توغل أساتذة وباحثون من جامعات جزائرية و أجنبية في عمق التجربة المسرحية عند كاتب ياسين و لغته المتفردة التي يستعملها ببراعة، يوظفها بدقة متناهية و يتلاعب بحروفها و مدلولاتها و كأنها لغته الخاصة.
و قال المتدخلون في اليومين الثاني والثالث  من الملتقى الدولي السابع حول أعمال و مآثر الأديب المنعقد بقالمة، بأن كاتب ياسين كان يستعمل خليطا لغويا غريبا يتكون من الفرنسية و الأمازيغية و العربية الجزائرية، في إشارة إلى اللهجة العامية السائدة بوضوح في كل الأعمال المسرحية و الشعرية التي ألفها و أخرجها للجمهور "الشعبي"، المستهدف الأول من طرف كاتب ياسين الذي كان يبحث عن العمق الاجتماعي و يغوص فيه و يعتبره ملاذا آمنا، ينشط فيه بحرية ويقول ما يشاء لإيقاظ الضمائر و دفع المضطهدين إلى الثورة على المستعمر وتقاليد ومعتقدات و توجهات، كان يراها مخالفة لواقع افتراضي مجرد، كان يبحث عنه و يعمل على تجسيده على أرض الواقع، من خلال التوظيف المسرحي والشعري والقصصي، لإيصال رسالته و النفاذ إلى الأوساط الشعبية التي نشأ فيها وتأثر بها أيما تأثر.   
وطرح الباحث التونسي سعد برغل المهتم بفكر كاتب ياسين، أسئلة كثيرة كان باحثون آخرون قد طرحوها بإلحاح، حول الحركية التي عرفها الأديب الجزائري الذي جمع بين الرواية و المسرح و الشعر قائلا: "لماذا يمم كاتب ياسين وجهه شطر المسرح؟  
هل نحن مع مسرح للشعب أم مسرح شعبي أم مسرح شعب؟   كيف تتبدى الثورية في المسرح و بدائله؟  ما هو حظ اللغة في مسرح كاتب ياسين، و كيف تتحول اللهجة و التداخل اللغوي عنده مسلكا من مسالك الإبداع ؟  
للإجابة على كل هذه التساؤلات، عاد الباحث التونسي إلى نشأة كاتب ياسين و البيئة التي عاش فيها و تأثر بها و الأحداث التي صدمته و أثرت فيه تأثيرا بليغا، فحولته إلى كائن بشري آخر، مضيفا بأن البداية الحقيقية لكاتب ياسين، كانت في 8 ماي 45 عندما شارك في مظاهرة كبيرة مناوئة للاحتلال و مطالبة بالانفصال عن فرنسا و هو لا يتجاوز 15 سنة، شاهد القتل و الدماء و لم يكن الموت نصيبه في ذلك اليوم، لكن وقع تلك الأحداث على نفسه كان صادما بعنف.و عمق في نفس الوقت بداخله الوعي الوطني الذي دفع به في ما بعد لكتابة أول مجموعة شعرية له بعد مرور عام من تلك الأحداث الدامية التي أسست لمرحلة جديدة من تاريخ الشعب الجزائري.   
و يرى سعد برغل بأن شهرة كاتب ياسين التي بلغها عندما تألق برواية "نجمة" و نال إعجاب الأوساط الثقافية في صالونات باريس و نال أيضا إعجاب و احترام كبار الأدباء في تلك الفترة ألبير كامي ، أرغون ، أندريه مالرو و الكاتب الصحفي جون دانيال، لم تؤثر فيه و لم تغره، فأصر على أن يبقى جزائريا و يكشف عن الوجوه التراجيدية للحالة الجزائرية تحت وطأة الاستعمار ، فكتب روائع مسرحية عديدة تحت عنوان "دائرة القصاص" ، " الأجداد يزدادون ضراوة " و " الجثة المطوقة ".  ويعتقد الباحث التونسي بأن كاتب ياسين لم يتمكن من النفاذ إلى عمق الشعب من خلال أعماله الروائية المكتوبة باللغة الفرنسية و لم تكن لديه فرصة أخرى حين هجر الكتابة بالفرنسية، ليتجه نحو كتابة جديدة بالعامية الجزائرية بعد لقائه بالشاعر أدونيس و مفكرين لبنانيين في بيروت سنة 1967، وقتها تفتحت عينه على القضية الفلسطينية و معاناة الشعب الفلسطيني الشبيهة بما عاناه الشعب الجزائري تحت الاستعمار.  
و تطرقت الباحثة الجزائرية آمال آيت حمودة من جامعة فيينا بالنمسا، إلى التراث الجزائري في مسرح كاتب ياسين و قالت أن الأديب يعود دائما إلى مرحلة الطفولة و جذور بني كبلوت و كان حريصا على استعمال القصص الأسطورية القديمة في كل أعماله المسرحية و الشعرية و الروائية، مستعملا لغة شعبية بسيطة أحيانا، لإيصال فكرته إلى الطبقات الشعبية المستهدفة.  
و قال الأستاذ سامي التباب من تونس، بأن الأعمال الروائية لكاتب ياسين ليست بالمفهوم الروائي التقليدي المعروف، بل هي مشاهد متشابكة عبر تسلسل زمني مهشم و ومضات عابرة و تأملات غير منطقية و كوابيس متكررة و صور شعرية كثيفة و مليئة بالاستعارات.
و خلص المتدخلون في الملتقى إلى أن أعمال كاتب ياسين و حياته و البيئة التي عاش فيها لا تزال مليئة بالأسرار و تحتاج إلى كثير من الجهد و العمل الأكاديمي المكثف، لسبر أغوارها و تقديمها للأجيال الجديدة من الطلبة و الباحثين عبر العالم.  
و في ختام الملتقى قررت اللجنة العلمية اختيار موضوع جديد للملتقى القادم تحت عنوان " الجغرافيا الكاتبية" في محاولة لتسليط الضوء أكثر على البيئة التي نشأ فيها كاتب ياسين و أجداده المعاصرين و القدامى بقالمة، عنابة، قسنطينة، سطيف و العاصمة وغيرها من المناطق داخل الجزائر و خارجها.   و قبل إسدال الستار على فعاليات الملتقى الدولي السابع، أعلنت لجنة جائزة كاتب ياسين عن فوز المغربية عائشة البصري بالجائزة الأدبية كاتب ياسين للرواية العربية، و الباحثة الجزائرية بجامعة مونتريال الكندية نصيرة بلولة بالجائزة الأدبية كاتب ياسين للرواية الفرنسية، و تم إلغاء جائزتي الشعر العربي و الفرنسي.                                              

فريد.غ

الرجوع إلى الأعلى