ترتسم في قلب سلسلة جبال جيجل الساحرة، لوحة طبيعية يشكلها العناق الجميل بين غابة الزان وواد أزاون، ببلدية وجانة التابعة لدائرة الطاهير. يشكل الفضاء الجبلي وجهة فريدة للسياحة البيئية في الجزائر، حيث تتجاوز سمعة المنطقة الساحرة حدود الولاية، و يقصدها زوار من كل ربوع الوطن، منهم مصطافون يقضون عطلهم في جيجل، و رياضيون، و مغامرون أيضا، تستهويهم الطبيعة العذراء ويجذبهم الهدوء الذي لا تقطعه سوى سيمفونية خرير الوادي وحفيف الأشجار.
سياحة بيئية و كثير من المتعة
تعرف بلدية وجانة في الفترة الأخيرة نشاطا كبيرا عبر مختلف ربوعها الممتدة بين ضفاف الوديان و سفوح الجبال المحيطة بها، حيث يقصدها زوار من عدة بلديات بالولاية و من خارجها، يبحث الكل عن الراحة و الهدوء و الاستمتاع مع فضول الاستكشاف.
وقد لقيت المنطقة رواجا عبر وسائل الإعلام و مواقع التواصل الاجتماعي، بحيث أضحت غابة الزان و منطقة الأربعاء، مشهورة ومن بين الوجهات السياحية التي تظهر كثيرا في فيديوهات مدوني السفر و الصفحات التي تعنى بالرحلات، و التخييم، و المغامرة، و التجوال السياحي.
وقد تشكلت هذه الصورة الإيجابية عن المنطقة المثالية للسياحة البيئية، بفضل عديد الأنشطة التي احتضنتها غابات الزان على مر السنوات الأخيرة، وهو ما خدم سمعتها كمنطقة جذب سياحي. ناهيك عن أهمية واد أزاون، الواقع بين بلديتي وجانة و الأمير عبر القادر، وهو مجرى مائي يعتبر من بين الأجمل في المدينة حيث يستقطب عشاق السباحة في المياه العذبة من شباب وعائلات طوال الصائفة.
ومع وجود غابة الزان وواد أزاون يمكن القول بأن البلدية اكتسبت مسارا سياحيا جديدا، يمكن للزائر أن يقضي وقته ويستمتع طوال اليوم، مع إمكانية تمديد قضاء العطلة لعدة أيام.
غابة الزان مملكة الضباب و أشجار المعمرة
تقع غابة الزان في منطقة «الأربعاء» بأعالي وجانة، على ارتفاع يزيد عن 1200 متر، وتُعد من أعلى النقاط في ولاية جيجل. تتميز هذه الغابة النادرة باحتضانها لأشجار الزان، التي تشتهر بجذوعها العريضة وظلالها الكثيفة، مشكلةً مشهدًا استثنائيًا نادر الوجود.
يتغلغل الضباب بين أغصان الشجر في صباحات الصيف الباردة في الغابة، فيصنع مشهدا سرياليا يثير دهشة الزوار، وعن سحر هذه اللوحة الطبيعية علق شاب من سكيكدة قائلا :» شعرت وكأنني في أوروبا! الهواء نقي، والرطوبة لطيفة على الجلد تُنعش الروح...، إنه مكان مثالي للهروب من ضغط المدينة و قضاء وقت من الراحة و الاستماع إلى زقزقة العصافير، لقد أحسنت الاختيار بقدومي إلى بلدية وجانة و تحديدا غابة الزان «.
وتستخدم الغابة اليوم كنقطة انطلاق لعشاق المغامرات الجبلية والمشي وسط الطبيعة، والمشاركة في تظاهرات الرياضية، حيث يلتقي الشباب والعائلات في المكان في جوّ تسوده الألفة والهدوء، لممارسة الرياضة، والاستجمام، والمشي والهرولة، لأنه مناسب جدا لهذا النوع من الأنشطة.
