يقود لمين بن دراجي وزوجته صوفي لوبلو بروح مبتكرة وحلم ينبض بالطبيعة، مشروعا عائليا رائدا يحمل اسم «ميموزا»، وهو فضاء بيئي تربوي ترفيهي مخصص للأطفال، يجمع بين التعليم البيئي والزراعة المستدامة والذكية واكتشاف عالم الحيوان.
لينة دلول
فكرة المشروع استلهمها لمين خلال فترة إقامته خارج الوطن لسنوات طويلة، أين كان يتردد وأسرته كثيرا على المزارع التربوية الكائنة قرب مسكنه، والتي وجدها مفيدة لتنمية وعي الأطفال وتعزيز علاقتهم بالطبيعة، ما جعله يفكر بمجرد عودته لأرض الوطن، في إنجاز مشروع مماثل، بعد أن لاحظ غياب أماكن مماثلة تلبي احتياجات الأطفال وتقدم لهم تجربة تعليمية حية وسط الطبيعة، مشيرا إلى أنه يرغب في تجسيده في مواقع طبيعية ملائمة قريبة من الحزام الحضري لقسنطينة، مثل غابة جبل الوحش، البعراوية، أو السمارة، لما توفره من طابع طبيعي وتضاريس ملائمة.
هكذا اخترت تسمية «ميموزا»
وأكد صاحب المشروع أن اختيار تسمية ميموزا للمشروع، ليس عشوائيا، بل يحمل حروف من أسماء أطفاله الثلاثة مريم، منى، وزكريا، مردفا بأن رغبة أبنائه واهتمامهم بالحيوانات والنباتات، من الدوافع التي حفزته على بدل كل ما بوسعه لتجسيد الفكرة، كما ساهمت ميولاتهم وطموحهم البيئة في استلهام أفكار ووضع التصور النهائي للمشروع، الذي يعتبره ثمرة حب، وشغف، ورغبة في غرس القيم النبيلة في جيل المستقبل.يعد مشروع «ميموزا»، بحسب صاحبه، فضاء حيا مفتوحا، صمم بحسبه خصيصا ليخدم أهدافا متعددة وهي نشر الثقافة البيئية، تعزيز الوعي الغذائي الصحي، تشجيع الزراعة المستدامة، تحفيز السياحة المحلية، وخلق مناصب شغل، مردفا أن أثر المشروع يمتد كذلك إلى الفئات الخاصة، ويشمل الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، مثل المصابين بالتوحد، ومتلازمة داون، وفرط النشاط أو نقص الانتباه، من خلال جلسات تواصل حسي وعاطفي مع الحيوانات.
الحديقة الحسية لتعميق علاقة الطفل بالطبيعة
وأوضح بن دراجي، أن فلسفة «ميموزا» تقوم على مبدأ «نتعلم ونحن نلعب»، إذ لا يمنح بحسبه الطفل فقط كتابا أو درسا، بل يعيش التجربة بكل حواسه يلمس، يشم، يسمع، يرى، ويشارك لأن التعليم في المزرعة لا يلقن، بل يعاش. ومن بين أبرز الورشات والأنشطة التي تقدمها المزرعة يقول صاحب المشروع، الحديقة الحسية لكونها فضاء مصمما لتنشيط الحواس الخمس عبر روائح الأعشاب «كالنعناع والريحان»، وملمس النباتات، والتمعن في ألوان الأزهار، والاستمتاع بأصوات الطيور، وطعم الفواكه الموسمية، وتهدف إلى تحفيز الإدراك الحسي وتعميق علاقة الطفل بالطبيعة.وأضاف المتحدث، بأنه ستوفر أيضا في المزرعة، ورشة نحل يتعرف من خلالها الأطفال على النظام الاجتماعي للنحل ودور الملكة والعاملات، وأهمية التلقيح البيولوجي، كما يكتشفون الخلية عن قرب وسر إنتاج العسل.
