أكد وزير المجاهدين وذوي الحقوق العيد ربيقة أن الجزائر قد أيّدت ، ولا تزال، كل المساعي النبيلة للمطالبة بالعدالة بخصوص الجرائم الاستعمارية، والدفع بكلّ قوّة من أجل إنهاء سياسة الإنكار والإفلات من العقاب وتحميل الجناة المسؤولية الكاملة عن آثار الاستعمار والاستعباد ونهب الثروات وسلب الخيرات والمساس بالهويات وتشويه الثقافات.
وفي كلمة ألقاها خلال افتتاح أشغال ملتقى دولي بعنوان «جرائم الاستعمار في التاريخ الإنساني ... من جراح الذاكرة الجماعية إلى استحقاق العدالة التاريخية»، أبرز السيد ربيقة أن ما تعرّضت له الجزائر وكثير من شعوب المعمورة من جرائم استعمارية بشعة، لا يسقط بالتقادم وفق كل المبادئ والمواثيق الدولية، ولا يمكن طيه بالتناسي، بل تتم معالجته بالاعتراف بهذه الجرائم.. فلا عدالة إنسانية بدون اعتراف، ولا مستقبل كريم بدون إنصاف.
وأبرز وزير المجاهدين وذوي الحقوق بالمناسبة بأن استعادة الذاكرة التي توليها الجزائر اليوم بقيادة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، أهمية خاصة باعتبارها منبعا للقيم والمبادئ ومدخلا أساسيا للعدالة.. تعدّ رسالةً للسلام المستند إلى الحقيقة والاعتراف والمسؤولية عن طريق مساءلة الإرادة بشأن مدى التزامها بالمبادئ الأممية المتعلقة بحق الشعوب في الإنصاف وجبر الضرر، وذلك انطلاقا - - كما قال - من مواثيق الأمم المتحدة، الّتي تنص على مسؤولية الدول عن انتهاكات حقوق الإنسان، وحق الشعوب في عدم طمس ذاكرتها الجماعية.
كما أكد السيد ربيقة بأن الجزائر كقطعة أصيلة من نسيج هذا العالم، فهي بقيادتها المتبصرة وشعبها الأبي، وفيةً للأمن والسلام، ومجندة في نصرة قضايا التحرر والانعتاق، مبرزا بأنها بقدر ما مثّلت الثورة الجزائرية مصدر إلهامٍ للشعوب المضطهدة، بقدر ما كان دورها مشرفا أيضا في دعم ثورتنا. وسجل وزير المجاهدين بأن الجزائر لم تتوان يوما في وفائها لدعم القضايا العادلة، وتطلعات الشعوب المشروعة على غرار قضيتي الشعبين الصحراوي والفلسطيني الشقيقين، وهنا نستحضر بحزن وأسى كبيرين –يؤكد الوزير- ما يعانيه بنات وأبناء فلسطين اليوم في غزة المكلومة التي أصبحت مقبرةً للمبادئ القانونية الأساسية التي يقوم عليها النظام الدولي، والتي كان يُفترض أن تظل مرجعاً يحتكم إليه الجميع دون تمييز أو تفضيل أو إقصاء. وأضاف السيد ربيقة بأنه ‘’ في ظل هذا الوعي المتجدّد، تبرز الصحوة المتصاعدة لشعوب كانت بالأمس ضحية للاستعمار، لتجدّد اليوم مطالبتها بمسار جديد، لا يُنهي الماضي فقط، بل يُعيد كتابته من منظور الضحية، ويؤسس لعدالة تاريخية تنهي الاستعلاء، وتعزّز بناء مستقبل مشترك قائم على الكرامة والاحترام المتبادل».
وأثناء تطرقه للحديث عن هذا الحدث أكد الوزير إنّ هذا الملتقى الدولي الذي بادرت به وزارة المجاهدين وذوي الحقوق بمناسبة احتفال الجزائر بالذكرى الثالثة والستين لعيد الاستقلال، ليس مجرد وقفة علمية أو قانونية أو تقييمية مع الماضي وفقط، بل هو التزام أخلاقي وواجب تاريخي تجاه الحاضر والمستقبل وهو صرخة وعي ضد النسيان، وجسر نحو عدالة مؤجلة آن أوانها.
