“دوار البوم”.. إختراقات حقوق الإنسان في معتقل سري جنوب المغرب
عرض سهرة السبت المنصرم بقاعة سينما المغرب بوهران، الفيلم المغربي «دوار البوم» الذي يعتبر ثاني عمل سينمائي للمخرج عز العرب العلوي الذي لم يحضر مع عمله ليجيب الجمهور عن عدة نقاط وإسقاطات ربما أراد من خلالها إحالة المشاهد على وضع ما، ولكن رغم هذا فقد إستمتع الجمهور بالعمل الذي ترك النهاية مفتوحة وتحمل إيحاءات كثيرة، خاصة في ظل حراك الريف بالجنوب الذي يحصد اليوم تأييد بقية سكان المملكة.  
«دوار البوم».. نموذج من القمع الذي مارسه النظام المغربي ضد سكان جنوب الأطلس، ورغم أن المكان لم يحدد بالضبط وقد يكون أي منطقة في المغرب، إلا أن سجن «القلعة» الذي جعله المخرج يشبه في هندسته أشهر سجن في العالم «سجن ألكاراس»، يعبر عن أقدم معتقل سياسي سري في المغرب وهو سجن «تازمامارت» في الجنوب والذي عرف بتخصيصه لكل المناضلين السياسيين المناهضين للنظام في السبعينيات من القرن الماضي، وكانت ظروف المعتقلين تجعل الموت هو القدر الوحيد المنتظر، فلا يمكن الخروج منه على قيد الحياة، وظروفهم لم تختلف كثيرا عن ظروف سكان القرية المجاورة له المترامية وسط الطبيعة القاهرة والقهر الممارس بكل الطرق بعيدا عن أبسط حقوق للإنسان.
وقد حاول المخرج خلق توازن بين ما يحدث في السجن بكل مركباته من القائد الذي حياة كلبته «لايكا» كانت أهم من حياة البشر المحيطين به، إلى العساكر الذين كانوا يحرسون القلعة الذين يحملون تناقضات المجتمع وقضاياه مما يجعلهم متفاوتين في الشعور بالألم والقهر ومجتمعين على ضرورة تحرير الإنسان من العبودية والقمع والعيش في سلام، ومن الجهة المقابلة للسجن والتي يربطها بينهما جسر حديدي، يوجد سكان المنطقة، الأجمل أن المخرج حافظ على ملامح بعض الممثلين وجعلها تشبه كثيرا ملامح سكان جنوب المغرب، كما حاول إبراز بعض العادات والتقاليد من خلال اللباس خاصة عند النساء، وجعل الإختلاف بين هؤلاء السكان ومن يتواجدون بالقلعة، في الأمل الذي كانت تحمله وفاء وحسان من خلال قصة حب جميلة ولكن سرعان ما إنطفأت من أجل أن يحيا الوطن، حيث قاد حسان ووفاء بوادر الثورة على قادة القلعة ولكن مات حسان قبل أن يرى نور الإنعتاق ونشوة الحياة التي عادت للسكان الذين حرموا من كل شيء حتى المدرسة الوحيدة والمتواضعة جدا لم يلتحق بها الأطفال لأن أولياؤهم كانوا يخافون من القائد الذي منع أي أحد من التمدرس لأن المدرسة هي أساس الإنقلاب عليه مثلما قال حسان في إحدى اللقطات.
وبمعالجة درامية لمعاناة السكان وآلامهم، ولوضعية السجناء الذين كانوا يخرجون محملين على الأكتاف ويدفنون بطريقة تبعد أي شك بأن الأمكنة هي قبور، عرج المخرج على أن إرادة الحياة والحرية تتحقق بالنضال الذي جعل وفاء الشابة المتعلمة توصل الملفات السرية للقلعة إلى المنظمات الإنسانية الحقوقية وتقلب موازين السجن والسجان الذي عمد مباشرة لحرق كل الوثائق الموجودة لديه، وإخفاء كل الأدلة القمعية وغلق المعتقل وتحرير الإنسان.
وفي غياب المخرج عن قاعة سينما المغرب، حاولنا رصد بعض التصريحات التي سبق له الإدلاء بها في المغرب غداة عرض العمل الذي تعرض لعدة إنتقادات من مختلف الأطراف وخاصة من الأشخاص الذين عايشوا الوضع، حيث سبق للمخرج عز العرب العلوي أن إعتبر فيلمه الروائي الطويل الثاني «دوار البوم» عملا يروي إختراقات حقوق الإنسان في المغرب، ورغم أن زمن الفيلم هو في السبعينات، إلا أن المخرج أراد بعث رسالة لتفادي العودة لمثل تلك الأوضاع القمعية، وأن الديمقراطية حسبه التي تسود المغرب اليوم لم تأت بسهولة بل بنضالات أشخاص ضحوا بكل ما يملكون من أجل مكافحة الظلم، إنها قصة أشهر معتقل سياسي وسري في سنوات السبعينات، إنه سجن تازمامارت جنوب شرق المغرب، وبرر المخرج عدم إظهار وجوه المعتقلين، بأنها قد تكون أي وجه لمواطن مغربي، وهو ما اعتبره تكريما لهؤلاء الذين ضحوا من أجل الإنعتاق والديمقراطية، وأراده  ردا على إتهامات الأشخاص الذين عايشوا ذلك الواقع المؤلم ولا زالو على قيد الحياة، والذين قالوا أن الفيلم إنتصر للجلاد وليس للسجناء.
بن ودان خيرة

الرجوع إلى الأعلى