حاز فريق من الباحثين الشباب بمركز البحث في البيئة لولاية عنابة، التابع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي بقيادة الباحثة ريميتة فريال، على براءة اختراع من المعهد الوطني الجزائري للملكية الفكرية، في أول اختراع لتنقية المياه المستعملة في مجال المحروقات بتقنية النانو الخضراء.
إيمان زياري
وتمكن الفريق مؤخرا، من نيل براءة اختراع لمشروعه الرائد وطنيا، بعدما كان قد قدم ملفا حوله سنة 2023، وهو بحث يعتمد على استعمال تقنية النانو الخضراء الفريدة من نوعها تكنولوجيا، لمعالجة النفايات السائلة.
بدأ المشروع من فكرة للباحثة والدكتورة في البيولوجيا فريال ريمية خريجة جامعة باجي مختار عنابة، حيث التحقت بمركز البحث في البيئة وباشرت نشاطها رفقة الباحثين هناك حول تثمين ورقمنة النفايات والطاقات المتجددة، وكذا مشروع محطة تصفية المياه الملوثة بالمحروقات، إلى جانب مشروع تربية المائيات.
نبتة سامة تحيي مياها ملوثة وتنقذ البيئة
أوضحت صاحبة الفكرة للنصر، أن أولى مراحل مشروع محطة التصفية انطلقت منذ نحو 3 سنوات، عندما دخلت الدكتورة ريمية في شراكة مع المركز، للعمل على بحوث جادة حول التحكم أولا في تقنية النانو الخضراء، ومن ثم استخلاص جسيمات النانو من بعض النباتات، على غرار نبتة «لايلونت» السامة، التي كانت قد صنفت ضمن خانة الخطر من قبل مصالح الغابات.
وقالت، إن ذات المصالح تقدمت في وقت سابق إلى المركز من أجل طلب المساهمة في التخلص من هذه النبتة بطريقة لا تلحق أضرارا بالبيئة، وهكذا أخضعت جسيماتها للتجارب على الفئران أين تم تحديد مستوى التسمم، ومن ثم التأكد من طبيعتها السامة. انتقلت التجارب بعد ذلك إلى المياه وبشكل خاص المياه الملوثة بالمحروقات والمعادن الثقيلة وتم التأكيد بأنها غير سامة.
من أجل اقتصاد دائري
لم تكن انطلاقة فريق الباحثين الذي نجح في تجاربه الأولى حول هذه الجسيمات اعتباطية، حيث أكدت الدكتورة ريمية، أن استراتيجية مركز البحث بعنابة تمركزت دائما حول التوجهات الوطنية والاحتياجات الراهنة.مضيفة، أن المركز يعتمد جملة من الركائز في مقدمتها العمل من أجل تحقيق وإرساء الاقتصاد الدائري، وذلك من خلال التخلص من الأشياء السلبية عبر إعادة استغلالها لأغراض بيئية مفيدة.وأوضحت الباحثة، أن العمل كان عن طريق التخلص من النبتة السامة في الطبيعة عبر نزعها، ثم استغلاها لاستخلاص جسيمات مفيدة خاصة في مجال معالجة وتنقية المياه، وهو موضوع تصنفه في خانة المواضيع الأكثر أهمية في ظل الكثير من المشاكل التي تواجه العالم وليس الجزائر فحسب، بسبب تزايد مخاطر تلوث المياه وشحها، والجفاف الذي يتهدد العديد من المناطق.وقد نجح فريق البحث المكون من 8 أفراد كما أشارت إليه، في إطلاق أول مشروع مصغر بقيادتها، بينما يتولى باقي الفريق مهامه كلا وفق تخصصه، علما أن المجموعة تضم أيضا مهندسا في البيولوجيا ومهندسة في التقنيات وغيرهم.
فعالية حتى في تحلية مياه البحر
ولأن المشروع يرتكز على تنقية المياه الملوثة ومعالجتها، فقد أكدت الباحثة أن التقنية التي يعتمدها فريق العمل من خلال محطة التصفية، لا تقتصر فقط على تصفية المياه الملوثة بالمحروقات أو المعادن، وإنما تمتد فاعليتها إلى عملية تحلية مياه البحر.
