كبيرات السن في محاولة مستميتة لإستعادة أيام الشباب
تأبى الكثير من النساء اللائي تقدمن في السن التنازل عن مظهرهن خلال فترة الشباب، فتواصل العيش على أنقاض مرحلة ولت، لمحاولة تحقيق حلم البقاء في سنوات الربيع، و تدخل في حرب باردة ضد مرحلة شيخوخة تأبى الاستسلام أمامها، و تواجهها بكل ما توّفر لديها من أسلحة «الجمال الشامل»، كارتداء الزي  القصير، صبغ الشعر، انتقاء أزياء الشابات، و إرهاق الجسم بالرياضة و الرجيم القاسي، مع محاولة مستميتة لإخفاء تجاعيد وجه يعيش على طبيعته عبر أطنان المكياج و حتى عمليات شد الوجه، لتخلق تناقضا في مجتمع يرفض أن تلبس المرأة المتقدمة في السن غير ثوبها، و يقتنع بأن الطبيعي أن تعيش مرحلة يكون الوقار فيها السمة الأبرز.
فغالبا ما تلفت السيدات اللائي تجاوزن سن الخمسين الانتباه، بما ترسمه ملامح وجه تملؤه التجاعيد، إلا أن النظر إلى الشكل العام يجعلك تتراجع عن الحكم على عمر هؤلاء، فكثيرات لازلنا يعشن على أنقاض فترة الشباب، و يرفضن التنازل عنها و إن كانت قد مرت منذ زمن طويل، لتترك العنان لحلم تفضل العيش فيه طوال العمر، بجسم رشيق، لباس أنيق و وجه ترسمه ألوان مكياج لا تتناسب و سنها الحقيقي.
مجتمع يرفض صور كبيرات في ثياب مراهقات
و إن حاولنا التعمق قليلا في هذه الظاهرة، فلا بد أن نلاحظ أن هؤلاء السيدات يعشن مرحلة منتصف العمر الممتدة بين الـ40 و الـ50 سنة، التي تكون مهمة جدا بالنسبة للكثير من السيدات من الناحية الجمالية، أين تؤكد الدراسات على أن أزيد من 64 بالمائة من النساء في سن الـ45 يبذلن جهدا كبيرا للاهتمام بجمالهن و أناقتهن، و هي حقيقة تعكسها صور النساء في شوارعنا، أين حاولنا تسليط الضوء على هذه الشريحة، فكانت الحقيقة، نساء يرتدين لباس شابات و أخريات ألبسة مراهقات بحسب تعبير بعض أفراد المجتمع الذين تحدثنا إليهم، قصات شعر غريبة، مكياج صارخ، و سلوكيات لا يرتكبها حتى الصغيرات و مواكبة دقيقة للموضة، لنفاجأ بمحلات الحلاقة لسيدات يسكنها مثلما تؤكده صاحبة المحل، التي قالت بأن أغلب زبوناتها هن كبيرات السن اللائي تأبين التنازل عن الجمال، حيث تقصد هذه الفئة، المحل بشكل شبه يومي لأجل المكياج، و تصفيفات الشعر حتى و إن لم تكن هنالك مناسبة مهمة، و هي سلوكات قد لا تروق جل أفراد المجتمع، لكن هؤلاء النساء لا يلين اهتماما لكل ذلك، و يعتبرن اختيارهن  حرية شخصية، و يعكس روحهن، فهن لا يرين عيبا في هذه الألبسة و يعتبرنها عادية.
أبناء يرفضون «شباب» أمهاتهم
و إن كان ارتداء النساء كبيرات السن لألبسة لا تتماشى و سنهن الحقيقية لا يقلق الكثيرين، فإن ذلك قد يقلق آخرين، فبعض البنات أو الشباب يعيشون خلافا مستمرا مع أمهاتهن نتيجة رفضهم لما تلبسنه أو المكياج التي تضعنه، فيرفضون الخروج برفقتهن و يصلون حد الشجار، و هو حال شابة حدثنا عنها صاحب محل قال بأنها تشاجرت مع والدتها و غادرت المحل باكية عندما طلبت الأم قطعة لباس ضنت الفتاة بأنها لأجلها، غير أن الأم ردت على البائع طالبة القياس الذي يلائمها، علما أن القطعة خاصة بالشابات فقط و لا تناسب كبيرات السن.
و الأمثلة كثيرة على شابات يقلن بأن والداتهن ترتدين نفس ألبستهن، و هو أمر لا يقلقهن، بل على العكس كما تقول إيمان بأن تشابه لباسها و أمها يخلق لها تنوعا فيما ترتديه، و يجعلها تقتصد في مصروفها لأجل أشياء أخرى مادامت خزانة والدتها تلبي احتياجاتها بحسب تعبيرها، كما أن هذا يساهم في زيادة التقارب بينهم في نظرها.