دعوات إلى الاستلهام من الثورة الجزائرية ضد الاستعمار والهيمنة
من جهتهم دعا المشاركون في الجلسات العلمية للملتقى التي تم تنظيمها في أعقاب إلقاء وزير المجاهدين لكلمته الافتتاحية، إلى الاستلهام من الثورة الجزائرية للتحرر من قيود الاستعمار والهيمنة.وفي هذا الصدد أبرز المؤرخ والنائب في الجمعية الوطنية لنيكاراغوا، « أودسون ديرينقس جون إيديسون»، أهمية السير على منهاج الجزائر وجميع الشعوب التي كسرت قيود الاستعمار والهيمنة، مؤكدا أن قيم الوحدة والتعاون بين دول الجنوب أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى.
وأشار المتدخل إلى أن انتصار الثورة الجزائرية كان تأكيدا على أن الكرامة وتقرير المصير أمرين غير قابلين للتفاوض وأن إرادة الشعب الحر لا تقهر، لافتا إلى أن عملية إنهاء الاستعمار كانت مدفوعة بشجاعة شعوب مثل الشعب الجزائري، معربا عن دعم بلاده لحق الشعبين الفلسطيني والصحراوي في الاستقلال والنضال ضد الاستعمار.
أما مدير المركز النيجيري للبحوث العربية ورئيس الاتحاد الإفريقي للأكاديميين العرب والمستعربين، الخضر عبد الباقي محمد، فقد أبرز دور الإعلام في تعزيز الوعي المجتمعي ضد جرائم الاستعمار باعتباره «قوة مؤثرة في تشكيل الوعي والرأي العام وصنع السياسات وفضح أنواع الجرائم والانتهاكات الممارسة في حق الشعوب».
أما الأستاذ المحاضر بجامعة المدية، حكيم بوغرارة، فتطرق إلى دور الإعلام في التعريف بجرائم التفجيرات النووية الفرنسية في الجزائر، مشيرا إلى أن الإعلام أصبح، في ظل الثورات التكنولوجية والرقمية المتسارعة، سلاحا مهما لترجيح كفة القضايا والتعريف بها في المنابر الدولية والإقليمية، مع تعبئة الرأي العام الوطني والدولي والضغط على الأنظمة والكيانات المجرمة.
من جهته استعرض الأمين العام للاتحاد العام للعمال الصحراويين، أحمد نفعي، الجرائم التي تعرض لها الشعب الصحراوي، ولا يزال، عبر مختلف الحقب الاستعمارية، مشددا على أن الأمم المتحدة مطالبة بتسريع تصفية الاستعمار، من خلال تنظيم استفتاء تقرير المصير.
أما المحامية ورئيسة الشبكة الجزائرية لمناهضة التاريخ الاستعماري، فاطمة الزهراء بن براهم، فأكدت أن جرائم الاستعمار ضد الإنسانية تعد من الجرائم التي يعترف بها القانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي، كما يؤكد على عدم تقادم هذه الجرائم وضرورة محاسبة مرتكبيها عبر المحاكم الوطنية والدولية.
وقدم الخبير في القضايا الأمنية والاستراتيجية، أحمد ميزاب، مقاربة حول العلاقة بين الذاكرة التاريخية والسياسات الخارجية من خلال دراسة حالة الجزائر، باعتبارها من الدول القليلة التي نجحت في تحويل ذاكرتها الاستعمارية من مجرد أرشيف تاريخي إلى أداة نشطة لتحقيق العدالة التاريخية، مشيرا إلى دعم بلادنا لقضايا التحرر و الانعتاق عبر العالم، انطلاقا من ذاكرتها الوطنية، ما جعل منها «وسيطا مستقلا وفاعلا، ينشط على أساس أخلاقي لا مصلحي.
عبد الحكيم أسابع