وأوضحت أن مياه البحر الواجب تحليتها يجب أن تخضع للمعالجة أولا باعتبارها مياها ملوثة، وهذا هو الدور الذي تقوم به محطة التصفية التي تمكنت من تقديم إضافة ملموسة.
ويشكل المشروع بكل ما يقدمه من فوائد وخدمات لإعادة استعمال المياه الملوثة وتنقيتها، استجابة للقوانين والالتزامات الدولية التي تفرضها الوحدة العالمية للموانئ، والتي تفرض عقوبات على الدول التي تطرح مياها ملوثة في البحار، مما يجعل هذه المحطة نقطة إيجابية في مسار برنامج تنقية المياه على المستوى الوطني.
من الموانئ إلى المؤسسات الصناعية
وكشفت الباحثة فريال ريمية، أنه من المنتظر أن تباشر وحدة تصفية المياه المتنقلة عملها بشكل رسمي على مستوى ميناء سكيكدة، وذلك في إطار تنسيق مشترك مع المركز.
وقالت، إن النتائج الكبيرة التي قدمتها أسالت لعاب العديد من الشركات الصناعية الخاصة، وذلك من أجل الاستفادة من خدماتها في مجال تنقية المياه الملوثة الناتجة عن التصنيع، في إطار سياسة وزارة البيئة التي تفرض على الصناعيين تنقية المياه التي ترمى في السدود أو الوديان كذلك، ومعاقبة كل من يتجاوز ذلك بعقوبات صارمة تصل إلى درجة الغلق النهائي.وأوضحت الباحثة، أن التجارب العملية للوحدة بدأت على مستوى مينائي سكيكدة وعنابة قبل نحو سنة، وكان يفترض تشغيل أول محطة بميناء عنابة، إلا أن بعض العراقيل حالت دون ذلك، فتم التواصل مباشرة مع ميناء سكيكدة. وبعد التجارب جرى تبني المشروع وتقرر وضع وحدة التنقية خلال أجل أقصاه شهر، وبسعة 5 أمتار مكعبة في الساعة.مضيفة، أن سعة الوحدة يحددها الزبون، علما أنها وصلت إلى معالجة 40 مترا مكعبا في الساعة، ما يعني أن الوحدة تتناسب مع حجم المياه الملوثة المراد معالجتها.
ابتكار وصناعة جزائرية خالصة
كما تمكن فريق العمل الذي نجح في صناعة وحدة تنقية المياه الملوثة بالمحروقات أو المعادن الثقيلة، من تقديم منتج جزائري 100 بالمائة، بحيث قالت رئيسة الفريق فريال برتيمة، إن كل ما تم الاعتماد عليه في المشروع جزائري، بداية بالفكرة، والفريق، والكفاءات التي عملت عليه وصولا إلى المواد التي دخلت في عملية الإنجاز، بما في ذلك التجهيزات التي وفرت بالتعاون مع المؤسسة الوطنية للهياكل المعدنية والنحاسية.
ودعت الباحثة، الشباب من خريجي الجامعات إلى المضي قدما في مجال البحث والابتكار، مؤكدة على ضرورة الإيمان بأن الفكرة يمكن جدا أن تتحول إلى حقيقة. لتثني على المراحل المتقدمة التي بلغتها الجزائر في هذا الميدان بفضل فتح الباب أمام المبدعين والشغوفين بخدمة البلاد وتقديم تسهيلات ومساعدات ساهمت في الكشف عن خزان هائل من الكفاءات الشبانية.
ابتكره ابن مدينة الوادي محمد عبد النور دادي
نظام زراعي صديق للبيئة يدمج تربية المائيات في عملية الزراعة
قدم متربص بالمعهد الوطني المتخصص في التكوين المهني بحساني عبد الكريم بالوادي، مشروع تخرج يتمثل في نظام زراعي مبتكر صديق للبيئة، يدمج بين تربية الأسماك والإنتاج الزراعي في دارة مغلقة مزودة بأداة لتصفية المياه الزائدة، ولوحة طاقة شمسية لتشغيلها وقت الحاجة.وقال دادي محمد عبد النور، وهو متربص مستفيد من تكوين تأهيلي موجه للمستفيدين من منحة البطالة، أن مشروع تخرجه عبارة عن تصميم نظام زراعي في دارة مغلقة، تتكون من 04 أنظمة منها حوض لتربية الأسماك، وجهاز لترشيح المياه وتصفيتها، والأحواض المخصصة لاستنبات الشتلات والبذور وتعمل كلها بالطاقة الشمسية.