وأضاف المتحدث، بأنه في المزرعة، سيتم أيضا تعليم الأطفال تقنية الأكوابوني وهي زراعة مستدامة تدمج بين تربية الأسماك والنباتات في نظام بيئي دائري، وكذا الهيدروبوني وهي الزراعة في الماء بدون تربة، مع تحكم في العناصر الغذائية، بحيث يتعلم الصغار طرق توظيف العلم لخدمة البيئة وتوفير غذاء صحي بموارد قليلة، كما سيتم تعليم الأطفال مبادئ الزراعة الذكية واحترام التوازن البيئي من خلال استخدام المدرجات، السماد العضوي، حفظ الماء، والتكامل بين النباتات.
وسيتم تخصيص ورشة التسميد العضوي يتم من خلالها تعليم تقنيات تحويل بقايا الطعام إلى سماد طبيعي، فضلا عن ورشة البيت الزجاجي ، والتي تعد من الورشات، حسب محدثنا، التي ستأخذ حيزا من المزرعة، وهي عبارة عن فضاء شفاف ومضاء طبيعيا مخصص لزرع البذور، ومتابعة مراحل نمو النبات، ومهارات التطعيم، كما يتناول موضوع الحفاظ على البذور المحلية.
وأوضح بن دراجي، بأن الطفل ستتاح له فرصة التقرب والتفاعل مع حيوانات والإشراف على إطعامها مثل المعز، النعاج، الدجاج، الإبط، الحجل، السمان، وحتى الطاووس، مع التعرف على فصائل نادرة من الدجاج مثل «Yokohama» و»Lomborghini.
ألعاب من وحي الطبيعة تحفز الخيال
وأكد المتحدث، بأنه لا توجد ألعاب إلكترونية أو مزعجة في «ميموزا»، وإنما توجد ألعاب مصنوعة من الخشب الطبيعي، وآمنة تماما، تحفز الخيال والحركة الذاتية على غرار ترامبولين وسط الطبيعة، زلاقات بالحبال Tyrolienneومسارات تسلق بين الأشجار، وكذا لعبة «الكنز المفقود» بين الأعشاب نشاط «المنقب الصغير» للبحث عن أحجار كريمة في جدول مائي.
كما أوضح بأنه في معظم فضاءات الترفيه، ستقدم للأطفال خدمة الإطعام، بعرض وجبات طبيعية محلية الصنع، وسلال فواكه وخضروات موسمية،و مأكولات ذات مؤشر سكري منخفض، ومشروبات طبيعية مغذية، بحيث سيشرف على المطبخ طاقم محترف مدرب، يراعي صحة الطفل وراحته.
وأكد المتحدث، بأن المزرعة ستفتح أبوابها طيلة الأسبوع للمدارس والمؤسسات التربوية والكشفية، ومراكز الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، كما ستوفر فضاء ترفيهيا عائليا خلال العطل ونهاية الأسبوع، مشيرا في ذات السياق الى تقديم تذاكر بأسعار رمزية «بين 200 و400 دج للطفل» حتى تكون متاحة لأغلب الفئات.
ورغم ترحيب العديد من العائلات وحتى الزوار المرتقبين من ولايات مجاورة بالفكرة، التي تعد، حسبه، الأولى من نوعها على المستوى الوطني، إلا أنه يصادف عراقيل إدارية معقدة، أبرزها غياب قانون ينظم هذا النوع من النشاط الذي يندرج ضمن «الزراعة السياحية التربوية»، وتأخر الاستجابة من الجهات الوصية لمنحه الأرض أو الترخيص الملائم.
ودعا في سياق متصل، إلى ضرورة إدماج هذا النوع من المشاريع ضمن قانون خاص يصنف تحت بند الزراعة السياحية، البيئية، التربوية، باعتبارها مشاريع تعليمية هادفة تخدم التنمية البشرية والبيئة والاقتصاد المحلي.
