التراث الغنــائي الصحــراوي عرضـة للسرقـة و مهـدد بالاندثــار
انتقد الفنان السوفي محمد محبوب، واقع الأغنية الجزائرية الحديثة، مؤكدا بأن السعي خلف الربح السريع و الشهرة، جعل الفنانين يبحثون عن السهل  الخفيف ،و يبتعدون عن الأغنية الأصيلة المبنية على الكلمات  الراقية و الموسيقى الحالمة، ما بات يهدد ،حسبه ، التراث الغنائي القديم ، خصوصا في ظل غياب التوثيق و ضعف الإمكانيات المادية الموجهة لهذا العمل، كما تحدث في حوار خص به النصر، على هامش مشاركته مؤخرا في فعاليات الأسبوع الثقافي لمدينة واد سوف، في تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، عن علاقته بالفنان عبد الله مناعي و كشف أيضا عن جديد أعماله.

حاورته: نور الهدى طابي

. النصر: ماذا حملت لقسنطينة تظاهرة عاصمة الثقافة العربية من جديد حسب رأيك ؟
ـ محمد محبوب: في الحقيقة ليس بالكثير، فقد فوجئت بأنني مبرمج لوصلة غنائية واحدة و هذا أمر مؤسف بالنسبة لفنان محترف، ما يعني أن خياراتي جد محدودة و لن يتسنى لي الوقت لتقديم أي جديد، مع ذلك أتشرف بالمشاركة في هذا الحدث الثقافي العربي الذي يثبت بأن قسنطينة هي مدينة العلم و الفن و الثقافة و أم الحواضر، ولي فيها ذكريات كثيرة.
للإشارة، كنت قد طرحت مشروعا لأغنية مشتركة مع خالد محبوب، عند بداية التظاهرة هي أغنية “ ق”، لكنني ولأسباب خاصة لم أشارك فيها وقام خالد بأدائها لوحده، مع ذلك أنا مستعد لتقديم عمل خاص للحدث العربي في حال حظيت بالدعم المادي.
.قلت بأن لك في مدينة الجسور ذكريات، حدثنا عن أبرزها؟
ـ ربما هي ذكرى لقائي بالفنان علي الخنشلي قبل سنوات كثيرة بفندق سيرتا، تحدثنا كثيرا عن الأغنية التراثية السوفية و الشاوية، و أسمعني لأول كلمات أغنية “ جاري يا حمودة”، كانت تلك أول مرة استمع فيها لهذه الأغنية و أؤكد بأنها أغنيته ، و قد كتب كلماتها بنفسه الخاصة، ما يعني بأنها أغنية من التراث الجزائري و ليست تونسية، كما يظن الجميع. في ذلك اللقاء تحدثنا كثيرا عن واقع الفنان و مصير الأغنية التراثية.
. ماذا عن واقع الفنان في الجزائر و هل التراث الصحراوي مهدد بالاندثار؟
ـ  واقع الفنان مؤسف جدا، نعيش على الهامش ، إذا حالفنا الحظ و غنينا نسترزق ،أما إذا لم نغن فلا دخل آخر لنا، مؤخرا استفدنا من بطاقة الفنان و نرجو حقا أن يتغير الوضع إلى الأحسن، فكثير من الفنانين انتهوا دون دخل و لا معيل ،رغم كل ما قدموه للساحة الفنية الجزائرية، حتى أننا أصبحنا أمثلة سيئة للأجيال الصاعدة من الفنانين الشباب، وهنا أشير إلى أن وضعنا هو ما شجعهم على البحث عن الربح من خلال أداء الأغنية الهابطة، على حساب جمال أصواتهم. واقع أتمنى فعلا أن يتغير إلى الأحسن ،بفضل حكمة و حنكة الوزير الجديد للقطاع، فهو ابن الثقافة و صديق المثقفين و الفنانين، وهو الوحيد القادر على فهم انشغالاتنا و ترجمتها إلى أفعال.
أما بخصوص التراث الغنائي الجزائري، فوضعه ليس أفضل من وضع الفنان في حد ذاته، لسبب واحد هو أننا نحن من نثمنه و نحافظ عليه، إلا أن مجهوداتنا وحدها لم تعد كافية، الحفاظ على التراث بحاجة إلى عمل معمق و دعم مادي.