ألبسة الصبايا، مكياج صارخ و إدمان على صالات الجيم
مرحلة العمر و إن كانت مهمة في نظر الكثيرات بطرق أخرى، فإنها تعتبر الأهم بالنسبة لمن ترفضن السقوط في شراك الشيخوخة، لتعلن حربا تبقى كل الأسلحة فيها مسموحة، فلا تترك المكياج الذي لا تتنازل عنه حتى في أيامها العادية داخل البيت، فهي لا تقبل أن يراها زوجها خاصة بوجه شاحب و لا من يدخل بيتها فجأة، و تصر على ارتداء ألبسة لا تتماشى و سنها، فترتدي التنورة القصيرة، السروال القصير، بذلة الرياضة و حتى الضيق و الألوان الصارخة، و لا تهمها نظرة الناس إليها و حكمهم على ما تمارسه من سلوكيات تصنف في خانة الخطأ في أغلب الأحيان.
و لا بد لهؤلاء أن يكون القوام جميلا قبل اللباس، فقاعات الجيم و الرياضة تمتلئ بالنساء في هذه السن بحسب ما تؤكده السيدة الهام مسيرة إحدى القاعات، فتقول بأن أكثر من 50 بالمائة من الزبونات كبيرات، غير أنهن يواظبن على الرياضة و يحرصن على متابعة وزنهن و المحافظة على الرشاقة، و يسألن في كل مرة المعلمة عن سبل المحافظة على القوام الجميل.
حرب الكنة و العجوز...الصراع الأزلي على الجمال و الأناقة
و لا يمكن تسليط الضوء على هذه الظاهرة دون التطرق لواقع معاش، حرب الكنة و العجوز، الصراع الأزلي في معركة الجمال و الأناقة، إذ تحوي الكثير من البيوت الجزائرية صراعا بين الأم و زوجة الابن، و إن كان الصراع صامتا، فهو يأخذ طابعا آخر من التقليد في كل التصرفات خاصة ما تعلق منها بالمظهر، فأحد الشباب المتزوج حديثا يقول بأن والدته التي تجاوزت سن الـ60، قد غيرت في الكثير من سلوكاتها و حتى لباسها و قصة شعرها، حيث تخلت عن المنديل الذي كان يغطي شعرها، و لونته بالأصفر، في حين نزعت تلك الثياب البالية التي كانت غالبا لباسها في البيت، و بدلتها بألبسة فاخرة تليق بالأصغر سنا. و إن كانت بعض العجائز تحاول التظاهر على أنها تتصرف على طبيعتها، فلا بد و أن يلاحظ أهل بيتها ذلك التغير الذي جعلها تركز على الجانب الحسي فيما أهملت الروح، و جعلت من الكثيرات يبدون بصورة غير لائقة خاصة لأولئك اللائي يعمدن لارتداء ألبسة بناتهن الشابات بتسريحات و صبغات خصصت أصلا لفئة أخرى.
الأخصائية النفسانية حمادة دلال
شباب الروح قد يعكسه المظهر و المبالغة فيه رغبة في تكملة نقائص
ترى الأخصائية النفسانية حمادة دلال بأن مظهر الإنسان مرتبط بشخصيته، و مشاهدة امرأة بلباس شابة قد يكون انعكاسا لروحها الداخلية، فالكثيرات و على الرغم من تقدمهن في السن، لازلنا يرين في أنفسهن شابات، و يواصلن ارتداء ملابس تلك الفترة على الرغم من أنها لم تعد مخصصة لهن، و هن غالبا من يبدين احتراما لما يلبسنه و إن كان ليس لهن.
أما بالنسبة لأولئك اللائي يرتدين ملابس مثيرة و تجلب الانتباه، فغالبا ما يعانين نقصا في جانب ما يحاولن إكماله عبر المظهر، كأن تكون السيدة حرمت من التمتع بفترة شبابها نتيجة ظروف ما، فتحاول استدراك ذلك لما تبقى من العمر، مشيرة إلى نوع آخر لسيدات تقول بأنهن يحاولن التباهي بأنفسهن و إبراز كل ما لديهن، كما نجد أما تزاحم بناتها في اللباس، ما قد يولد مشاكل وسط العائلة و يخلق خلافات بين أم و بنت باتت تخجل بخروج والدتها معها إلى الشارع. و مهما تغير المظهر، و تزين بألوان الشباب، فقد يكون كل ذلك غير كاف، و لعل شباب الروح يكون أكثر فعالية في معادلة شد الانتباه و كسب الإعجاب الذي تسعى كل سيدة لتحقيقه في نهاية المطاف.                         إ.زياري

الرجوع إلى الأعلى