في إطار الشراكة الجزائرية-الألمانية
انطلاق المرحلة الثانية من مشروع البلديات الخضراء ببجاية
شهدت، ولاية بجاية، أمس، تنظيم ورشة عمل رسمية لإطلاق المرحلة الثانية من مشروع (البلديات الخضراء 02)، وهو برنامج طموح يهدف إلى تعزيز التنمية المستدامة والممارسات البيئية في المدن الجزائرية، كثمرة للتعاون الوثيق بين الجزائر وألمانيا.
ويأتي هذا المشروع، حسب ما تم تأكيده خلال ورشة العمل، من تنفيذ الوكالة الألمانية للتعاون الدولي، استكمالا للنجاح الذي حققته المرحلة الأولى، وسعيا لتوسيع نطاق المبادرات الخضراء لتشمل عددا أكبر من البلديات النموذجية في مختلف أنحاء الوطن.
وخلال ورشة الإطلاق، تم استعراض الأهداف الرئيسية للمشروع، حيث يضع نصب عينيه تحقيق خفض كبير في انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، وبحسب المؤشرات المعلنة، فإن من أبرز أهدافه خفض إجمالي قدره 09 ألاف طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، على مدار مدة المشروع في 30 بلدية نموذجية، و لتحقيق هذا المسعى، سيتم التركيز على محورين أساسيين، هما ترشيد استهلاك الطاقة في المباني والبنى التحتية العامة، وتطبيق حلول الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وقالت مصالح ولاية بجاية أن هذا المشروع منظم في إطار برنامج التعاون بين وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية والوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ)، الرامي إلى تعزيز الفعالية الطاقوية على المستوى المحلي والمساهمة في التحول الطاقوي الوطني. وقد تم اختيار خمس بلديات من ولاية بجاية لتنفيذه، وهي بجاية، توجة، أقبو، أوقاس و تالة حمزة، للاستفادة من هذا المشروع النموذجي والمرافقة التقنية التي يوفرها، والتي ستمكنها من تعزيز قدراتها في مجال ترشيد استهلاك الطاقة وتوسيع استعمال الطاقات المتجددة، انسجاما مع الأهداف الوطنية لحماية البيئة ومكافحة التغيرات المناخية.
وأشارت ذات المصالح إلى أن التحديات المناخية، تتطلب تعبئة شاملة لكل الجهود، بما فيها تلك التي تبذلها الجماعات المحلية، فضمن التزامات الجزائر الدولية في إطار المفاوضات المناخية، تم الانطلاق في تنفيذ برنامج وطني طموح يهدف إلى تقليص انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة تتراوح بين 7 و20 بالمائة في أفق سنة 2030.
ويأتي مشروع “البلديات الخضراء 2” ليمنح دعما، ليس فقط على الصعيد التقني، بل في مجالات التخطيط الاستراتيجي، تطوير أدوات التسيير، وتعبئة التمويل اللازم لتنفيذ وتتبع خطط العمل الطاقوية المحلية. وتظهر الخرائط التوضيحية التي عرضت خلال الورشة أن المرحلة الثانية ستشمل 30 بلدية موزعة على ست ولايات نموذجية، وهي بجاية، تلمسان، سيدي بلعباس، قالمة، باتنة، وبسكرة.
وفي ولاية بجاية التي استضافت الحدث، أكدت مصالحها على اختيار البلديات المذكورة للانخراط في المشروع، مشيرة إلى أن هذا الاختيار ترجمة لالتزام السلطات المحلية بدعم التحول البيئي والمشاركة الفعالة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، كما أن المشروب يمثل تحولا استراتيجيا هاما في مسار بناء مدن قادرة على مواجهة التحديات المناخية وتحسين نوعية حياة مواطنيها، فضلا عن تعزيز وتدعيم سبل الشراكة مع ألمانيا في مجال حماية البيئة والطاقات المتجددة.
