تحوّل فايسبوك في الأشهر الأخيرة إلى منافس كبير لموقع واد كنيس، فالتجارة الإلكترونية بمفهومها العام، باتت تستهوي الجميع نساء و رجالا، رغم فخ التحايل الذي يقع فيه الكثيرون، و لعل الاهتمام بها تضاعف أكثر خلال الجائحة التي خلفت هجرة جماعية نحو العالم الافتراضي، خصوصا في ظل سياسة الإغلاق  التي فرضتها إجراءات الحجر الصحي، و ما ترتب عن ذلك من تعليق لنشاط المحلات التجارية، مقابل إغراء ملاءمة الأسعار و خدمة التوصيل التي يضمنها تجار الفضاء الأزرق.
نشاط مفتوح و أسعار في المتناول
مع تأخر صدور قانون شامل ينظم نشاط التجارة الالكترونية و يضبط كل تعامل في هذا الإطار، تجذب سهولة التعامل تجاريا عبر فايسبوك و انستغرام  الكثيرين، على اعتبار أن عملية البيع هنا تتم دون رقابة و ضرائب أو شروط من أي نوع، يكفي فقط أن يلتقط البائع، حتى و إن كان ربة بيت، صورة لسلعته مهما كانت و يضع تحتها السعر أو رقم الهاتف، أو يشترط التعامل عن طريق رسائل ماسنجر، و ينشر الصورة على حسابه، أو عبر مجموعة معينة من مجموعات البيع و الشراء الكثيرة، ثم ينتظر رسالة أو اتصالا أو تعليقا من المشتري.
لا تغري سهولة التعامل وحدها زبائن فايسبوك، فملاءمة أسعار ما يعرض عبر هذا الفضاء من ملابس و أثاث و أواني، و حتى سيارات و تجهيزات، و كل شيء تقريبا، ساعدت على مضاعفة الاهتمام به، خصوصا و أن المستعمل يشكل نسبة كبيرة من السلع ، و بالتالي فإن أسعارها تكون بسيطة و مقبولة عادة، كما أنها تكون جد مغرية، إذا ما تعلق الأمر بسلعة أو منتج جديد، أو في حالة ممتازة، نظرا لعدم استخدامه مطلقا أو لمحدودية استخدامه، وهو ما يؤكده الكثيرون.
حسب  السيدة لامية، يعد فايسبوك سوق عملية جدا،  لأن ما يتوفر في بعض المجموعات يستحق العناء فعلا، كما عبرت، فقد سبق لها أن اشترت أريكة في وضعية ممتازة ، بالإضافة إلى منتجات أخرى لا تقل جودة عما هو معروض في المحلات، ومقابل فارق كبير في الأسعار يعادل 50 بالمئة، حسبها، من جهة ثانية ترى محدثتنا، بأن هناك متعة في التسوق عبر الهاتف و شراء ما يعجبك عن طريق كبسة زر، دون التنقل إلى المحلات.
 أما عبد الغاني، فقال بأنه باع سيارته عن طريق فايسبوك، وتحديدا من خلال صفحة « طوب أفير كونسطونتين»، التي تضم  قرابة 100 ألف مشترك و عدد كبير من المتابعين، محدثنا أوضح بأنه التقط صورا لسيارته « كليو كومبيس» و نشرها عبر الصفحة، فتلقى عددا لا يحصى من الاتصالات، بينها اتصال لشاب من البليدة، طلب منه فيديوهات مفصلة للسيارة، ولأنه أعجب بها تنقل لاحقا إلى قسنطينة، و أتم الصفقة بشكل نهائي، مشيرا إلى أنه حقق في العملية ربحا قدره 10 ملايين سنتيم.
«فيد دريسينغ» سوق الفرص
من بين أشهر الصفحات التي تعرف انتشارا كبيرا و شعبية أكبر، نجد مجموعات « فيد دريسينغ»، وهي عبارة عن مجموعات مغلقة تعنى بالبيع والشراء، خصوصا ما تعلق بالملابس و الأثاث، إذ تديرها في الغالب نساء، و تعتبرن  أكثر زبائنها نشاطا، و من أشهر هذه المجموعات نجد صفحة « لو فيد دريسينغ دو سماح»، لمؤسستها سماح عيساوي، التي قالت للنصر، بأن فكرة إنشاء المجموعة كانت وليدة الحاجة، فقد أرادت أن تستثمر في بعض قطع الملابس الجديدة التي اشترتها و لم تستخدمها، فاقترح عليها زوجها بيعها عبر الإنترنت لأنها سوق واعدة، ولأنها لم تكن تعرف بأي جهة عليها أن تتصل، قامت بإنشاء مجموعة نسوية خاصة، ضمت إليها عددا معتبرا من معارفها وصديقاتها، و فوجئت بحجم المتابعة التي حققتها خلال أقل من 24 ساعة، حيث تلقت أكثر من 500 طلب اشتراك، و تمكنت سريعا من بيع معروضاتها بأسعار جد مناسبة، علما أن الملابس تعتبر أكثر السلع تداولا في هذه الصفحة.