 أنا باحث في التراث قبل أن أكون فنانا، و أدرك جيدا أهمية الإسراع في تجميعه و حفظه، لأنه عرضة للاندثار و السرقة، وسبق أن ضربت مثالا بأغنية “ جاري يا حمودة “  التي نسبت لغير صاحبها.
. بالحديث عن أصل بعض الأغاني سبق وأن فجرت أغنية “ يا بنت العرجون” خلافا بينك و بين الفنان عبد الله مناعي ، كيف هي العلاقة بينكما الآن؟
ـ لم يكن خلافا بالمعنى الذي يشاع عنه ، هي قضية اختلاف في وجهات النظر ليس  إلا، علاقتي مع كل الفنانين جيدة، بما في ذلك الفنانين السوافة، أنا إنسان عصامي صنعت نفسي بنفسي ولم يصنعني أحد، قد اختلف مع أحد حول قضية معينة، لكن ذلك لا يعني وجود عداوة بيننا، علاقتي بعبد الله مناعي جيدة نتبادل الاحترام و الغيرة على الأغنية السوفية العريقة و نعمل كل بطريقته الخاصة على ترقيتها، ما حدث بيننا كان خلافا  حول أغنية أكدت مرارا بأنها من التراث، و حاولت فقط نسبها لصاحبها الحقيقي، وهو ما أثار بعض الحساسية، لكن ذلك  لم  يؤثر على احترامي له و على علاقتي الودية به كفنان.
. لماذا لا تزال الأغنية السوفية إلى اليوم حكرا على إسمي محبوب و المناعي رغم مرور السنوات،هل الأصوات الشبابية غير قادرة على أدائها؟
ـ الأغنية السوفية أغنية عريقة و تتطلب الموهبة و التفاني، الصوت الجميل وحده لا يكفي، لابد من الصبر و التعلم و الاستعداد للعطاء و البحث في التراث، شخصيا  طالما دفعت من جيبي خدمة لهذا الفن الأصيل، هو ليس طابعا تجاريا مربحا و لذلك لا يستهوي الفنانين الشباب، بالرغم من تمتع العديد منهم بأصوات جميلة و قوية، لكن البحث عن الشهرة  و المال يجعلهم يختارون طبوعا أخرى.
 عن نفسي أسعى دائما للحفاظ عليها، بالرغم من ميلي إلى التجديد من حين إلى آخر، حيث سبق لي و أن قدمت أغان خفيفة و واحدة للفريق الوطني، كما حولت إعطائها صورة عصرية أكثر، يمكن القول أنني الفنان  الوحيد الذي منح الأغنية السوفية التجديد.
. كانت لك تجربة سينمائية مع المخرج لخضر حامينة فهل تنوي تكرراها؟
ـ بالفعل كانت تجربة جميلة لعبت فيها دور البطولة في فيلم “ الصاعقة “ للمخرج  الكبير لخضر حامينة، وقد اختارني لقوة صوتي و تميزه، فضلا عن تكويني المسرحي، فقد كنت في الصغر عضوا في الكشافة الوطنية و مارست المسرح هناك. أما بخصوص الفيلم فقد قدمت فيه العديد من المقاطع الغنائية البدوية الجميلة، ثم أعدت بعد ذلك تجربة التمثيل مجددا مع الفنان حكيم دكار في مسلسل “جحا 2”، وكانت جيدة و قد سعدت بها، و أنا مستعد لخوض تجارب أخرى ، خصوصا السينمائية منها في حال عرضت علي نصوص مناسبة و بمستوى فيلم “الصاعقة”.
. ما ذا يحضر الفنان محمد محبوب لجمهوره؟
ـ حاليا أنا بصدد التحضير لأغنية جديدة هي أغنية جميلة جدا من التراث السوفي، و قد سبق لي أداءها ،لكنني أنوي إعادة توزيعها وأدائها بشكل ثنائي مع مغنية شابة من بسكرة هي  الشابة  ميمي،و هي ذات صاحبة صوت جميل جدا، الأغنية عبارة عن قصة حب بدوية بعنوان  “ خديجة”، سأطلقها قريبا كما أنوي تصويرها في شكل فيديو كليب.

الرجوع إلى الأعلى