ع/ بوعبدالله
درجة حرارة المياه تسجل رقما قياسيا عالميا جديدا
«غليــــان البحر المتوســط».. ظاهرة غير مسبوقـة تنــذر بكـــوارث
يشهد البحر الأبيض المتوسط موجة حر بحرية غير مسبوقة، صنفت الأعلى عالميا، ببلوغ درجة حرارة المياه السطحية مستويات قياسية، متجاوزة عتبة الـ29 درجة مئوية، فيما تجاوزت ببعض المناطق الـ31 درجة، معلنة عن تهديد شامل للنظم البيئية البحرية وزيادة في وطأة الظروف المناخية على اليابسة.
إعداد : إيمان زياري
تشير بيانات الأٌقمار الصناعية، إلى تسجيل معدلات حرارة أعلى من المتوسط بالنسبة لمياه البحر الأبيض المتوسط بنحو 3 درجات مئوية، حيث قدر متوسط درجة الحرارة الحالية بحوالي 26 درجة مئوية، مقارنة بـ23 درجة لنفس الفترة من السنة الماضية، وتظهر صورة الأٌقمار خارطة ملتهبة باللون الأحمر المتوهج، خاصة على مستوى المناطق الواقعة غرب حوض المتوسط، بالقرب من سواحل إسبانيا، فرنسا وإيطاليا.
نقطة ساخنة للمناخ
وحذر خبراء بيئيون دوليون مما وصفوه بالظاهرة البحرية المستحيلة، اذ قالت المستشارة العلمية في المركز الألماني لأبحاث المحيطات، «كورينا فون شوكمان» أن المحيط يعد نظام الإنذار المبكر لتغير المناخ، وأن المحيطات تعمل على امتصاص 90 بالمائة من الطاقة الزائدة الناتجة عن الإنبعاثات الغازية، بينما وصف الخبير الدولي في علم المناخ البحري «جيف بيرارديللي» الظاهرة بأنها موجة حرارة بحرية مستحيلة وبأنها تعتبر غير مسبوقة بالنظر إلى شدتها في هذه الفترة من الصيف.ويصنف البحر الأبيض المتوسط كأحد أكثر المناطق عرضة لتغير المناخ، بسبب طبيعته شبه المغلقة وموقعه الجغرافي، كما يعد مولدا هاما للرطوبة ومصدرا رئيسيا للغيوم الماطرة، مما يجعله أهم المؤشرات المناخية المتحكمة بطقس المنطقة، وقد وصفه تقرير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ بأنه «نقطة ساخنة» مناخيا.
وتشير الدراسات الأخيرة إلى أن موجات الحرارة البحرية في المتوسط أصبحت أكثر شدة وطولا وتكرارا خلال العقد الماضي، ففي العادة، تبلغ حرارة مياه المتوسط ذروتها في منتصف أوت وتبلغ حوالي 26 درجة مئوية، إلا أنها وصلت هذا العام وفي بداية شهر جويلية فقط إلى هذا المستوى وأكثر منه وذلك قبل وقت الذروة بأكثر من شهر كامل.
وسجلت درجات حرارة قياسية في بعض المواقع، مثل جزيرة «مايوركا» الإسبانية، أين بلغت حرارة المياه 31 درجة مئوية، بينما وصلت إلى 30 درجة قبالة سواحل إيطاليا، وتحديدا قرب «البندقية» و»سانريمو»، في حين صنفت مناطق بحرية بأكملها مثل بحر «ألبوران» و»خليج ليون» تحت تصنيف «موجة حرارة بحرية قصوى»، وهو المستوى الرابع من أصل خمسة في مقياس الشدة.
إنذار بعواصف شديدة محتملة
من جهته حذر المركز العربي للمناخ في تقرير خاص من تواصل تسجيل إرتفاعات حادة في درجة حرارة سطح مياه البحر الأبيض المتوسط للعام الخامس على التوالي، في ظاهرة وصفها بالمقلقة وتشير إلى تغيرات مناخية متسارعة وغير مسبوقة، وذلك بناء على بيانات الرصد المعتمدة على أرشيف يمتد من عام 1982 إلى غاية اليوم، إلا أن وتيرة الإحترار تتصاعد عاما بعد الآخر، مما يؤدي إلى تحطيم أرقام قياسية بشكل متكرر.