وذكر صاحب المشروع، أن الحوض المائي المخصص لتربية الأسماك يستغل ما تنتجه هذه الكائنات الصغيرة من نفايات غنية بالعناصر الغذائية للنبات، ويعيد معالجتها لتصبح آمنة للاستعمال عبر أداة مدمجة بمضختين، واحدة تعمل على سحب مياه الحوض وتحويلها إلى نظام الترشيح الذي يزيل الفلتر الميكانيكي للنفايات الصلبة، ومضخة ثانية تدفع المياه المصفاة من أسفل الحوض الغنية بالأسمدة الطبيعية نحو أحواض الزراعة.
وأضاف محمد عبد النور، أن نظام النباتات تمتص العناصر الغذائية المتحللة في المياه وذلك على شكل عناصر غذائية، حيث تتم العملية عن طريق الجذور التي تعتبر مهمة في استمرار دورة المياه أيضا، بداية من صندوق الأسماك، و مرورا بأداة الترشيح التي توظف لأجل تصفية الماء بشكل جيد عن طريق إزالة النترات الزائدة من المياه، ونقلها عبر الجاذبية أو الأنابيب إلى حوض الأسماك.كما تم تخصيص جهاز لتوليد الكهرباء يعمل حسب ذات المتربص، عن طريق الطاقة الشمسية النظيفة والمتجددة، لتشغيل المضخات المثبتة على النظام الزراعي المبتكر في صندوق مياه تربية المائيات، وتدوير جهاز ترشيح المياه المستعملة فيه كذلك، بالإضافة إلى تشغيل جهاز تزويد الأسماك بالأوكسجين في المياه، مؤكدا حرصه على استغلال كل ما هو صديق للبيئة، التزاما بتوصيات الأستاذ المشرف على مشروع.
وأشار المتربص، إلى خاصية نظامه الزراعي الذي يعتمد بالأساس على دورة المياه المستدامة ويقلل من استخدام هذه الثروة بشكل مفرط في الزراعة، ناهيك عما تكلفه من حاجة للطاقة كهربائية وأسمدة كيميائية للزراعة، حيث يسمح بإنتاج الخضروات الطبيعية والأسماك بطريقة مثالية، تضمن الحصول على غذاء صديق للبيئة صالح في المناطق الحضرية والنائية.
ويمكن استغلال المشروع حسب المتحدث، في زراعة المساحات الصغيرة على غرار المشاتل الخاصة باستنبات شجيرات مختلف المزروعات من خضر وفواكه، وذلك في بيئة آمنة بعيدا عن الأمراض التي تتسبب فيها الزراعة في المساحات العادية، وهو ما يؤهله لأن يكون مشروعا يدر على صاحبه أموالا بما يوفره من شتلات للمزارعين.كما يسهل تجسيد هذا النوع من المشاريع في الزراعة على الأسطح، وداخل الأفنية في المنازل لاستزراع نباتات الزينة وحتى الخضروات وبعض الفواكه، التي يمكن أن تنتج في البيوت دون الحاجة لزراعتها بالطريقة الكلاسيكية التي قد تتأثر بالأعشاب الضارة ومختلف عوامل البيئة الأخرى.
