يصنع سليم بوغيوط، قبطان باخرة صيد بحري من سكيكدة، الحدث على مواقع التواصل بفضل الفيديوهات التي ينشرها لزيادة الوعي البيئي، زرناه مؤخرا، بميناء الصيد البحري سطورة، وهناك حدثنا عن تجربته و كيف يحاول أن يؤدي عمله بكل احترافية دون الإضرار بالمحيط و كائناته، لا سيما القشريات البيوضة التي قال إنه يفضل إعادتها للبحر عوض اصطيادها لكي يضمن استمرار الإنتاج وتوازن البيئة.
كمال واسطة
كما يلعب عمي سليم، كما يلقبه البحارة وعمال الميناء، دورا كبيرا في الترويج للسياحة من خلال الفيديوهات التي يقوم بتصويرها ليبرز معالم ومقومات الساحل الجزائري ومناظره الخلابة بالموازاة مع عمله ونشاطه كربان سفينة للصيد البحري.
40 سنة في البحر
يعتبر سليم بوغيوط، من أقدم وأبرز قباطنة سفن الصيد البحري عبر الوطن، قضى 40 سنة من العمل في هذه النشاط، بين بحار ومحيطات أهلته لاكتساب خبرة جعلته محط إعجاب أبناء مهنته من جزائريين وأجانب، وقد أكد خلال لقائنا به، أنه رفض على مر الأعوام، كل العروض والمغريات للعمل والاستقرار في أوروبا، مفضلا البقاء في وطنه الأم ونقل خبرته وتجربته في الميدان للأجيال الصاعدة، كما لقي الإشادة والتكريم من منظمة التغذية العالمية ومن وزارة الصيد البحري وتربية المائيات على جودة نشاطه ومحاربته للتلوث البحري. أكد محدثنا، أنه يرفض التفكير المادي المطلق، ولا يستسلم للمنطق الربحي رغم كل الظروف، فعلاقته بالبحر والأسماك قوية جدا ونابعة من وعيه بمسؤوليته كإنسان تجاه البيئة والمحيط، وهو تحديدا ما يضمن له الاحترام والتقدير، كما أنه سلوك حقق شهرته في سكيكدة والجزائر عموما، وقد بات اسمه يتردد حتى بين أبناء الجالية الجزائرية خارج الوطن، الذين تصله منهم رسائل تحية و احترام تقديرا لسلوكه الحضاري.
أخبرنا، خلال زيارتنا له بميناء الصيد البحري في سطورة، أن مهنته منحته حب الناس ودرجة كبيرة من الوعي، وأكسبته ثقافة واسعة في مجال النشاط البحري بعيدا عن سلطان المال الذي يأتي مثلما قال في آخر اهتماماته، لأن التواجد في عرض البحر والتأمل في عظمة الخلق، فضلا عن الصلاة والعبادات شعور مريح منقطع النظير يغني عن كل شيء في الدنيا.
مهنة حملني إليها شراع الصدفة
أوضح، أن دخوله مجال الصيد البحري لم يكن اختيارا منه وإنما كان عن طريق الصدفة، إذ خرج مرة في نزهة بحرية مع زميل له يدعى سمير سوامس، ليكتشف بعدها أنه عاشق للبحر و للصيد فالتحق مباشرة بطاقم الباخرة لفترة معينة وسرعان ما تم إدماجه رسميا لتعويض عامل مريض وكان ذلك في 1984.قال لنا مسترسلا :» أعد لي زميلي سمير دفتر ملاحة باسمي ولما عاد ذلك العامل لاستئناف نشاطه، كنت قد أثبتت بأني أهل للوظيفة و بأني أملك شغفا و تصورا أكبر».
وأوضح محدثنا، أن حبه لهذا النشاط وتعلقه به دفعه للتعمق أكثر في خباياه حتى يوسع معارفه، فخضع للتكوين في معهد القل، ثم تنقل إلى العاصمة لمواصلة دراساته العليا في معهد بوسماعيل، وتدرج من بحار إلى ميكانيكي ثم إلى رئيس باخرة، وقد شكر القبطان بالمناسبة الدولة التي وفرت له كل سبل النجاح في هذه المجال، قبل أن يتنقل إلى إسبانيا لاكتساب الخبرة من مختصين في قيادة وتصليح سفن الصيد البحري، أين بلغ هناك مستوى جعله يشرف على تكوين حوالي 12 إطارا من العاملين معه، قال إن معظم المعنيين كانوا بحارة و أصبحوا حاليا رؤساء بواخر سفن الصيد البحري.
