استرجع سكان ولاية قالمة، أمس الثلاثاء، الذكرى 68 لاستشهاد البطل، سويداني بوجمعة، أحد صناع الثورة المقدسة وقادتها الأوائل الذين قرروا انتهاج الخيار المسلح، لدحر الاحتلال الفرنسي، الذي تحوّل إلى استعمار يطمس الهوية ويغتصب الأرض ويبيد السكان بجرائم بشعة لم تتوقف على مدى 132 عاما.
رغم مرور ما يقارب 7 عقود على سقوطه شهيدا في 16 أفريل 1956، ما زال سكان قالمة ومناطق أخرى من الوطن، يتذكرون هذا الشاب البطل الذي وهب حياته فداء للوطن والدين والأمة، وقد أشرفت السلطات المدنية والعسكرية بولاية قالمة، على مراسيم إحياء الذكرى التاريخية الخالدة، من خلال برنامج ثري، حيث رُفع العلم وتليت فاتحة الكتاب، بالمقبرة المركزية للشهداء ترحما على أرواح الشهداء الأبرار، ثم توجه المحتفلون إلى الشارع الرئيسي، حيث المعلم المخلد للبطل سويداني بوجمعة، الذي يحمل اسمه أشهر شارع بالمدينة ومركب رياضي ضخم.
وتم بالمناسبة تنظيم عدة نشاطات فكرية وثقافية، مخلدة لذكرى استشهاد البطل سويداني بوجمعة ويوم العلم، حيث أقيم معرض خاص بالشيخ عبد الحميد بن باديس، وآخر بشهيد الثورة، تضمن نبذة عن حياته وأرشيف العدو الفرنسي، الذي ظل يلاحقه عبر مختلف مناطق الوطن المحتل، للقضاء عليه و وضع حد لنشاطه الثوري المتصاعد.
وحسب المصادر التاريخية المتاحة بمتحف المجاهد بقالمة، وكتب التاريخ الوطني والأرشيف الفرنسي، فقد ولد سويداني بوجمعة بمدينة قالمة سنة 1922 وسط محيط عائلي متشبع بالنضال رافضا للاستعمار، وحصل على تعليم جيد أكسبه روح النضال والقدرة على الاتصال والانفتاح على الواقع السياسي، حيث انخرط مبكرا في النشاط الكشفي الذي قاده إلى النضال والالتحاق بالحركة الوطنية، والمشاركة في النشاطات الرياضية، إحدى أوجه النضال والمقاومة، إذ كان من بين أبرز لاعبي فريق الترجي القالمي لكرة القدم، كما عمل في مطبعة بالمدينة واحتك بالأوروبيين، واكتسب وعيا سياسيا قاده إلى العمل النضالي والثوري المبكر، حيث التحق بحزب الشعب الجزائري أين تلقى المفاهيم الأولى للوطنية والحرية، وقاد مظاهرات مناهضة للقمع الاستعماري بالمدينة، ومطالبة بالحقوق والمساواة مع الأوروبيين الذين استولوا على خيرات المنطقة واستعبدوا سكانها.
استدعي سويداني بوجمعة إلى الخدمة الوطنية وأتيحت له فرصة لاكتساب المبادئ الحربية بثكنات العدو وكان من أبرز المشاركين في مظاهرات جرت في الفاتح ماي 1945 بمدينة قالمة، رغم كونه مجندا بالخدمة العسكرية الإجبارية.
وعندما اندلعت انتفاضة 8 ماي 1945 الخالدة، منع من الخروج إليها وأدرك بأن ساعة الحقيقة قد حانت لرفع السلاح وطرد العدو بالقوة، وبدأت تتكون لديه فكرة العمل المسلح مدركا بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، فكان من أوائل الملتحقين بالمنظمة السرية، وبدأ يشارك في جمع السلاح حتى اكتشف أمره ودخل السجن سنة 1948 لمدة عام نصف.
وعند خروجه عاد للنضال من جديد وبعزيمة أكبر، وشارك مع القادة 22 المفجرين للثورة والإعداد لها بالتنظيم وجمع الأموال والسلاح والمؤن، حيث جاب عدة مناطق من الوطن حتى وصل وهران وبعدها إلى الجزائر العاصمة وسهل متيجة، لكن عمله المسلح في صفوف جيش التحرير لم يستمر إلا 17 شهرا حيث سقط شهيدا بمنطقة متيجة في حاجز  للعدو يوم 16 أفريل 1956 ملتحقا بقوافل الشهداء الذين عبدوا بدمائهم طريق التحرر من ليل الاستعمار الطويل.    
فريد.غ

الرجوع إلى الأعلى