ويأمل المتربص مستقبلا في تطوير مشروعه أكثر، بعد الأخذ بعدد من توصيات الأساتذة المشرفين عليه في المعهد، وإدخال بعض التعديلات الأخرى التي تتطلب تثبيت أجهزة ذكية في نظامه الزراعي كأجهزة قياس دراجات الحرارة، والرطوبة، و قوة الرياح، والتي تعزز من قوة المشروع ونجاحه ضمن الأنظمة المثالية كحل مستقبلي للأمن الغذائي المستدام و إدارة موارده. منصر البشير
فرصة الجزائر لتحقيق التحول الطاقوي والاستدامة
الاستثمارات الخضراء تثري الاقتصاد وتقلص البصمة الكربونية
تبرز العلاقة الوثيقة بين التحول الطاقوي والاستثمار الأخضر، كأحد أبرز محاور التحول العالمي نحو تحقيق تنمية مستدامة، في ظل تصاعد التحديات المناخية وتزايد الحاجة الملحة إلى حلول جذرية للحد من الانبعاثات الكربونية، ويرى خبراء أن هذه العلاقة تشكل فرصة ذهبية أمام الجزائر لتنويع اقتصادها وتقليص بصمتها الكربونية، نظرا لتوفر إمكانيات طبيعية هائلة وإرادة سياسية تعترف بحتمية تنويع الاقتصاد الوطني.
إعداد : إيمان زياري
يمثل دمج الطاقة المتجددة قضية حاسمة في السعي لتحقيق التنمية المستدامة على نطاق عالمي، ويشكل جزءا أساسيا في الاقتصاد الأخضر. ومع تزايد المخاوف بشأن تغير المناخ ونضوب الموارد الأحفورية، تقدم الطاقات المتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الكهربائية والطاقة الحرارية الأرضية، استجابة فعالة للتحديات البيئية المعاصرة، بحيث لا يقتصر هذا الاستخدام المتزايد لمصادر الطاقة المتجددة على تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري فحسب، بل يعزز أيضا الانتقال إلى أنظمة طاقة أكثر مرونة واستدامة.
وقد صنفت تركيزات غازات الاحتباس الحراري بحسب تقرير صادر عن هيئة المناخ التابعة للأمم المتحدة في العام 2021، كواحدة من أربعة مؤشرات رئيسية لتغير المناخ التي يفرض علاجها التوقف عن الاعتماد على الطاقة المنتجة من الوقود الأحفوري، الذي يعد السبب الرئيسي لتغير المناخ.
وبحسب تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، فإن هذا الوضع يوجب تسريع التحول إلى الطاقة المتجددة من خلال الاعتماد على تكنولوجيات الطاقة المتجددة وتحسين الوصول إلى المكونات والمواد الخام على مستوى العالم، إلى جانب تحقيق تكافؤ الفرص في مجال تقنيات الطاقات المتجددة، وإعادة توجيه دعم الطاقة من الوقود الأحفوري إلى مصادر متجددة. مع ضرورة توفير استثمارات ثلاثية في الطاقات المتجددة لا يجب أن تقل عن 4 تريليون دولار أمريكي سنويا بما في ذلك الاستثمارات في التكنولوجيا والبنية الأساسية، لتحقيق هدف الانبعاثات الصفرية الصافية بحلول عام 2050.
خفض انبعاثات الكربون.. تحدي الاقتصاد الأخضر
وبينما يعبر التحول الطاقوي عن التوجه نحو استخدام مصادر طاقة نظيفة ومتجددة، يمثل الاستثمار الأخضر الآلية المالية والاقتصادية التي تدعم هذا التحول وتسرع من وتيرته، إذ يمثل خفض انبعاثات الكربون تحديا رئيسيا للتنمية المستدامة، وتلعب الطاقة المتجددة دورا محوريا في هذا المسعى، فمن خلال استبدال الوقود الأحفوري ببدائل متجددة مثل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة الكهرومائية، يمكن خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بشكل كبير.
ووفقا لوكالة الطاقة الدولية، فإن التحول الكبير إلى هذه الأنواع من الطاقة، يمكن أن يقلل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية بنسبة تصل إلى 70 بالمائة بحلول سنة 2050، مما يسهم في الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ.
وعلى عكس محطات الطاقة التي تعمل بالفحم أو الغاز، والتي تصدر كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون لدى حرق الوقود الأحفوري، تولد محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، الكهرباء دون أي عملية ملوثة، فضلا عن أن استخدام تقنيات وأنظمة إدارة طاقة أكثر كفاءة يزيد من كفاءة الطاقة الإجمالية، مما يحد من الطلب على الوقود الأحفوري وعواقبه البيئية.