وتابع المتحدث، أنه عمل طيلة 40 من النشاط مع العديدين آخرهم متعامل من قسنطينة يملك سفينة «ابن مريم»، التي يشتغل عليها عمي سليم حاليا، مؤكدا بأنه وجد راحته في العمل معه، وأن علاقته بمالك السفينة مبنية على الثقة والانسجام والتفاهم الذي يسود كل طاقم السفينة، لدرجة تشعره أنه بحار مثلهم وليس ربان باخرة كما قال.
وأضاف أن ما يميزه وقت العمل هو الصرامة في التعامل والتنظيم وأنه يعرف كيف يسير شؤون السفينة بناء على تخصص ووظيفة كل فرد عليها، مشيرا إلى أن الطاقم مكون من 6 أشخاص، يحرس هو على أدائهم لمهامهم وعلى سلامتهم كذلك، وأنه يبلغ حراس السواحل بكل تحركات السفينة وطاقمها، لأنهم شريك مهم جدا في عملهم ودورهم رئيسي لضمان ظروف نشاط جيدة.
شروط الإبحار
اصطحبنا عمي سليم إلى مقصورة القيادة، وشرح لنا طبيعة عمله مؤكدا أنه لابد من التأكد من حالة الطقس ومدى ملاءمته للإبحار قبل الخروج للصيد، لأن:» هناك حالات يمكن الخروج فيها حتى وإن كانت الأجواء ممطرة، لكن الرياح هي أكثر ما يزعجنا لذلك نرفض المغامرة عندما تكون قوية تجنبا للأخطار، كما لا يمكنني أبدا الإبحار بمفردي لأن البحر صعب جدا». يواصل :»يجب كذلك التأكد من وضعية الوقود والتشاور مع العمال، وعلى وجه الخصوص الميكانيكي حول وضعية السفينة في حال كانت بها أعطاب أو غيرها من النقائص التي تعيقنا في مهمتنا، ولأنني أخشى من الأخطاء التي قد تحدث من حين لآخر أحرص دائما على مراقبة كل شيء بنفسي، مثل الأجهزة ووضعية شباك الصيد، وبعد أن أتأكد بأن كل شيء على ما يرام نقوم بالإبحار إلى وجهتنا ومن ثم تبدأ مهمتي داخل مقصورة القيادة». داخل المقصورة قدم لنا مضيفنا شروحات حول الأجهزة ودور كل واحد منها مثل الراديو و مؤشر العمق وأجهزة تحديد المواقع «جيبياس»، وقال بأن كل طاقم السفينة يعمل وفق أوامره وإشارته.
تربطني علاقة خاصة بالأسماك ولست من هواة الربح السريع
وبخصوص قصته أو بالأحرى علاقته بالأسماك وعلى وجه الخصوص أسماك القشريات قال، إنها خاصة جدا وعاد بنا إلى حادثة وقعت له مؤخرا في إحدى رحلات الصيد، ولقيت رواجا وصدى كبيرين ليس فقط في الجزائر وإنما في الخارج وبالتحديد لدى الجالية الجزائرية في أوروبا.
قال، إن تلك الرحلة قادته إلى نواحي شطايبي بولاية عنابة، أين وجد في شباك الصيد كميات كبيرة من جراد البحر في مرحلة التبييض، وهو نوع له قيمة غذائية كبيرة وعائدات مادية كبيرة، موضحا، أنه لم يستسلم للمنطق المادي، بل فضل التحلي بأخلاق الربان الحقيقي و الإنسان الواعي بضرورة حماية البيئة، فاتفق مع طاقمه على إعادة الأسماك للبحر لإتمام عملية التبييض والولادة.
وقال إنه يتعين كذلك على الصيادين الآخرين أن يدركوا أن القانون لا يسمح بالصيد في حالات مماثلة، وأن الله يقدم العوض دائما. وذكر المتحدث، أنه قام بتصوير الحادثة ونشر الفيديو عبر مواقع التواصل قصد التوعية والتحسيس بضرورة ترك الأسماك في مرحلة التبويض في حالة صيدها بالخطأ، وإلزامية إعادة رميها في البحر لاستكمال مرحلة الولادة، ولم يكن هدفه طلب الشهرة أو الانتشار على المنصات، لكن هذا التصرف جلب له احتراما وتقديرا كبيرين من متابعين في الجزائر وخارجها شكروه على سلوكه الحضاري. وأضاف أن الفيديوهات التي يقوم بتصويرها من حين لآخر حول نشاطه في البحر، حققت له شهرة و اهتماما وأصبح له متابعون كثر، خصوصا وأن نشاطه لا يقتصر فقط على الصيد، وإنما تعداه إلى الجانب السياحي من خلال تصوير المناظر الخلابة للساحل الجزائري والترويج على نطاق واسع عبر شبكات التواصل.
