سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على الجامعات ومراكز البحث، سواء من حيث الاستثمارات والشراكات أو التمويل والتبرّعات التي تهدف إلى الهيمنة والسيطرة على القرار، وهو ما يفسّر تشدّد إدارات الجامعات مع المحتجّين، ودعوات الطلبة، بالمقابل، إلى إنهاء التعامل مع كيان يقتل الأطفال.

صحوةُ  نُخبِ المستقبل، نبّهت العالم إلى أنّ هذا الكيان الغاصب لا يحتلّ فلسطين فحسب، ولكنّه يحتلُّ مواقع حسّاسة في أقوى دولة في العالم، وأنّ الجماعات الضّاغطة لا تمارس سحرها على وسائل الإعلام وصنّاع القرار السياسي، فحسب، ولكنّها تمتدّ كالسّرطان إلى الأدمغة.
ثمّة درس بليغُ يُستخلص من هذا الحراك الطلابي الذي حمل المأساة الفلسطينيّة إلى أكبر المنابر العلميّة في العالم، هو أن مبدأ "مواجهة القوّة بخطاب الحقّ" الذي أطلقه إدوارد سعيد في أمريكا بالذات، ومارسه في مرافعاته ومساهماته العلميّة التي تفكّك الإديولوجية الاستعماريّة وخطاباتها الكامنة، يمكنُ أن يؤتي أكله ولو بعد حين.
 فأبعد من إيقاف الحربِ، إسكات الباطل الذي تحوّل إلى دين خفيّ يدينُ به السّاسة والصحافيّون والمنظّرون في الغربِ المحتلّ الذي لم يعد يرى العالم إلا من خلال غلالة مصالح اللّوبي الذي أحكم قبضته على الميديا والسيّاسة وصار له فلاسفته ومنظّروه  الذين لا يخجلون وهم يجهرون بمناصرة الظلم والعدوان ويبرّرون القتل والتدمير.
الآن وقد رفع الدم الفلسطينيُّ السخيّ الحجاب عن السرّ، يمكنُ للشّعوب المستعمرة في الغرب الحرّ أن ترفع الصّوت محتجة على المشاركة في الجريمة باسمها، وليس حراك الطلبة سوى بداية نهاية الأكاذيب المؤسّسة لسرديّة بدأت تتصدّع، وبدأ أنصارها يفقدون الحجّة والصّوت.
ما يحدثُ الآن في قلاع علمية استباحتها الصهيونية يعيد الوجاهة للحقّ ويضع صانع القرار في زاويّة ضيقة، ويجبره على إعادة النّظر في سياسات كانت تُدرج في خانة المسلّمات، وفي ذلك درسٌ آخر للنّخب العربيّة التي ركبت قطار الباطل و باعت ضمائرها للمتصهينين المبتدئين الذين يوزّعون الأمجاد ويخلعون الألقاب ويخرسون الأصوات ويجعلون اليسار يمينا واليمين يسارا ويحوّلون رموز التّنوير إلى مداحي أنظمة بطركية.

سليم بوفنداسة

    • الخروج من حُجرة الكتابة

      خرج بول أوستر من "حجرة الكتابة" تاركًا أبطاله لمصائرهم الغامضة وشعبًا يتيمًا في مختلف اللّغات، هو الذي فضّل أن يختتم الرحلة في الحجرة ذاتها التي شهدت ميلاد أبطاله، تمامًا كبطله  العجوز "بلانك" المحتجز في غرفةٍ ليُحاسب على ما...

    • قطارُ الباطل

      سلّطت الاحتجاجاتُ الطلابيّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة الضوء على هيمنة اللّوبي الصهيوني على الجامعات ومراكز البحث، سواء من حيث الاستثمارات والشراكات أو التمويل والتبرّعات التي تهدف إلى الهيمنة والسيطرة على القرار، وهو ما...

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى