بارونات يستولون على مساحات شاسعة من أراضي الدولة بأم البواقي
تشهد في الآونة الأخيرة عديد بلديات أم البواقي انتشارا لافتا للسكنات الفوضوية، التي توسعت على حساب أراض تابعة للدولة، وفي الوقت الذي عجزت فيه بلديات عن توطين مشاريع تنموية يجد بارونات العقار سهولة كبيرة في تشييد بناءات فوضوية، تعرض للبيع بمجرد إتمامها، واقع أدى إلى تبادل للتهم بين بلديات تتحجج بنقص التعزيزات الأمنية وبين شرطة تعتبر التسخيرة أمرا مقدسا غير قابل للتأجيل، وصولا لمديريات فاعلة في مجال التعمير تحمل رؤساء البلديات المسؤولية.

تحقيق: أحمد ذيب
تشير المعطيات الرسمية التي نحوزها إلى أن بارونات العقار استولوا على مساحات شاسعة من الأراضي عبر بلديات متفرقة بأم البواقي، وبات المشهد أكثر وضوحا بعين فكرون أين تعدى عدد البنايات الفوضوية المشيدة بطرق غير مرخصة تلك المرخصة، وبات إحصاء بناءات شيدت بطرق قانونية أسهل بكثير من  التعرف على سكنات مكونة من طوابق متعددة وبنمط عمراني عصري أصحابها لا يحوزون على أي وثائق، ومن بين المفارقات أن سكنات من هذا النوع تم  ربطها بشبكتي الماء والكهرباء، واعتبر البعض بأن ملف البناء الفوضوي موضوع لا يموت مهما تقادمت المجالس المنتخبة، داعين الأمناء العامون الممثلون للإدارة في البلديات ورؤساء الدوائر إلى التحرك، خاصة في المرحلة الانتقالية التي تتزامن بين انتهاء عهدة وبداية أخرى، أين تستغل عديد الأطراف الوضع وتشيد  منازل في غياب رقابة فعلية.
والي الولاية أكد مباشرة بعد اطلاعه على الوضع في عديد البلديات بأنه أعلن حربا دون هوادة على المخالفين وفق ما تنص عليه قوانين الجمهورية، مهددا  بعقوبات صارمة في حال ثبوت التورط مع مافيا العقار، وطمأن المواطنين المحتاجين للسكن بأن عليهم التقدم بملفات كون الولاية  تتوفر على طلبات تغطي 5 أنماط سكنية.
مديرية البناء والتعمير تحمّل  “الأميار” المسؤولية
مصادر مسؤولة على مستوى مديرية البناء والتعمير، كشفت بأن رؤساء البلديات هم المسؤولون بشكل مباشر على التدخل وهدم البنايات الفوضوية، فالقانون يمنح لهم أحقية هدم أي سكن غير مرخص في أجل 8 أيام، وعرجت المصادر ذاتها على ما ورد في الجريدة الرسمية رقم 51 المؤرخة في 15 أوت 2004،  حيث أن المادة 6 التي جاءت معدلة للمادة 73 من القانون رقم 90/29، تؤكد بأن رئيس المجلس البلدي والأعوان المؤهلين قانونا يتوجب عليهم زيارة كل البنايات في طور الإنجاز والقيام بمعاينات يرونها ضرورية، وطلب الوثائق التقنية الخاصة بالبناء والاطلاع عليها في أي وقت.
في حين نصت المادة 11 المتضمنة للمادة 76 مكرر 3 أن المخالفة يترتب عليها حسب الحالة إما مطابقة البناء المنجز أو القيام بهدمه، وذهبت المادة 12 المتضمنة للمادة 76 مكرر 4 لتبين بأن البناء عندما ينجز دون رخصة، يتعين على العون المؤهل قانونا تحرير محضر إثبات المخالفة وإرساله إلى رئيس المجلس البلدي والوالي المختصين في أجل لا يتعدى 72 ساعة، ومراعاة للمتابعات الجزائية، يصدر رئيس المجلس الشعبي البلدي المختص قرار هدم البناية في أجل 8  أيام ابتداء من تاريخ استلام محضر المخالفة، وعند انقضاء المهلة وفي حال  تقصير رئيس المجلس البلدي المعني يصدر الوالي قرارا بهدم البناية في أجل لا يتعدى 30 يوما. المصادر ذاتها أكدت بأن مفتشي التعمير عبر بلديات الولاية أحصوا خلال السنة المنقضية 188 بناء فوضويا.
 بلديات تتحجج بعدم تطبيق التسخيرات
رؤساء عديد البلديات بالولاية خاصة منها التي تعرف توسعات وبناءات فوضوية، أكدوا بأن بارونات العقار استولوا على مساحات شاسعة وجعلوا البلديات في حيرة سعيا لإيجاد مكان لتوطين مشاريع تنموية، حتى أن بلدية أولاد زواي اقترحت على بلديات عين مليلة توطين مشاريع فوق أراضيها، في الوقت الذي لم تجد بلدية عين فكرون عقارات لتجسيد مشاريع تنموية مختلفة ونجح في المقابل ناهبو العقار في إيجاد تحاصيص كاملة شيدوا فوقها سكنات وعرضوها للبيع، فالبلدية لم تستطع إنشاء تحصيصات أرضية منذ سنة 1990.
رئيس بلدية عين فكرون كشف للنصر بأنه يحوز قرارات لتوقيف الأشغال وقرارات لهدم السكنات وتسخيرات، مبينا بأن مصالحه أحصت أزيد من 340 بناء فوضويا عبر أحياء بوعافية وكاف الشكارة ورحاية الريح إلى جانب المستودعات الفوضوية التي شيدت عبر طريق الوزن الثقيل والتي شيدها رجال مال وعرضوها للبيع،وأكد محدثنا وجود بارونات همهم الوحيد الكسب السريع، يتوجهون لمسبوقين قضائيا لتشييد سكنات وبعد الانتهاء من بنائها يعرضونها للبيع.
“المير” كشف بأنه حرر 292 قرار هدم إضافة إلى قرابة 35 تسخيرة نفذت منها تسخيرتان فقط، الأولى نفذت سنة 2014 على مستوى قرية مسعي رابح ومست 8 سكنات فوضوية والثانية نفذت السنة الماضية ليلا لتهديم سكن، غير أنها أرجأت بعد أن هدد المخالف بالانتحار حرقا وحاول حرق نائب “المير”.
وأضاف محدثنا بأنه تم هدم سكن فوضوي لمحافظ شرطة متقاعد بحي 30 سكن غير أنه عاد لتشييد سكنه بلا رخصة بناء، أما بحي الآفاق فاستولى 6 أشخاص على فضاء خصص لإنجاز دار الثقافة، “المير” ربط عدم تنفيذ التسخيرات بعدم توفر العدد الكافي لعناصر الشرطة من خلال ردود أمن الدائرة، مضيفا بأن مجلس بلغ فيه الأمر  حد تقديم استقالة جماعية لطلب القوة العمومية للقضاء على السكنات الفوضوية.
وبعين كرشة أرجأت السلطات المحلية تنفيذ تسخيرة الوالي للشروع في هدم قرابة 200سكن فوضوي، بسبب ربط عملية التنفيذ بضرورة توفر العدد الكافي من عناصر الشرطة كون العدد الكبير يتطلب احتياطات أمنية كبيرة، وبين رئيس البلدية بأن السكنات الفوضوية شيدت بطريقي الحرملية وقرعة سعيدة وخلف مقر البلدية وبمحاذاة الحديقة العمومية وبحيي بوغازي حبيبة والحدائق وبمحاذاة متوسطة موجاري وبشارع مقن محمد، وكشف “المير” بأن جل هاته السكنات تم ربطها بعدادات كهربائية، وأصحابها “بزناسة” ومن بينهم حالات شاذة تتوفر فيها شروط الاستفادة من سكنات اجتماعية.  
وببوغرارة السعودي التي أشرف فيها الوالي على هدم سكن فوضوي لمقر من “المير”، اتضح من خلال “المير” نفسه بأن مقربين منه شيدوا 5 توسعات من أصل 60 توسعة تم إحصاؤها، مشيرا بأن القوة العمومية خرجت لتنفيذ عمليات الهدم غير أن أعيانا من عروش المدينة تصدوا لهم ورفضوا الهدم ، أما بعين البيضاء فكشف “المير” بأنه يحرر ما معدله 6 قرارات هدم يوميا مبينا بأن الشرطة تتجند لإنجاح تسخيرات الهدم، وأحيانا يصطدم موظفو البلدية لوحدهم بمواطنين تشملهم العملية، وبين محدثنا بان موظفي البلدية أحيانا يتلاعبون ولا يبلغون عن البناءات الفوضوية.
وبعين مليلة أحصت البلدية قرابة 114 بناء فوضويا حولت  أرقام خاصة بها على مديرية السكن، أغلبها تتواجد بقرية فورشي القديم إلى جانب قرية باسطيل التي بها نحو 4 سكنات، وتقوم مصالح البلدية حاليا بتحيين قرارات الهدم، وبخصوص التسخيرات كشف مصدر مسؤول بأن البلدية تحرر تسخيرات للهدم وتبقى تنتظر الرد، وعادة ما يكون عناصر القوة العمومية يتواجدون في مهمات ميدانية.
الشرطة  “التسخيرات مقدسة ولا يمكن إرجاؤها “
من جهتها شرطة أم البواقي فندت تورطها في عدم تنفيذ تسخيرات، مشيرة بأن التسخيرات أمر مقدس بالنسبة لها، ووجب تجسيدها فوق الميدان في وقتها المحدد ، وبخصوص الاتهامات الموجهة لها من طرف السلطات المحلية بعين فكرون أشارت إلى أن بلدية عين فكرون تبعث بإرسالياتها للشرطة عبر البريد لتصل متأخرة، وهو  سبب من أسباب تماطل الأميار، وذهبت مصادرنا للتأكيد بأن شرطة العمران تتواجد في كل البلديات، أين تعاين المخالفات وترسل محاضر لكل بلدية لاتخاذ الإجراءات المناسبة، فخلال السنة المنقضية أحصت شرطة العمران وحماية البيئة 335 مخالفة في مجال العمران، إضافة إلى تسجيل 84 مخالفة في مجال الصحة وحماية البيئة، وقامت العناصر ذاتها بتنفيذ 208 عملية هدم بأمر من السلطات الإدارية.
“مير” عين فكرون من جهته أكد بأنه يحرر تسخيرات من دون تحديد تواريخ تنفيذها، ويطلب من عناصر الشرطة تحديد التواريخ  في حال جاهزيتهم، على عكس قرار توقيف الأشغال أو الهدم الذي يحدد فيه التاريخ، مضيفا بأنه ومنذ تاريخ فيفري 2013 شرع في محاربة البناء الفوضوي وفي كل مرة  يتعذر على الشرطة –كما قال- تسخير العدد الكافي.
مديرية أملاك الدولة تتبرأ
مديرية أملاك الدولة من جهتها  تبرأت من ملف البناء الفوضوي، و أشارت مصادر مسؤولة بأن البناء الفوضوي إذا التهم ما نسبته 20 بالمائة من أراضي الدولة فالنسبة المتبقية وفي حال شيدت بلا تراخيص بناء فهي كذلك وإن كانت فوق أراضي الخواص فوضوية، وبحسب المصادر ذاتها فإن  أملاك الدولة لها عبر الولاية 5 مفتشيات فقط بعين فكرون وعين مليلة وأم البواقي وعين البيضاء و مسكيانة، ما يعني أنها لا تتواجد بـ24 بلدية .
مصادرنا اعتبرت بأن أي بناء لا يستند إلا رخصة فهو فوضوي، والرخصة تأتي بعد تسلم المعني لسند الملكية، محملة رؤساء البلديات مسؤولية توجيه إعذارات أو إنذارات للمخالفين بتوقيف الأشغال، فـ”المير” مطالب بإجراءات حماية أملاك الدولة والرقابة عليها والمعاينة ثم التبليغ في حال ثبوت الاعتداء.
وعن الظاهرة المنتشرة بعين فكرون اتضح بأن المديرية راسلت رئيس البلدية واعتبرت بأن البناءات الفوضوية في تزايد مستمر ووجب محاربتها وفق ما تنص عليه القوانين المعمول بها في هذا المجال، لا سيما أحكام القانون رقم 11/10 المؤرخ في 22 جويلية 2011 والمتعلق بالبلدية والذي يمارس من خلاله رئيس البلدية سلطات باسم الجماعة الإقليمية التي يمثلها باسم الدولة وفق ما نصت عليه المادة 62، وبينت المراسلة أنه بالرجوع إلى المادة 115 البلدية تتولى التأكد من احترام تخصيصات الأراضي وقواعد استعمالها والسهر على المراقبة الدائمة لمطابقة عمليات البناء، وتمت دعوة  “المير” من خلال الوثيقة إلى ممارسة صلاحياته كضابط للشرطة القضائية، أي حماية الأملاك بصفته ممثلا للدولة.  
الظاهرة تطال أراضي الخواص
أكدت مصالح مديرية مسح الأراضي بأن البناءات الفوضوية توسعت حتى على حساب  أراضي الخواص، مشيرة بأن الوالي السابق طلب بأخذ عينة من عملية مسح تمس مقتطعا من طريق الوزن الثقيل بعين فكرون أين تفشت الظاهرة، لتخلص العملية التي مست ما نسبته 10 بالمائة من أراضي الدولة وبحضور لجنة ولائية تقنية أن التوسع الفوضوي مس أراض تابعة للدولة وتتواجد حتى في المحيط  الريفي،  وطال أراض تابعة للخواص.

الرجوع إلى الأعلى