لهذا رفضت رحلة مصر وهكذا
نجونا من الموت
يروي المتحدث، مغامراته في المحيطات والبحار ويتحدث عن رحلاته إلى اسبانيا في سنوات 2000 و2002 و2006 بغرض ترميم الباخرة، حيث تعرف على بحارة أجانب وتعلم طريقة عملهم ولاحظ تطورا كبيرا في نشاطهم في مجال الصيد البحري، وكذا احترامهم للقانون.
قال، إنه لقي ، كل الترحاب والاحترام خلال فترة مكوثه هناك حيث أعجب زملاؤه الأجانب بعمله وطلبوا منه الانتقال رفقة عائلته للعيش في إسبانيا، وقدموا له كل المغريات الممكنة، لكنه رفض معلقا على الأمر :» رفضت لقناعتي أن الخبرة التي أكتسبها يجب أن توظف لصالح بلدي».
كما حدثنا، عما وقع له سنة 1992، لما تم اختياره كممثل عن ولايات الشرق من أجل التنقل مع بعثة جزائرية إلى مصر للتكوين على السفينة لمدة 15 يوما في بورسعيد، و 15 يوما أخرى في البحر بالإسكندرية، قائلا:» لما وصلتني الدعوة رفضت مباشرة وقدمت اعتذاري لأني كنت منشغلا بالتحضير لحفل زفافي، عوضني الله بالكثير من الأشياء الجميلة بعدها، حيث حظيت بتقدير وتكريم من طرف منظمة التغذية العالمية «فاو» نظير مساهمتي في محاربة التلوث البحري، وكرمني وزير الصيد البحري والمنتجات الصيدية العام الفارط. حدثنا عمي سليم كذلك، عن المصاعب التي واجهها ويواجهها في البحر قائلا:» لا يخلو البحر من المخاطر ولن تسلم منه حتى ولو كنت صاحب خبرة طويلة في المجال».
عادت بنا ذكرياته إلى حادثة وقعت له قبل سنوات نجا منها هو وأفراد طاقم السفينة بأعجوبة، وأخبرنا أنه يومها كلف مرافقه في إحدى الرحلات بأن يحل محله في المقصورة لقيادة السفينة حتى يتسنى له أخذ قسط من الراحة، ولسوء الحظ أن النعاس غلب مرافقه أيضا فاصطدمت السفينة بجبل بمنطقة رأس الحديد بالمرسى. قال:» أذكر أني كنت نائما عندما وقع الحادث الذي تسبب لي في كسر في فمي، كان الوضع صعبا لكننا تمكنا من إخراج السفينة إلى الشاطئ بأمان رغم امتلائها بالماء، وحمدنا الله على خروجنا سالمين».
يواصل:» لا أحب تذكر تلك الحادثة، لكن تعلمت منها أن لا أشرد أبدا وأنا على ظهر الباخرة، وأن أكون دائما الربان و الميكانيكي وخياط الشباك وأتعلم القيام بكل الوظائف».
ولم ينس المتحدث، فضل الدولة في تطوير القطاع وتقديم يد المساعدة لأصحاب سفن الصيد البحري، وخص بالذكر حراس السواحل الذين يقومون بتقديم كل الدعم للبحارة سواء من خلال عمليات التوعية، أو عبر التسهيلات اليومية لدرجة تجعلك تشعر كما قال، بأنهم بمثابة طبيب في البحر.وأكد المتحدث، أنه طيلة 40 سنة من النشاط، لم يفكر في شراء باخرة رغم قدرته على ذلك، لأنه يجد راحته في العمل عند المتعاملين الذين يشعرونه بأن السفينة خاصته، مشيرا إلى أنه حقق كل أمانيه تقريبا، خصوصا وأنه لا يقيم الحياة بمنظور مادي معتبرا محبة الناس كنزا لا يقدر بثمن، وأن أكثر ما يهمه اليوم، هو توريث خبرته للأجيال الجديدة من البحارة في منطقة سطورة الساحرة.
