سليم بوفنداسة

انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة طويلة في خانة الطابوهات، كآفة الشعوذة التي أصبح بعض مُمارسيها يستخدمون وسائل التواصل لاصطياد الزبائن، كما فعل الراقي المذكور الذي ادعى انتشار السّحر كالوباء.
وحتى وإن كانت الظاهرة موجودة في مختلف المجتمعات، فإنّ محاربتها دليلُ وعيٍ ومؤشّرٌ على أنّ المجتمع يسير في الاتجاه الصّحيح، تماما كما يُؤشّر الإقبال على المشعوذين إلى صعوباتٍ في تدبير شؤون الحياة تدفع بعض النّاس إلى البحث عن حلول سحريّة لمشاكل تُعالج بطرق أخرى، أسهلها الحوار وآخرها الطب!
تكشف حوادث من هذا النّوع عن حاجة مُلحّة إلي "التفكير في المجتمع"، فمستجدات الحياة المعاصرة، لا تتطلّب تلبيّة الحاجات الماديّة، فحسب، بل تستدعي مرافقة اجتماعيّة ونفسيّة، تنهض بها المؤسّسات والمجتمع عبر تنظيماته المختلفة وعلماء الاجتماع والنفس، الذين يكشفون عبر نشاطهم و إنتاجهم المعرفي  وأبحاثهم العلميّة الأمراض والظواهر، ولا يكتفون بانتقاد المجتمع في وسائل التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام!
ويتطلّب الأمر أيضا إيجاد قنوات التواصل الناجعة، إذ لا يُعقل أن يجد المحتالُ  شفرات التأثير في الجماهير، كما فعل راقي "التيك توك"، في وقت يعرض  فيه الناس عن العلاج النفسي، بل وحتى  عن علاج بعض الأمراض المزمنة، التي يدعي باعة الوهم علاجها.
ثمّة حلقة ضائعة في منظومتنا الاجتماعيّة، يُمكّن العثور عليها من تفسير الإقبال على نشاطات وخدمات موازيّة وغير مشروعة وتقليدية، على حساب النشاطات المنظمة، وربما تعلّق الأمر بفقدان الثقة في النّشاط المُنظّم والمؤسّسات الحديثة، نتيجة تراكم الخيبات بسبب الطابع البيروقراطي المرتبط بتقديم الخدمة، بما في ذلك خدمات العلاج، لذلك من الضروري مراعاة بناء الثقة عند كل معالجة للمشاكل الاجتماعيّة، مع التركيز على المعالجة الجذرية للأسباب، فردع المشعوذين، مثلًا، لا يكفي للقضاء على الشعوذة، بل يتطلب الأمر بناء إنسان لا يؤمن بالشعوذة والتفسيرات السحرية للظواهر ويلجأ إلى الحلول العقلانيّة و العلمية والقانونية لمشاكله، وهي مهمة  مختلف مؤسسات التنشئة  الاجتماعية على رأسها المدرسة.

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى