سوق كريشتل بوهران.. بين نوستالجيا المغتربين و شغف المصطافين
يتهافت المغتربون والمصطافون كل صيف على منطقة كريشتل شرق وهران، ليس فقط من أجل الإستجمام في شواطئها الخلابة والتي لا تزال عذراء و هادئة، بل أيضا على سوقها المميز جدا، حيث يختصر مسار الخضر والفواكه فيه «من الفلاح إلى المستهلك»، لأنه  سوق تنقل إليه الخضر والفواكه والأسماك الطازجة مباشرة من مصدرها الأصلي  ومن ثمة إلى الزبائن.
لا تزال منطقة كريشتل شرق وهران، تزخر بأراضيها الفلاحية الخصبة و منتجاتها الجبلية و البحرية، وتتحول كل صيف إلى مقصد هام للمصطافين من سكان وهران، خاصة المغتربين، فرغم أنها تستقطب المواطنين على مدار السنة ، لكن عدد المتسوقين يرتفع صيفا، حيث تتشكل طوابير السيارات بالطرقات الضيقة وغير المعبدة المؤدية إلى سوق «العنصر» .
هذا السوق عبارة من فضاء مفتوح قرب نبع مائي ينحدر من سفوح الجبال التي تحيط بكريشتل، بناه منذ العصور القديمة سكان المنطقة ، ليكون نقطة التقسيم العادل للمياه الموجهة لسقي الأراضي الفلاحية، وحسب ما  أفاد به  سكان ، فإن 11 عائلة فقط كانت تعيش في هذا المكان ولا تزال الأجيال المتتالية و إلى غاية اليوم تسير على نفس الدرب، أي أنها تتقاسم مياه النبع على طريقة «الفقارات» الصحراوية، ولا يزال أحفاد العائلات ال11 ، يمتهنون الفلاحة والصيد ، ويروي هؤلاء أن أجدادهم كانوا يرصون المنتجات الفلاحية على ضفاف النبع لتنظيفها، قبل نقلها للأسواق المجاورة والتي تبعد بعشرات الكيلومترات، ويتركون جزءا  منها على الضفاف لبيعه لسكان المنطقة، وهو المسار ذاته اليوم مع بعض التغيير الطفيف، حيث أصبح المستهلك ينتقل إلى النبع مباشرة، ويقتني ما يحتاج إليه من الخضر و الفواكه و الأسماك الطازجة.
 إلى غاية السنوات القليلة الماضية، كان سوق كريشتل التقليدي مقصدا لكل عاشق للمنتجات الطبيعية، لأن ممارسة الفلاحة والصيد تتم وفق الطرق التقليدية بهذه المنطقة، لكن نظرا لكثرة الطلب وتعذر تلبيته من المحاصيل الطبيعية، لجأ بعض الباعة لدمج منتجات يتم جلبها من مناطق فلاحية أخرى، وبيعها على أساس أنها من محصول أراضي «العنصر».
استوقفتنا خلال زيارتنا للسوق، فئة من المتسوقين تستمتع بالجلوس لساعات في السوق و التجول بين أرجائه و تقصد حتى الأراضي الفلاحية المحاذية له،  فقط لاسترجاع الذكريات و الاستمتاع بالطبيعة، و معظم هؤلاء الأشخاص مغتربون من أبناء وهران يعودون لأرض الوطن صيفا.
صادفنا في طريقنا  شابا يدعى محمد ، لم يتجاوز العشرين من عمره، في خضم «نوستالجيا» المنطقة، وهو من سكان أحد أحياء وهران، قال لنا بأنه كان يرافق والده إلى السوق عندما كان صغيرا لشراء السمك خاصة، و قرر محمد اليوم التوجه إلى سوق كريشتل لوحده،  ليتذكر تلك اللحظات الجميلة التي كان يقضيها في اللعب في النبع، بينما كان والده يتسوق.
كما أن السوق مقصد مهم للقاطنين خارج كريشتل، خاصة بمدينة وهران،  الباحثين عن الراحة و الراغبين في العودة إلى أحضان الطبيعة التي يهربون إليها بحجة التسوق بفضاء العنصر، الذي يرتبط عند سكان كريشتل أيضا بحكاية «الحوتة السرباحة» التي تشبه الأفعى، وتعمل على تنظيف المنبع بطريقة طبيعية،  لتصبح مياهه عذبة وصالحة للشرب.
وبين الحقيقة والأسطورة ، تظل القصة تروى لكل زائر أجنبي، يستفسر سكان المنطقة عن خباياها، و يحاولون إقناعه بالحكاية، و كلهم أمل أن تخرج كريشتل من عزلتها، و يصبح «نبع العنصر و الحوتة السرباحة»، مقصدا سياحيا بطريقة عصرية ، عوض اتخاذه مسارا تقليديا للتسوق فقط.
 ولعل هذه الأمنية بدأت تتحقق بفضل المشاريع الجديدة التي تنجز حاليا بكريشتل، منها أكبر مركب سياحي عصري بوهران ينتظر أن يدخل الخدمة قريبا، ومشروع توسعة الطريق الوحيد المؤدي إلى المنطقة، في انتظار برامج تنموية أخرى، بشرط ألا يفقد سوق كريشتل طبيعته و خصائصه التاريخية الأصيلة.  
خيرة بن ودان

الرجوع إلى الأعلى