تكتسي زيارة المستشار الرفيع للرئيس الأمريكي لإفريقيا والشؤون العربية والشرق الأوسط، إلى الجزائر أهمية كبيرة، خاصة وأنها تأتي في سياق الحركية الإيجابية التي تعرفها الشراكة الثنائية بين البلدين في عدد من المجالات الحيوية، وإشادته بالحوار الاستراتيجي القائم بين الجزائر والولايات المتحدة، وهو ما يفتح المجال أمام تعزيز علاقات التعاون في عديد المجالات، بالنظر إلى الدور الذي تلعبه الجزائر كعامل استقرار في المنطقة وهو الدور الذي يلقى إشادة كبيرة من قبل كبار الساسة في البيت الأبيض.
تعكس زيارة كبير مستشاري الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشؤون العربية والشرق الأوسط وإفريقيا مسعد بولس، إلى الجزائر الإرادة المشتركة لدى البلدين لتعزيز علاقتهما الاستراتيجية وتطوير تعاونهما في مختلف المجالات. كما تُبرز الدور المتصاعد الذي تلعبه الجزائر كشريك موثوق وفاعل في القضايا الإقليمية والدولية على الساحة الإفريقية.
وقد أشاد كبير مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بالحوار الاستراتيجي بين واشنطن والجزائر. وذلك خلال الاجتماع الذي عقده مع وزير الخارجية والجالية، أحمد عطاف، حيث أشاد بولس "بالحركية الإيجابية التي تعرفها الشراكة الثنائية في عدد من المجالات الحيوية ذات الطابع الأولوي بالنسبة للطرفين، على غرار الدفاع، والطاقة، والفلاحة، والتعليم العالي والبحث العلمي". وكشفت سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية في الجزائر، إليزابيث مور أوبين، في منشور لها على منصة “إكس”، أن بولس، وهو أحد كبار مستشاري إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سيُجري في الجزائر “مناقشات إستراتيجية تهدف إلى تعزيز الأولويات المشتركة بين البلدين”، وأرفقت السفيرة تغريدتها بصورة تجمعها مع المستشار.
وقد برزت مؤشرات قوية، منذ تولي الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترمب، على توجه استراتيجي نحو تعميق العلاقات بين الجزائر والولايات المتحدة، سواء الدبلوماسية والسياسية، إضافة إلى العلاقات العسكرية دون إغفال الاقتصادية، وذلك من خلال التوقيع على اتفاقية للتعاون العسكري، بالتزامن مع اعلان كبرى الشركات النفطية الأمريكية على غرار شيفرون واكسون موبيل دخولها السوق الجزائرية في مجال الاستكشاف النفطي. ولم تخف الإدارة الأمريكية رغبتها في تعزيز العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية مع الجزائر التي تصنفها الدوائر النافذة في واشنطن على أنها "عامل استقرار هام في شمال إفريقيا والساحل"، وهو ما يبرزه الحوار الاستراتيجي القائم بين البلدين والذي يعكس التوجه نحو تعزيز العلاقات بين البلدين، وذلك عكس ما راهنت عليه العديد من الدوائر الفرنسية والمغربية التي كانت تتمنى "انفجار" نزاع سياسي ودبلومسي بين الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية بسبب بعض الملفات وهو ما لم يحدث إطلاقا، بل على العكس من ذلك برز توجه قوي نحو تعزيز العلاقات وتمتينها.
“أفريكوم” تدعم التقارب العسكري
ولم تنتظر واشنطن كثيراً حتى راحت تعقد أول تفاهماتها مع الجزائر، عبر إبرام اتفاقية تعاون عسكري في جانفي الماضي، وهو ما يُستشفّ منه تعويل واشنطن على الجزائر في منطقة شمال أفريقيا والساحل الأفريقي، بحسب التحليلات، يضاف إلى ذلك التواصل المستمر لوزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، مع وزير خارجية الجزائر أحمد عطاف. كما برز الدور المحوري للجزائر في استقرار شمال إفريقيا خلال جلسة استماع أمام الكونغرس لقائد عمليات “أفريكوم” ومرشح الرئيس دونالد ترامب لقيادتها، والذي وجه دعوة مباشرة للإدارة الأمريكية من أجل تعزيز علاقاتها مع الجزائر، وأكد الفريق أندرسون أن الجزائر “تلعب دورا أساسيًا في استقرار المنطقة”، مشيدا بقوة جيشها الوطني ومساهمتها الفعالة في مكافحة الإرهاب والتطرف. وأضاف أن “الشراكة مع الجزائر ضرورية للحفاظ على الأمن الإقليمي ولمواجهة التحديات المتزايدة في الساحل وليبيا”.
وشدد المتحدث على ضرورة سعي الولايات المتحدة إلى تقديم عروض تسليح وتكثيف التدريبات والمناورات العسكرية المشتركة، فضلًا عن توسيع التعاون الاستخباراتي، خصوصا في الملفات الأمنية الحساسة في الساحل وليبيا. كما أشار الفريق الأمريكي إلى أن واشنطن تعول أيضا على خلق استثمارات اقتصادية استراتيجية في الجزائر، وتحويل الجزائر إلى شريك فاعل ضمن المنظومة الغربية، بدلا من أن تكون منطقة نفوذ شرقي دائم على الضفة الجنوبية للمتوسط.
وتعكس هذه التصريحات إدراكا أمريكيا متزايدا للأهمية الجيوسياسية التي تكتسيها الجزائر في المعادلات الأمنية والاقتصادية بالمنطقة، في ظل تنافس دولي متصاعد على النفوذ في إفريقيا.
شركات نفطية كبرى تستثمر في الجزائر
كما برز توجه لدى كبرى الشركات النفطية الأمريكية بدخول قطاع المحروقات في الجزائر، على غرار اكسون موبيل وشيفرون، اللتان أبديتا اهتماما كبيرا في إطلاق مشاريع هامة لتطوير المحروقات من جهة وبرامج لتحسين مستويات الاسترجاع النفطي في الحقول التي هي قيد الاستغلال والعمل على إعادة تشكيل الاحتياطي الوطني من المحروقات.
وقد شهدت العلاقات بين البلدين في مجال الطاقة تطورا محسوسا في الفترة الأخيرة خاصة حول التعاون في تطوير مكامن المحروقات وكذا ما يتعلق بتطبيق تقنيات الاستخراج المعزز للنفط، بغرض تعظيم الإنتاج وتعزيز عوامل الاسترجاع النهائي. كما وقعت شركة سوناطراك مذكرتي تفاهم مع شركة “أوكسيدنتال بتروليوم كوربوريشن” الأمريكية، على هامش المنتدى الجزائري الأمريكي للطاقة 2025، بهدف تعزيز وتوسيع تعاونهما في مجال استكشاف وإنتاج المحروقات في الجزائر.
وكان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، قد أصدر مؤخرا، تقريرا استراتيجيا تحت عنوان "المشاركة الاستراتيجية الأمريكية مع الجزائر: مسار وسط التحولات العالمية المتغيرة" في جويلية 2025، بقلم سابينا هينبرغ، يسلط الضوء على الأهمية المتزايدة للجزائر في الحسابات الجيوسياسية الأمريكية. يأتي هذا التقرير في وقت تشهد العلاقات الأمريكية-الجزائرية تطورا ملحوظا، خاصة في مجالات الأمن والطاقة.
وحدد التقرير ثلاثة أسباب رئيسية تجعل من الجزائر شريكا استراتيجيا للولايات المتحدة، أولها الاستثمار الأمريكي المتنامي: حيث بدأت واشنطن في تعميق العلاقات الثنائية، بينما أظهرت الجزائر استعدادا مماثلا لتحسين العلاقات، ثانيها التواجد الاقتصادي الصيني، حيث تسعى الجزائر، كغيرها من الدول، لاستغلال الفرص الاقتصادية التي يوفرها التوسع الصيني العالمي، وثالثا الشريك الأمني الرئيسي، ففي ظل عدم الاستقرار الإقليمي المتزايد يمكن أن تصبح الجزائر، وفق الرؤية الأمريكية التي أبرزها التقرير، شريكا أمنيا محوريا للولايات المتحدة.
وأكد التقرير على الدور المحوري للجزائر إقليميا في مجال مكافحة الإرهاب، مشيرا إلى أن" الجزائر تطمح أيضا إلى أن تكون رائدة إقليمية من حيث التعاون في مكافحة الإرهاب. وقدمت الجزائر معدات وتدريبا مهمّين لأعضاء الساحل الآخرين. كما لعبت الجزائر دورا رئيسيا في برامج الاتحاد الإفريقي للأمن ومكافحة الإرهاب، ولا تزال تستضيف المركز الإفريقي للاتحاد لدراسة وبحث الإرهاب.
ع سمير