جهود حثيثة لمكافحة المشكلة
النفايات السائلة خطر يهدد الحياة بالوسط المائي العذب
تتعرض بيئة الوسط المائي العذب بالجزائر لإجهاد كبير، بسبب موجات الجفاف المتعاقبة و تأثير التغيرات المناخية و النمو الديموغرافي المتسارع حول مصادر المياه كالأودية و السدود حيث تعيش كائنات حية من نباتات و حيوانات و طيور وزواحف، و أسماك و ضفادع وحشرات تشكل عصب التوازن بالوسط المائي، و المحيط الجغرافي المجاور.
فريد.غ
و يقف السكان المجاورون للأودية بالجزائر على اختلال كبير للحياة بالوسط المائي العذب في العقود الأخيرة، فلم تعد هناك تلك الأعداد الهائلة من الزواحف و الضفادع و الطيور و النباتات، و السبب حسب هؤلاء السكان هو مصبات السوائل السامة، كمياه الصرف الصحي و نفايات المصانع و محطات الخدمات، بالتجمعات السكانية الكبرى التي تعاني من نقص في محطات التصفية و المعالجة، التي تعد الحل الأمثل للحد من مخاطر التلوث المهدد لبيئة الوسط المائي العذب الذي يعد ركيزة للتنوع و التوازن البيئي. و تعمل الجزائر منذ عدة سنوات على مكافحة التلوث بالسوائل السامة و المحافظة على الثروة المائية العذبة، و الكائنات الحية التي تعيش فيها، و ذلك من خلال بناء المزيد من محطات التصفية عند مصبات المدن، و تجهيز مراكز الردم التقني بنظام معالجة العصارة السامة، و اتخاذ المزيد من التدابير تجاه المصانع و محطات الخدمات، لحثها على تركيب أنظمة معالجة السوائل السامة و وضع حد لظاهرة التخلص منها في الوسط المائي، كالمجاري الطبيعية التي تعد البيئة الملائمة لحياة الطيور و الزواحف و الأسماك والضفادع، التي لم يعد يسمع لها ذلك النقيق الهادر عندما كانت بيئة الوسط المائي سليمة و ملائمة للحياة.
محطات التصفية.. جدار الحماية الأول للحياة بالوسط المائي
لا تكاد توجد مدينة كبرى بالجزائر، و لا مركز للردم التقني، دون محطة لتصفية المياه العادمة و عصارة النفايات المشبعة بالمعادن الثقيلة، و بالرغم من ذلك مازالت الحياة بالأودية و السدود في الجزائر عرضة للخطر بسبب التلوث بالسموم المهددة للنباتات و الطيور و الحيوانات والزواحف و أسماك المياه العذبة، حيث تعد المدن الصغيرة و القرى الواقعة على ضفاف الأودية مصدرا ملوثا للوسط المائي، نظرا لانعدام محطات صغيرة للتصفية و معالجة المياه العادمة المحملة بالسموم و المعادن الثقيلة.
و يعد مجرى نهر سيبوس الكبير بقالمة على سبيل المثال، الأكثر عرضة للتلوث بالمنطقة، فهو يستقبل مصبات الصرف الصحي القادمة من عدة مدن و قرى بلا محطات للتصفية و المعالجة بينها مدن وادي الزناتي، برج صباط، بوحمدان، حمام دباغ، مجاز عمار، بلخير، بومهرة أحمد و بوشقوف. و لا تقتصر مضار المياه الملوثة على الحياة بالوسط المائي فقط، بل تطال حتى قطاع الزراعة المسقية، لكن هذا الخطر في تراجع تحت تأثير إجراءات المنع و العقوبات الرادعة.
uخبير البيئة كريم ومان
المياه العادمة تسبب اختلالا للنظم البيئية
يقول خبير البيئة و المدير العام السابق لوكالة النفايات كريم ومان، متحدثا للصفحة الخضراء، بأن النفايات السائلة الحضرية والصناعية تشكل تهديدًا خطيرًا لحياة الكائنات الحية في البيئة الطبيعية، مضيفا بأن تأثيرها على البيئة متعدد الأوجه وقد يكون مدمرًا إذا لم تتم إدارتها بشكل صحيح.
