تتقن مداعبة القماش و تحويله إلى ألبسة رائعة، ترسم عليه لوحات فنية بخطوط ماكنات متنوعة، تتفنن في ترويض أوراق الدوم و تحويلها إلى سلال تحفة، و تجمع كل ما يلمع لتجعل منه إكسسوارات لتزيد المرأة جمالا...، هي كلها حرف تجمعها أنامل سيدة أبت الاستسلام لظروف الحياة الصعبة، و قررت مواجهة المحن بالمهن، لتسطع كنجم في سماء حرفيي و حرفيات بومرداس. السيدة نبيلة بن فضة، ابنة باب الواد بالجزائر العاصمة، التي هجرتها الظروف، و أرغمتها على الهجرة القريبة إلى ولاية بومرداس، فالشابة التي كانت تتفنن في إلباس العرائس و التفصيل و الخياطة لأجل المتعة في بيت والديها، لم يعد ذلك متاحا بعد دخول بيت الزوجية، فعدم توفر شغل قار للزوج و منزل خاص، دفعها إلى التفكير الجاد في العمل عبر تلك الحرف التي اكتسبتها منذ سنوات طويلة.
و بسبب ظروف العيش القاسية، قررت نبيلة استغلالها لمساعدة زوجها و تجنب مد اليد إلى الناس، و إن لم تكن الأمور في البداية سهلة، فإن الحرفية قد خرجت لاكتساب مهارات جديدة تتماشى مع متطلبات السوق الجزائرية، فتلك الحرف التي كانت لدى نبيلة لم تكف لدخولها معترك الشغل و ضمان الترويج لما تنتجه، فذهبت لاكتساب حرف جديدة، بعد أن علمتها الحاجة كل شئ. و بوجه باسم، و قلب يملؤه الأمل و التفاؤل، تحدثنا نبيلة عن تجربتها في قهر الظروف، تقول بأنها بدأت العمل بمساعدة إحدى السيدات، قبل أن تتمكن من الترويج لمنتوجاتها و إبراز مهاراتها للجميع و حتى غرفة الصناعات التقليدية و الحرف ببومرداس التي كانت سندا لها للحصول على بطاقة الحرفي و إقامة معارض عدة. العمل و إن كان في بدايته صعبا، إلا أنه مكن السيدة المكافحة من مساعدة زوجها على كراء بيت بضواحي مدينة الثنية، قبل أن تتحسن الظروف بعد 6 سنوات من المعاناة، و تستأجر الحرفية محلا صغيرا، حولته إلى ورشة لصناعة كل ما تطلبه السوق المحلية من صناعات تقليدية، فهي لم تكن تلك الحرفية التي تكتفي بانجاز قطعة محددة، بل تحول محلها الصغير إلى ورشة صالحة لكل الحرف، و لا تجد في قاموسها كلمة لا. جملة جميلة أرسلتها نبيلة في سياق حديثها معنا، تقول «المرأة تعتبر أكبر مجاهدة في هذا العصر»، و هي تتحدث عن نساء الثنية اللائي تبنت فكرة مساعدتهن على إخراج إبداعاتهن إلى النور، و نفض الغبار عن الكثيرات ممن تعانين الفقر و الحاجة دون التفكير في المساعدة رغم توفر القدرات، فالمرأة في نظر الحرفية المتعددة لا بد و أ، تكافح بكل قوتها، شريطة ألا تستسلم للظروف الصعبة، بل على العكس من ذلك، فهي ترى بأنه يجب استثمارها و تحويلها من محنة إلى حجرة ثابتة لرسم خطى ثابتة في طريق النجاح، فكل سقوط في الحياة، لا بد و أن يكون خلفه وقوف ثابت، و هذه فلسفة نبيلة
 في الحياة.                                        

  إ.زياري

الرجوع إلى الأعلى