلال تدخلاتهن المهمة خلال مختلف الجلسات، و كذا النشاط الكبير الذي تقمن به، كما أن الحضور النسائي في الجلسات يكون دوما أكثر من الرجال، لهذا يمكنني أن أقول أن الوضع الذي تعيشه المرأة لا علاقة له بنظرة المجتمع، بل الأوضاع السياسية هي التي رسمت عنها هذه الصورة.
النضال الحزبي أنساني نفسي
تحتلين مكانة مرموقة في حزب الأرندي، كيف استطعت تحقيق ذلك؟
الأمر بسيط.. بالعمل، لقد ضحيت كثيرا سواء على المستوى المهني أو الشخصي، و أعتقد أن على كل فرد أن يلتزم بثلاثة أمور، القناعة، الالتزام و العمل، أذكر أنني في السابق ضحيت بنصف راتبي الذي كان يتعرض للاقتطاع بسبب غيابي عن عملي بمؤسسة «نفطال» عندما كنت منتخبة بالمجلس الشعبي الولائي، دون أن أعترض على ذلك، رغم أن القانون يسمح لي  بالتغيب.
أما فيما يخص الجانب الشخصي، فنضالي المتواصل بالحزب أنساني نفسي و كان له أولوية على الزواج و إنشاء عائلة و أبناء، كما تسبب لي في السابق بمعاناة صحية كبيرة، لكن لست نادمة لأني أعتقد أنني ساهمت في بناء الدولة و لو بجزء قليل.
ألم تندمي على اختيار السياسة على حساب إنشاء أسرة؟
لا أبدا، فأنا أملك سعادة داخلية كبيرة تجاه ما استطعت تحقيقه لحد الآن، و ما قمت به لفائدة البلاد و حزبي، كما أن إيماني بالله يدفعني في بعض الأحيان لقول أن ما أنا عليه الآن كان مُقدّرا لي.. هناك نساء مكثن في المنزل من أجل الزواج فلا هن تزوجن و لا هن عمل أو قدمن شيئا، على الأقل أنا استطعت تحقيق شيء لبلادي و للحزب الذي أناضل في صفوفه.
لم أرتبط لأن الجزائري لا يتفهم الزوجة السياسية
هل تعتقدين أن زواجك كان سيحول بينك و بين طموحك السياسي؟
نعم بكل تأكيد، في إحدى المرات تقدم إلي رجل يملك كافة المقومات، كان أستاذا جامعيا توفيت زوجته و له أطفال، و قد طلب مني الزواج، قلت له وقتها أنه يجب أن يبحث عن امرأة ماكثة في البيت لتكون سندا له و لأبنائه الصغار، أما أنا فلي اهتمامات أخرى، و لا أستطيع أن أتحمل مسؤولية المنزل و الوفاء بواجبي كاملا، رغم ذلك لم يعترض و أصرّ على طلبه، فكانت إجابتي أنه بذلك ليس جزائريا بأتمّ معنى الكلمة، فالرجل الجزائري الذي نعرفه جميعا لن يقبل أن تغادر زوجته المنزل من أجل ممارسة السياسة، قد يتفهم الأمر في البداية، لكن مع مرور الوقت لن يسمح بذلك، و لهذا السبب رفضت أن أرتبط ، رغم أنني لا أنكر على النساء الأخريات اللواتي فضلن الاستقرار في حضن عائلاتهن.. لكل رغبته و يجب أن نحترم رغبات و توجهات الجميع.
السياسة موهبة لا تصنعها الشهادة الجامعية
و الآن، هل تغيّرت حياتك بدخول البرلمان؟
حياتي عادية جدا، فبعد وفاة والدي صرت أعيش مع شقيقي في منزل العائلة مثلي مثل أبناء أخي، كما أشركت عائلتي في عملي السياسي، فهم على إطلاع على  كل  ما أقوم به  بالتفاصيل ، و لهذا هناك نوع من السلاسة، بدليل أنني أقوم باستضافة مناضلات التجمع الوطني الديمقراطي بالمنزل في الكثير من الأحيان، فقد تعلمت من تجاربي السابقة أن هذا الأسلوب، أحسن طريقة حتى تطمئن أسرتي علي.
