تعد رياضة المشي وسط الطبيعة لمسافات طويلة، أو ما يعرف برياضة «الروندوني» من أجمل الرياضات المفيدة للصحة النفسية و الجسدية و أكثرها متعة و صداقة للبيئة، حيث تعتمد على قواعد من الانضباط تجاه الملاذات الطبيعة حتى لا تتأذى، و تظل محافظة على مكوناتها و تنوعها، على امتداد المسار الذي يختاره هواة المشي و المتعة و الاستكشاف، بالوسط الطبيعي المفتوح.
و تمارس شعوب كثيرة هواية المشي الطويل وسط الطبيعة، لما في ذلك من متعة و صحة للجسد و العقل، و تفريغ لضغوط الحياة اليومية بمواقع العمل، و الأحياء السكنية المزدحمة.
و في الجزائر كانت علاقة الناس بالطبيعة جيدة، منها يعيشون و فيها يمارسون الرياضة و إليها ينظمون الرحلات السياحية، و رحلات لطلاب المدارس حتى يكتشفوا الطبيعة و يتعلموا كيف يحافظون عليها و يتعايشون مع نباتاتها وطيورها وحيواناتها بصداقة و أمان.
و قد مرت هذه الرياضة الممتعة في الجزائر بعدة مراحل، تراوحت فيها بين الممارسة المكثفة و الشغف حتى منتصف الثمانينات، إلى الركود بداية التسعينات بسبب الأزمة الأمنية، ثم الانتعاش من جديد في السنوات الأخيرة، حيث ظهرت الكثير من نوادي الروندوني و العدو الريفي و الطيران بالمضلات، و التخييم في الوسط الطبيعي و التسلق و المغامرة، و الاستكشاف داخل الكهوف، و لكل هذه الأنشطة الرياضية ميدان واحد هو الطبيعة بكل مكوناتها.
و تعد ولاية قالمة واحدة من ولايات الشمال الجزائري، التي يمارس فيها الناس رياضة المشي الجماعي الطويل، بالغابات و السهول و الأودية و الجبال الصخرية الحادة، حيث المتعة و المغامرة و استكشاف البيئة الجميلة التي لم تطلها يد الإنسان بسوء.
و على مدار العام تنظم رحلات الروندوني بجبال بوعربيد و طاية و ماونة و القرار و بني صالح و حمام النبائل، و بوعسلوج و هوارة و الشعايرية و عيون القصب، و على شواطئ سد بوحمدان حيث الغطاء النباتي الغني، و ملاذات الطيور و الحيوانات البرية.
و يعد الروندوني الكبير، الذي تنظمه جمعية غار جماعة للسياحة و الرياضة الجبلية، من أهم التظاهرات الرياضية الصديقة للبيئة بولاية قالمة، فيها يمارس الناس هواية المشي الطويل بشغف، و يتعلمون مبادئ المحافظة على البيئة، و الحد من السلوك العدائي تجاه الطبيعة التي تتعرض لمخاطر متزايدة، بسبب التغيرات المناخية و يد الإنسان العابثة.
و يحرص منظمو رحلات الروندوني على تطبيق برتوكول الصداقة مع الطبيعة من البداية الى النهاية، لا رمي للنفايات البلاستيكية و بقايا الأكل، لا قطع للأشجار و النباتات البرية النادرة، لا مطاردة للطيور و الحيوانات البرية، و لا تلويث لمصادر المياه و التربة، فقط المشي و التخييم للاستراحة و الغناء و الموسيقى و الاستكشاف و المتعة و الهدوء، بعيدا عن المدن الصاخبة و متاعب الحياة اليومية. و لرياضة الروندوني عدة و عتاد، لباس رياضي و حذاء للمناطق الوعرة، و قبعة و حقائب ظهر و عصي فيها مآرب كثيرة، و نظام مشي فيه من المتعة و الإبداع ما يشجع على المقاومة و التحدي، لإكمال الرحلة الطويلة بين الأشجار و الصخور، و الحقول الخضراء المنبسطة و المجاري المائية الطبيعية، مصدر الحياة.
شعار الروندوني مارس الرياضة وسط الطبيعة بشغف، امش طويلا، احمل نفاياتك معك، لا تؤذي كائنا و اترك متاعب الحياة خلفك، و عد إلى أمك الأرض و تصالح معها و لا تكن من المفسدين.
خلال رحلة المغامرة وسط الطبيعة، يعمل المرشدون على إبراز أهمية المحافظة على البيئة و مكونات الحياة البرية، حتى لا تتأذى و كي لا يتعرض النظام الإيكولوجي للانهيار، بسبب الاختلال الناجم عن فقدان التنوع و التوازن بين مكونات الوسط الطبيعي.
و يكتب هواة الروندوني قصص المغامرة، و يوثقون الرحلة الممتعة، حتى تبقى من الذكريات الجميلة التي يعود إليها الإنسان كلما حاصرته متاعب الحياة و ألحقت به الأذى.
فريد.غ