واعتبر رئيس المركز، المهندس أحمد العربيد، أن هذا الإرتفاع المستمر والخطير في درجة حرارة المياه، ليس مجرد رقم في سلسلة بيانات مناخية فحسب، بل يعد مؤشرا واضحا على ازدياد إحتمال نشوء عواصف جوية شديدة خلال الفترة القادمة، مرجعا ذلك للطاقة الحرارية المخزنة في البحر، والتي تعتبر حسبه من أبرز محفزات الإضطرابات الجوية، مشيرا في ذلك إلى عاصفة «دانيال» في البحر المتوسط سنة 2023 والتي تسببت في كارثة إنسانية كبيرة بدرنة الليبية، أين قام المركز العربي للمناخ بإصدار تحذيرات مسبقة قبل نحو شهر من وقوعها.
موجات حر طويلة تمتد زمنيا وجغرافيا
تفاقم موجات الحر الشديد، أيضا من بين التأثيرات المباشرة للبحر الدافئ، والذي يساهم بحسب محدثتنا في رفع حرارة الهواء فوق السواحل، مما يؤدي لتسجيل درجة حرارة قياسية متكررة وطول موجات الحر وتوسعها زمنيا وجغرافيا، فضلا عن تأثيرها المباشر على الفئات الضعيفة من الأطفال، المرضى وكبار السن، كما أشارت إلى أنها تسبب أيضا في اضطراب في الأنظمة الجوية المتوسطية، بحيث يؤثر ارتفاع درجة حرارة البحر على توزيع الضغط الجوي، وبالتالي عواصف رعدية محلية قد تكون عنيفة بحسب ما أشار إليه خبراء المناخ، وأمطار طوفانية خلال ساعات قليلة، وشدة الأعاصير المتوسطية المصغرة.
وحذر المركز العربي للمناخ من خطر الإستهانة بالمؤشرات الحالية، وأكد على ضرورة الإستعداد المبكر بالنسبة للدول المطلة والقريبة من البحر الأبيض المتوسط، وذلك من خلال تعزيز منظومة الرصد والإنذار المبكر، تحسبا لأي تطورات مناخية محتملة خلال الأشهر القادمة، خاصة مع اقتراب فصل الخريف وبداية زيادة الكتل الهوائية الباردة للمنطقة، محذرا في الوقت ذاته من احتمال استمرار إرتفاع مؤشر خطر العواصف الشديدة والأمطار الغزيرة خلال فصل الشتاء المقبل في حال استمرار الإحترار بهذا الشكل.
* الخبيرة البيئية صليحة زردوم
الاحترار القياسي للمتوسط خطر لا يجب الاستهانة به
حذرت المهندسة البيئية والمفتشة المحلية المختصة في التنمية المستدامة، صليحة زردوم، من خطر الإستهانة بالمعطيات المسجلة بالنسبة لدرجة حرارة مياه البحر الأبيض المتوسط، معتبرة إياها ناقوس خطر يستوجب التعامل معه بوعي علمي صحيح، يشكل أقوى سلاح لمواجهة الكوارث البيئية المقبلة. وقالت الخبيرة البيئية أن العالم بأكمله يتابع وبترقب شديد جملة التغيرات الحاصلة على مستوى درجات حرارة مياه المتوسط، والتي بلغت ذروتها مع بداية الشهر الجاري، متجاوزة المعدلات الطبيعية بشكل لافت حسب بيانات مركز كوبرنيكوس الأوروبي للمناخ، أين تجاوزت الحرارة في مناطق معدلاتها الفصلية بـ3 إلى 5 درجات مئوية.