هناك من ينظر بسلبية لبعض البرلمانيات، ألم تضرّك هذه النظرة؟
عندما أسمع البعض يقول أن البرلمان الحالي برلمان «حفّافات» و يُطلق عليه بعض الأوصاف الأخرى أتألم في داخلي، لكن ذلك لا يضرنا، أليست الحلاقة مهنة شريفة؟ هناك الكثير من الجامعيات و الدكاترة اللواتي يملكن صالونات حلاقة و تجميل ، و السياسة ليس لها أي علاقة بالتعليم.. نعم من الجيد أن يكون هناك رجل سياسي و متعلم، و لكن لا يجب أن نجعله مقياسا للجميع، الكل يعلم أن السياسيين الكبار لم يكونوا جامعيين، كما أن ثورتنا لم تخرج عن هذه القاعدة، فمن قادوا الثورة   لم يكونوا متعلمين بشكل كبير، و خلال مفاوضات «إيفيان» تمكنوا من إسكات العالم، أنا أرى أن السياسة موهبة، تصقل بحب الوطن.
أكبر السياسيين لم يكونوا جامعيين
تواصلين النضال في القاعدة رغم وصولك إلى المكتب السياسي للأرندي، أمر نادر بين الإطارات الحزبية، كيف استطعت تحقيق هذه المعادلة؟
أحاول أن ألتزم بالوعد الذي قدمته للمواطنين خلال الحملة الانتخابية، لقد وعدتهم بأن أسعى لحل مشاكلهم، و هو ما أقوم به، فأنا أتواجد بالمكتب الولائي للحزب بشكل شبه دائم، و أستقبل المواطنين و أسعى لأن أقدم لهم الدعم لحل مشاكلهم، و أعتمد في ذلك على الصراحة.. الحمد  لله استطعت أن أساهم في حل الكثير من المشاكل بالقدر الذي أستطيع، فالمناضل هو جندي البلاد.. لا أجد حرجا فيما أقوم به و أسعى بكل ما أوتيت من قوة لتقديم الإضافة لبلدي و للمجتمع.
ليس هذا فقط، فلا زلت أعود إلى منزلي باستعمال سيارة الأجرة كأي شخص آخر لأني لا أملك حتى سيارة خاصة، كما لا أملك منزلا لأنه ليس لدي المال الكافي لذلك، و لم أسجل في الصيغ السكنية الأخرى لذلك لا زلت أقطن بمنزل العائلة.. كل هذا لا ينقص من شأني بل يرفعني بين أبناء بلدي.
على المستوى الحزبي، أعتبر نفسي كأي مناضلة أخرى، أسعى للعمل و التفاني فيه و أن أنافس الرجل.. خلال تحضيرنا للمؤتمر الاستثنائي للحزب قبل أشهر، طُفت بـ 15 ولاية شرقية في مدة 10 أيام فقط، لقد قاومت التعب الشديد الذي لم يستطع الرجال تحمله بدليل أنه تداول على العمل معي 4 سائقين لم يستطيعوا تحمل الريتم الذي كنت أفرضه على نفسي.
طلبت إعفائي من النضال مرتين لكن أويحيى رفض
ألم تفكري في التوقف عن السياسة؟
نعم كل بداية لها نهاية، و كل مرة أفكر فيها عن الابتعاد نوعا ما أجد نفسي أغرق أكثر، على سبيل المثال سنة 2007، رشحت في آخر القائمة الانتخابية للتشريعية، بعدها و عند التحضير للمحليات، طلبت من المسؤول الولائي إعفائي لفائدة مناضلين آخرين لأنني قضيت عهدتين كمنتخبة بالمجلس الولائي، كنت أنوي الابتعاد عن النضال السياسي، و هو ما حصل، أتذكر وقتها أن أحمد أويحيى استفسر عن سبب إعفائي، لكن تفاجأت بعدها بضمي كعضو بالمجلس الوطني.. نفس الأمر تكرر معي بعد رحيل أويحيى من على رأس الأمانة العامة للأرندي، حيث ابتعدت قليلا، قبل أن يتم تعييني من قبله مرة أخرى في المكتب الوطني.
حدثينا عن علاقتك بالأمين العام للحزب أحمد أويحيى؟
يحترمني كما يحترم كافة زملائي بالمكتب الوطني و كل المناضلات بالحزب، أويحيى يقدرنا و يستمع إلينا و إلى اقتراحاتنا، كما يثق فيما نقدمه، حتى أنه خلال الاجتماعات التي تربطنا به يقدمنا على زملائنا الرجال، و هذا يدفعنا للمضي و تقديم المزيد.
أجرى الحوار: عبد الله بودبابة

الرجوع إلى الأعلى