* الخبيرة في الطاقات المتجددة الدكتورة كريمة قادة تواتي
فرصنا كبيرة لتنويع اقتصادنا في ميدان ما يزال فتيا
قالت الخبيرة في مجال الطاقات المتجددة، وعضو المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الدكتورة كريمة قادة تواتي، إن الجزائر تمتلك قدرات هائلة في ميدان الطاقة المتجددة، وفرصا كبيرة لتنويع اقتصادها في إطار ما يصطلح عليه بالاستثمارات الخضراء، خاصة في ميدان الطاقات المتجددة الذي ما يزال فتيا جدا في الجزائر، ويمكنه أن يفتح باب التصنيع وبطاقات هائلة بدلا من اللجوء للاستيراد.
وترى الخبيرة، أن استمرار الاعتماد بشكل كبير على عائدات صادرات النفط والغاز، يجعل من اقتصاديات الدول هشة أمام تقلبات أسعار السوق العالمية، ويقيد نمو قطاعات أخرى، وهنا تبرز الاستثمارات الخضراء كخيار إستراتيجي لا غنى عنه لتأمين مستقبل اقتصادي ومراع للبيئة. معتبرة، هذا التحول أكثر من ضروري وقدمت قراءات إيجابية حول مستقبله في ظل امتلاك الجزائر لإمكانيات طبيعية ضخمة في مجالي الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
وقالت، إنها مزايا طبيعية تجعل الاستثمارات الخضراء ممكنة و ذات كفاءة في إنتاج الطاقات المتجددة، والإدارة المستدامة للموارد والحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، فهي لا تتيح حسبها، تنويع مصادر الطاقة وتقليص الاعتماد على المحروقات فحسب، بل تسهم أيضا في تنويع الاقتصاد الجزائري ككل، كما تعزز الأمن الطاقوي للبلاد عبر الحد من التبعية لتقلبات أسواق الوقود الأحفوري.
موارد طبيعية هائلة وتشريعات ملائمة
كما تؤكد الدكتورة قادة تواتي، على أن هذا الواقع يجعل من التحول الطاقوي مشروعا وطنيا واعدا، تتصدره الطاقات المتجددة وكفاءة استخدام الطاقة، إلا أنها تعترف بصعوبة تحقيق ذلك دون جهود منسقة واستثمارات كبيرة، وتهيئة بيئة مشجعة.
ويشمل السعي، تحديث البنية التحتية أولا لتكون أكثر ذكاء ومتانة مع تكييف الشبكة الكهربائية وتطوير حلول التخزين، كما يحتاج الأمر حسبها لاستثمارات كبرى في الطاقات المتجددة التي تعتبر فرعا في الاقتصاد الأخضر، مدعومة بإطار تنظيمي مستقر وجذاب يعزز الاستثمار وتطوير المشاريع، ويسهل استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية والشركات التكنولوجية.ويتطلب إنجاح هذا التحول كما تضيف المختصة في الطاقات المتجددة، جهودا ضخمة على مستوى التشريعات، وذلك من خلال إنشاء بيئة تشريعية مستقرة وجاذبة للاستثمار، من أجل تشجيع المشاريع الخضراء واستقطاب الشركاء الدوليين والتمويلات الخارجية، خاصة في ظل المنافسة الإقليمية المتزايدة في مجال الانتقال الطاقوي.
محاور إستراتيجية للتحول
ومن بين أهم المحاور التي يجب التركيز عليها، ذكرت الخبيرة، تشجيع الكفاءة الطاقوية خاصة في قطاعات البناء والصناعة، من خلال التوجه نحو مبان ذات طاقة إيجابية قادرة على إنتاج جزء من حاجياتها عبر الطاقة الشمسية، إلى جانب توسيع استخدام الشبكات الذكية المحلية التي تعتمد على مصادر متجددة وأنظمة تخزين متطورة، ما يمنح المجتمعات المحلية استقلالية طاقوية أكبر.