في النظم البيئية المائية، يمكن أن يكون لهذه النفايات غير المعالجة عواقب وخيمة، يوضح المتحدث، فالملوثات العضوية التي تحتويها تستهلك الأوكسجين المذاب في الماء، و هو ما قد يؤدي إلى اختناق الأسماك والكائنات المائية الأخرى، علاوة على ذلك، تتراكم المواد السامة مثل المعادن الثقيلة في السلسلة الغذائية، مما يؤثر ليس فقط على الأنواع المائية ولكن أيضًا على الطيور والثدييات التي تتغذى منها. كما يعطل هذا التلوث دورات التكاثر للعديد من الأنواع، مما يؤدي إلى انخفاض في أعدادها.
و حسب كريم ومان فإن النباتات، سواء المائية أو البرية، ليست بمنأى عن هذه الآثار، فالإثراء الغذائي، الناجم عن فائض المغذيات في النفايات السائلة، يسبب انتشارًا للطحالب التي تخنق النباتات المائية الأخرى. كما أن الملوثات، التي تمتصها جذور النباتات، تؤثر على نموها وتكاثرها، أما عصارة مكبات النفايات العمومية، فعند تسربها إلى التربة، تجعلها غير صالحة لنمو النباتات و سامة للكائنات الحية الضرورية لخصوبتها.
إن تلوث التربة والمياه الجوفية بهذه النفايات السائلة، يضيف خبير البيئة الجزائري كريم ومان له تداعيات طويلة المدى، فهو لا يؤثر فقط على جودة المياه الجوفية، بل يشكل أيضًا مخاطر صحية كبيرة على السكان المحليين الذين يعتمدون على هذه الموارد للشرب والسقي، و قد تحتوي النفايات السائلة غير المعالجة على عوامل مُمرضة تسبب أمراضًا مختلفة للإنسان.
إن اختلال التوازن في النظم البيئية هو نتيجة رئيسية أخرى، يقول المتحدث، فاختفاء أو تراجع بعض الأنواع الرئيسية قد يعطل نظامًا بيئيًا بأكمله، مما يؤثر على التنوع البيولوجي المحلي كما أن الأراضي الرطبة، التي تعتبر حساسة بشكل خاص، يمكن أن تتدهور بشدة، مما يفقدها دورها المحوري في التطهير الطبيعي للمياه وكموطن للعديد من الأنواع.
في مواجهة هذه التحديات البيئية الكبيرة، اتخذت الجزائر إجراءات هامة، يوضح خبير البيئة كريم ومان، فقد وضعت السلطات إطارًا قانونيًا قويًا لحماية البيئة، لا سيما القانون رقم 03-10 المؤرخ في 19 يوليو 2003 المتعلق بحماية البيئة في إطار التنمية المستدامة، و يحدد هذا التشريع المبادئ الأساسية وقواعد الإدارة البيئية.
بالتوازي مع ذلك، تم وضع معايير صارمة للنفايات السائلة الصناعية، حيث يحدد المرسوم التنفيذي رقم 06-141 المؤرخ في 2006 قيمًا حدية دقيقة، لتصريف النفايات السائلة الصناعية تغطي مختلف المعايير مثل الطلب البيوكيميائي على الأوكسجين، والطلب الكيميائي على الأوكسجين، والمواد العالقة، حيث تهدف هذه المعايير إلى ضمان احترام النشاطات الصناعية لمعايير بيئية عالية.كما استثمرت الدولة الجزائرية بشكل كبير، في تحديث وتوسيع البنية التحتية لمعالجة مياه الصرف الصحي، حيث تم بناء محطات عديدة لمعالجة مياه الصرف في العديد من الولايات مما أدى إلى تحسين في نسبة السوائل الحضرية المعالجة. كما بذلت جهود ملحوظة لتحسين إدارة مكبات النفايات العمومية، لا سيما من خلال إنشاء مراكز الردم التقني، وتجهيزها بوحدات معالجة العصارة وإعادة تأهيل المكبات القديمة.كما يتم إشراك الصناعيين، حيث تلزمهم اللوائح السارية بمعالجة نفاياتهم السائلة قبل تصريفها في البيئة. كما يتم توعيتهم باستخدام وسائل صناعية أكثر نقاء، تولد اقل نفايات سائلة. و خلص المتحدث إلى القول بأنه و على الرغم من هذه الجهود الكبيرة، لا تزال هناك تحديات حيث يستغرق التنفيذ الكامل لهذه التدابير وقتًا ويتطلب موارد كبيرة، كما أن التوسع العمراني السريع، والتنمية الصناعية المستمرة، يطرحان تحديات جديدة تتطلب يقظة مستمرة وتكييفًا للسياسات البيئية.