حسب سماح، فإن المجموعة تحولت في ظرف ستة أشهر، إلى فضاء رحب للبيع والشراء و الخدمات، يحصي بما يزيد عن 20 ألف مشتركة، وهو تحديدا ما فتح لها أبوابا كثيرة، بما في ذلك فرصة التعاون مع شركة أميركية لبيع منتجات محاربة الشيخوخة و المكملات الغذائية، مشيرة إلى أن ممثلي الشركة اتصلوا بها، بعدما لمسوا نجاح مجموعتها و حركيتها المتسارعة، وهكذا ولد مشروع ثان لها في مجال البيع الإلكتروني و يتعلق بموقع خاص بهذه المنتجات و هو « جاسمين سطور».
 المجموعة الفايسبوكية التجارية سمحت لمحدثتنا أيضا، بإطلاق مشروع ثالث، يتمثل في نشاط إنساني خيري، يهدف إلى جمع تبرعات المشتركات و متابعات الصفحة، من أطعمة وألبسة و تقديمها للمحتاجين.
 عن سر نجاح هذا النوع من التجارة، رغم بساطتها، قالت سماح للنصر، بأن الأمر يتعلق بطريقة تنظيم المجموعة و الوقت المخصص لمراقبة محتوى ما يعرض عبرها للبيع، ناهيك عن طريقة حل الخلافات بين المشتركات.
 أما العامل الأهم، فيتمثل في الظروف المثالية التي وفرها الحجر الصحي « غلق المحلات توقف النقل تقنين التنقلات»، و هو ما سمح بانتقال الزبائن من الواقع إلى العالم الافتراضي، فنسبة كبيرة ممن يروجن لمنتجاتهن عبر فايسبوك، يقترحن خدمة التوصيل المجاني، وهو أمر يغري الكثيرين.      
محلات مغلقة تفتح افتراضيا  
نجاح  هذا النوع من التسويق، دفع بالكثير من التجار و أصحاب المحلات إلى اعتماده، فالتجار الذين يضطرون إلى غلق أبواب محلاتهم باكرا بسبب ساعات الحجر، يفتحون بالمقابل نوافذ الويب لاصطياد زبائن أكثر، فينشرون صورا و فيديوهات تفصيلية لسلعهم مع ذكر أسعارها و فتح باب التواصل عبر الهاتف و ماسنجر و اعتماد خدمة التوصيل كذلك. ولا يقتصر الأمر على التجار فقط، فحتى المراكز التجارية الكبرى  بمختلف محلاتها، لديها اليوم صفحات على فايسبوك، تعتمد عليها في التسويق، على غرار صفحة مركز « رتاج مول» التي تحصي 30 ألف متابع.
الترويج صنع سوقا  موازية
رغم أن التجارة الالكترونية تخضع لقوانين تنظيمية وإطار واضح، إلا أنها لا تحظى بنفس الإقبال أو الاهتمام الذي يوليه الجزائريون للترويج الحر على فايسبوك، وذلك، كما أكد حمزة بلعباس، الأمين العام للمنظمة الجزائرية لحماية و إرشاد المستهلك، مشيرا إلى أن الكثير من المواطنين   يفضلون هذا النوع من التعاملات التجارية، لأن الدفع فيه يكون عادة مباشر عند معاينة السلعة، بالمقابل لا يقبلون كثيرا على المواقع المقننة لعدم ثقتهم في آلية الدفع الإلكتروني، و لتأخر البنوك في هذا الجانب كذلك.
و تبقى التجارة الإلكترونية أضمن من ناحية الحفاظ على حق المستهلك و حمايته من التحايل، كما قال المتحدث، مشيرا إلى أن المنظمة تلقت شكاوى عديدة من مستهلكين كانوا ضحايا الترويج، و يتعلق الأمر عموما بشكاوى تصب في خانة عدم مطابقة المنتوج، و عدم احترام آجال التسليم، و الإخلال بالالتزام بخدمة ما بعد البيع، و عدم توفر شهادات الضمان.
 هدى طابي

الرجوع إلى الأعلى