كما تركز على الاستثمار في مواد تخزين مبتكرة مثل البطاريات عالية الكثافة وطويلة العمر لتلبية الطلب المتزايد، مع الحرص على بناء اقتصاد دائري شامل قائم على إعادة التدوير وإعادة استخدام المكونات الطاقوية، في سبيل تقليص الهدر وتعزيز الاستدامة.
كما يطلب هذا التحول من جانب آخر بحسب المتحدثة، إرادة سياسية حقيقية تتجسد في استراتيجية وطنية واضحة، واستثمارات موجهة وشراكة فاعلة بين الدولة والقطاع الخاص، كما تبرز الحاجة إلى تعبئة التمويل الأخضر والشراكات الدولية وتكوين كفاءات وطنية قادرة على قيادة هذا التحول البيئي الاقتصادي.
وأكدت الخبيرة في الطاقات المتجددة كريمة قادة تواتي، أن وزارة الطاقة والطاقات المتجددة كانت قد وضعت برنامجا خاصا خلال سنة 2011، يتضمن إنتاج 22 ألف ميغا واط بحلول عام 2030، تندرج ضمنه الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة الكهرومائية. وقد أعيد تجسيده سنة 2015، بعد دراسة لتقييم السياسات العمومية في الانتقال الطاقوي، خاصة وأن المشروع لم يتحقق أو يجسد بالمستوى المطلوب ولم يحقق سوى 4 بالمائة من التطلعات.
مستقبل واعد لتصنيع الألواح الشمسية وتجهيزات الطاقة المتجددة
وترى الدكتورة قادة تواتي، أنه في ظل توفر إرادة الدولة وحرص الرئيس على تنويع الاقتصاد خارج المحروقات، فإن ما أنجز إلى غاية الآن يعتبر مقبولا، لكنه يفرض استغلال الإمكانيات الهائلة للجزائر بشكل أكبر خاصة في ميدان الطاقة الشمسية، لأننا نمتلك أكبر حقل شمسي، مما يشجع التوجه نحو الاستثمار في كل سلاسل الإنتاج بداية من الألواح الشمسية، ووصولا إلى كل التجهيزات التي تدخل في عملية إنتاج الطاقة الشمسية.
وتحدثت الخبيرة أيضا، عن غنى الجزائر من حيث المعادن خاصة السيليسيوم، وهو ما يجعل النجاح في إنتاج ألواح الطاقة الشمسية مشروعا واعدا، و الاستثمار في كل التجهيزات حتى الأسلاك الكهربائية التي يمكن تصنيعها ضروريا.مؤكدة، أنه وعلى الرغم من أن الجزائر حققت إنتاج طاقة من مصدر الشمس والرياح لم يتعد 4 بالمائة، إلا أنها تمتلك من القدرات ما يسمح بتجاوز هذا الحد، في ظل وجود فرص كبيرة لتحقيق تنوع اقتصادي في حقيقي وتحول آمن وناجح نحو الطاقات المتجددة والاستثمار الأخضر التي تعتبره فتيا ولم يخضع للتطوير اللازم.وقد أرجعت السبب، إلى حجم البرنامج الضخم والمقدر بإنتاج 15 ألف ميغا واط فقط في الطاقة الشمسية، مما يجعل النجاح في فتح مصانع لإنتاج الألواح الشمسية مثلا أمرا ناجحا 100 بالمائة.وبحسب برنامج وزارة الطاقة، فإن تطبيق هذا البرنامج الوطني لكفاءة الطاقة على أرض الواقع، سيؤدي إلى خفض نمو الطلب على الطاقة بشكل تدريجي، وبالتالي سيبلغ إجمالي موفور الطاقة المحققة حوالي 93 مليون طن مكافئ نفطي. منها 63 مليون طن مكافئ نفطي بحلول عام 2030 والباقي يأتي بعد ذلك.
وهذا ما يوضح كما أوضحت الباحثة، أهمية البرنامج المذكور لتوفير الطاقة، والذي يتطلب تنفيذ مجموعة من التدابير بما في ذلك إشراك الأطراف المعنية في القطاعين العام والخاص، وتكييف الإطار القانوني الذي يحكم كفاءة الطاقة.