دعا عميد جامع الجزائر، الشيخ محمد مأمون القاسمي الحسني، إلى تأسيس عهد لغوي عربي جديد يعيد للغة العربية اعتبارها في وسائل الإعلام، ويصونها من الانزلاق في زمن "التبهيت والتقليد"، مؤكّدا أن العربية ليست مجرد وسيلة تواصل، بل هي "حاضنة هوية، وحاملة رسالة، وجسر حضاري يربط الماضي بالمستقبل".
و في كلمة ألقاها خلال مراسم افتتاح الملتقى العربي الأول للضاد في وسائل الإعلام، بالجزائر العاصمة، أكد القاسمي أن اللغة العربية التي نزل بها الوحي، وتحدث بها النبي العربي صلى الله عليه وسلم، "ليست زينة في المنابر ولا ترفا لفظيا في الإعلام، بل أمانة حضارية وثقافية تحمل معاني الوجود والمفاهيم والقيم. وأضاف أن الضاد "ليست ملكا لغويا بحتا، بل هي حارسة للهوية، ومعبّرة عن السيادة الثقافية التي لا تقل أهمية عن السيادة الترابية".
وفي سياق حديثه عن الإعلام، عبّر عميد جامع الجزائر عن أسفه لما آلت إليه بعض المنصات من تراجع لغوي، مؤكدا أن واقع الإعلام العربي يعيش "حالة من التوتر التعبيري"، تعكسها العاميات الصاخبة، والمصطلحات الدخيلة، والتعابير المبتورة، التي تُضعف الأثر وتقطع الصلة بين المتلقي وموروثه البلاغي. وقال إن "اللغة التي نزل بها الوحي لا يليق أن تُساء معالجتها في قنوات ومنصات لا تعرف من الفصاحة إلا الإيقاع".
وفي إشارة إلى تجربة جامع الجزائر، أوضح القاسمي أن اعتماد الفصحى في الخطب والدروس لم يكن قرارا تنظيميا فحسب، بل خيارا قيميا يعكس رؤية المؤسسة الدينية في ترسيخ العربية كلغة للعلم والبيان، وليس للتكلف أو التجميل. وأضاف أن الخطاب الذي يُبنى على "لغة واضحة، متينة، ناهضة في التلقي، قريبة من النفس"، هو الكفيل باستعادة حضور العربية في الفضاء العام، وخاصة في الإعلام.
وحثّ عميد جامع الجزائر، وسائل الإعلام على أن تضطلع بدورها الحضاري في رفع الذوق التعبيري لدى الجمهور، وإحداث توازن بين الجاذبية الإعلامية والمشروعية اللغوية، مشددا على أن "المطلوب من الإعلام ليس التكلّف في البلاغة، بل بناء ذائقة لغوية راقية، تليق بعصر السرعة وتحترم المتلقي، وتعيد إلى المفردة قيمتها التربوية والتعبيرية في آن واحد".
كما ثمّن القاسمي دعوة وزير الاتصال إلى إصدار ميثاق عربي لترقية اللغة العربية في وسائل الإعلام، معتبرا إياها ضرورة آنية ومطلبا وطنيا يتطلب التزامات واضحة، وممارسات تحريرية مدروسة، تأخذ بعين الاعتبار التحولات الرقمية والتحديات السيادية، وتربط بين الكلمة والمنبر والمنصة بوصفها عقدًا رمزيًا يحفظ اللغة من الانزلاق.
وتوقف القاسمي عند أهمية الفضاء الإفريقي في الرؤية اللغوية الجزائرية، مشيرا إلى أن جامع الجزائر يعمل على تقديم العربية "في حلقة معرفية مطمئنة، لا استعلاء فيها ولا تشويش"، معتبرا أن الشعوب الإفريقية تتطلّع إلى من يعيد ربط العربية بمصدرها الأول، وأن الجزائر، بتاريخها وموقعها، قادرة على تأهيل خطاب عربي رصين يخاطب العقل والروح معا ضمن منظور سيادي راسخ، وروح علمية رشيدة. وقال "تمهيدا لهذا الدور، يخطّط جامع الجزائر لمشاريع التكوين، وبرامج للإقراء، وجسور للتعاون".
ع.أسابع