التنوع البيولوجي في خطر
واعتبرت الأستاذة زردوم الأرقام ليست مجرد معطيات علمية فحسب، بل وصفتها بناقوس خطر حقيقي، موضحة أن الإحترار البحري يؤثر بشكل مباشر على السواحل، الصيد، التنوع البيولوجي وكذا المحلي وحتى على نمط حياة الإنسان في دول شمال إفريقيا ودول جنوب أوروبا، كما أشارت الخبيرة إلى التغيرات المناخية التي تشهدها الجزائر خلال الفترة الأخيرة، مثل الأمطار التي هطلت بولاية خنشلة قبل أيام بالرغم من أنها معروفة بصيفها الحار والجاف وشتائها البارد، معتبرة إياها ظاهرة نادرة بالولاية، وهي أجواء تشبه تلك الأجواء التي عاشتها ولايتا سطيف وباتنة، هذه الأخيرة التي سجلت تساقط حبات برد، في حين تعاني المدن الساحلية من ارتفاع كبير في نسبة الرطوبة.
إجهاد حراري وهجرة للكائنات البحرية
وعن تأثير ما بات يشبه الظاهرة بحوض البحر الأبيض المتوسط، تحدثت الخبيرة عن الرياح العاتية والحرائق التي تجتاح تركيا، والبراكين النشطة التي عادت للواجهة بإيطاليا، كما يقول العلماء أن مثل هذه الظواهر غير المسبوقة من حيث درجات الحرارة والملوحة وتغير التيارات، تتسبب وبشكل مباشر في هجرة الكائنات البحرية نحو مناطق أبرد وأكثر ملائمة، مما يحدث خللا في النظام البيئي البحري ويمس بالثروة السمكية والغذاء البشري.
وأضافت الأستادة زردوم أن تدهور النظام البيئي البحري قد يشمل أيضا نفوق الكائنات البحرية بسبب نقص الأوكسجين وانتشار أنواع دخيلة مثل قناديل البحر السامة وأسماك غير مألوفة، فضلا عن تناقص التنوع البيولوجي وتراجع السلسلة الغذائية البحرية، وكذا تدمير الشعب المرجانية، كما أن ارتفاع درجة الحرارة يؤدي إلى تبييض المرجان وموت المروج البحرية مما يؤثر على نقاء المياه، حماية السواحل ومناطق تكاثر الأسماك.
الظواهر المتطرفة واقع لا بد من التعامل معه بوعي علمي
من جهة أخرى أشارت المتحدثة إلى تأثير ذلك على البشر، وذلك بناء على تقرير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية التي حذرت من موجات حر بحرية وارتباطها بالظواهر المناخية القصوى، متوقعة تعرض نصف سكان أوروبا للإجهاد الحراري المتزايد بحلول سنة 2050 في حال لم يتم اتخاذ تدابير عاجلة، كما تحدثت الخبيرة عن مبادرة المنظمة العالمية للأرصاد الجوية بشأن أفضل الممارسات لمواجهة العواصف بما فيها الرملية والغبارية، وتم توفير أدوات الإنذار المبكر لتمكين المواطنين والدول من الاستعداد.
ودعت الخبيرة البيئية إلى محاربة ما أسمته بـ «الجهل المناخي»، مشيرة في ذلك إلى فئة قالت أنها تؤمن بنظرية المؤامرة، وتشكك في التغير المناخي وتربطه بمشاريع معينة، كما تزعم أن الدول الكبرى تصنع الجفاف وتستهدف إفريقيا لتحقيق أرباح تجارية، مؤكدة أن ما يشهده العالم اليوم بشكل عام والبحر الأبيض المتوسط بشكل خاص من تطورات، هو ناتج عن تراكم علمي وإنذارات بيئية وصفتها بالحقيقية، مشيرة في ذلك إلى الولايات المتحدة وعلى الرغم من قوتها التكنولوجية، إلا أنها غرقت في السيول والفيضانات مثلما حدث بتيكساس مؤخرا، مؤكدة بأن لا دولة في معزل أو محصنة من آثار التغير المناخي، داعية للتحلي بالوعي العلمي الصحيح الذي ترى بأنه أقوى سلاح لمواجهة الكوارث البيئية المقبلة.
إ.ز