uالباحث في علوم البيئة
و الحياة البرية علي العافري
الأوكسجين المذاب مصدر الحياة بالوسط المائي العذب لكنه يتعرض للاختلال
يقول الباحث في علوم البيئة و الحياة البرية، الأستاذ بجامعة خنشلة، علي العافري متحدثا للصفحة الخضراء، بأن مياه الصرف الصحي وسوائل المصانع تحتوي على مواد كيميائية وعضوية متنوعة قد تكون سامة للكائنات الحية. و تشمل هذه الملوثات المواد الكيميائية السامة، والمعادن الثقيلة، والمواد العضوية الملوثة مثل الزيوت والشحوم. عندما تُلقى هذه الملوثات في الأنهار والسدود، فإنها تؤدي إلى تغيير خصائص المياه مثل درجة الحموضة، ودرجة الحرارة، ومستويات الأوكسجين، مما يجعل البيئة غير ملائمة للكائنات الحية، كما أن الملوثات العضوية تؤدي إلى ازدياد نمو الطحالب و البكتيريا، خاصة من نوع cyanobactéries كما حدث في السنوات القليلة الماضية لسد بوحمدان بولاية قالمة.
و يضيف علي العافري بان الزيادة في نسب المواد العضوية قد تؤدي إلى ظاهرة بيئية خطيرة تعرف بالإثراء الغذائي (Eutrophication) هذا النمو السريع يستهلك كميات كبيرة من الأوكسجين المذاب في المياه، ما يؤدي إلى انخفاض مستويات الأوكسجين المتاحة للكائنات الحية الأخرى. و يؤدي هذا النقص في الأوكسجين إلى اختناق الأسماك والكائنات المائية الأخرى، وبالتالي انخفاض أعدادها أو حتى انقراضها في بعض المناطق.
و حسب المتحدث فإن العديد من المواد الكيميائية التي توجد في مياه الصرف الصحي، وسوائل المصانع مثل الرصاص، و الزئبق، والكادميوم، يمكن أن تكون سامة للغاية للكائنات المائية، حيث أن هذه المواد تدخل إلى الأجسام الحية من خلال السلسلة الغذائية، وتؤدي إلى تشوهات أو أمراض خطيرة، وربما إلى وفاة هذه الكائنات، فالأسماك، و الضفادع على سبيل المثال، قد تتعرض لتشوهات في النمو أو خلل في وظائفها الحيوية بسبب تعرضها للمعادن الثقيلة. إن التلوث المستمر للمياه العذبة يؤدي إلى اختلال في التوازن البيئي، حيث تقل قدرة الأنظمة البيئية على دعم التنوع البيولوجي، فالكائنات الأكثر حساسية للتغيرات البيئية مثل بعض أنواع الأسماك والبرمائيات، قد تنقرض أو تقل بشكل حاد، لكن و من جهة أخرى، قد تزدهر الكائنات الأكثر مقاومة، مما يسبب خللاً في النظام البيئي ككل. و كحالة خاصة تعتبر أيضا فضلات المستشفيات من أخطر الملوثات، فبقايا الأدوية خاصة المضادات الحيوية التي يمكن أن تصل إلى المسطحات المائية، يمكن أن تساهم في زيادة مقاومة عدة أنواع من البكتيريا للمضادات الحيوية، كما أن التلوث له تأثير غير مباشر على الإنسان أيضًا، حيث ان استهلاك الأسماك الملوثة أو استخدام المياه الملوثة في الري قد يؤدي إلى انتشار أمراض مزمنة مثل التسمم الكيميائي، بالإضافة إلى انتشار الأمراض المعدية الناتجة عن الملوثات البيولوجية الموجودة في مياه الصرف الصحي.
و يرى الباحث بأنه بات من الضروري مواصلة التدابير الوقائية للحد من تأثير مياه الصرف الصحي وسوائل المصانع على الأوساط المائية العذبة، حيث ينبغي اتخاذ تدابير صارمة مثل إنشاء محطات معالجة مياه الصرف الصحي، وإلزام المصانع بتركيب أنظمة معالجة للملوثات قبل تصريف مياهها، كما يجب تعزيز القوانين البيئية والرقابة على الصناعات، لضمان عدم تصريف النفايات بشكل مباشر في الأنهار والسدود.