حين تدخل الغابة، تستقبلك أشجار الزّان الشاهقة بأغصانها المتشابكة، التي ترسم ظلالًا باردة على الأرض وتمنحك شعورًا عميقًا بالسكينة والعزلة.
وحسب مغترب قابلناه رفقة عائلته في المنطقة، فإن الغابة ليست فقط مكانًا للمشي أو التسلية، بل فضاء للتأمل والهرب من صخب المدن، ولإعادة الوصل مع الذات والطبيعة كذلك، مضيفا :»هنا يتنفس الزائر الهواء النقي المشبع برائحة الأرض الرطبة، ويُدهَش بمدى التناغم بين السماء والأرض، وبين صمت الأشجار وهمسات الرياح، إنها نعم لا تُرصد فقط بالعيون، بل تُدرك بالقلب».
وقفنا أثناء جولتنا في الغابة على حركية ملحوظة للعائلات لاسيما بعد الساعة السادسة مساء، إذ أن العديد من زوار المنطقة يفضلون القدوم إليها في ساعات متأخرة قصد الاستمتاع برؤية محيط البلدية وساعة غروب الشمس.
واد أزاون شريان الحياة المتدفق
على بعد ما يقارب 12 كلم من الغابة، يمتد واد أزاون كخيطٍ مائيٍّ يتلوى بين الصخور والأحراش، ينحدر بهدوء من قمم الجبال ليغذّي السهول، مياهه الباردة والصافية المتدفقة طوال السنة جعلت منه ملاذًا للزوّار الباحثين عن النقاهة والسكينة.
ذكر أحد الزائرين من ولاية باتنة، بأن واد أزاون يستحق الاكتشاف و الزيارة، بسبب روعة المكان و كذا المياه البادرة المنعشة و الصافية التي تميزه، و هو واد يمكن السباحة فيه إلى جانب قضاء ساعات من الراحة و الاستمتاع على ضفافه.
ويستخدم البعض من الشبان والمغامرين الوادي كممر طبيعي ضمن رحلات استكشافية تمتد من أعالي الغابة نحو قرى أخرى، مستمتعين بالهدوء والمشهد الأخضر الذي لا يُمل، فيما تفضل عائلات مقيمة في البلديات المجاورة القدوم إلى الوادي بعد صلاة العصر لقضاء الأمسية ثم العودة ليلا إلى مساكنها.
ويحظى الزائر للمكان بفقاعة من الأكسجين المنعش كلما اقتراب غروب الشمس وأصبح النسيم أرق، وعلى امتداد الوادي يمكن أن تشاهد العائلات التي أخذت زاوية للاستراحة و تركت أبناءها يستمتعون بالسباحة في المياه الصافية، التي تستقطب اهتمام الباحثين عن التغيير و من يعشقون المزاوجة بين تجربة الشاطئ والوادي، وهو ما يضاعف الإقبال عليه تحديدا لقرب الموقع من المدينة.
وذكر أحد شباب المنطقة، بأنها في السنوات الأخيرة أصبحت قاطبة للحركة السياحية، وأن الوادي تحديدا يعرف إقبالا للعائلات من مختلف الولايات، مع تزايد عدد الرحلات المنظمة التي تختاره وجهة لها أو محطة ضمن مسارها.
مضيفا، أن الحركية تشكل منحنى تصاعديا منذ نهاية شهر جوان إلى غاية انقضاء العطلة الصيفية، وتضحي المنطقة فضاء سياحيا دائم الاستقطاب خصوصا وأن النشاط التجاري حولها يخدم فكرة السياحية عموما.
سياحة واعدة رغم التحديات
يزور وجانة سنويًا مئات المهتمين بالسياحة البيئية بينهم طلاب جامعيون، ومغامرون، وعائلات من شرق البلاد، وجمعيات مهتمة بالبيئة، يأتي بعضهم بدافع الفضول، ويحرك حب الطبيعة البعض الآخر.
وتعبر الغالبية عن الدهشة من جمال المكان، والاستغراب من قلة الاهتمام السياحي الرسمي به، ويُجمع الزوار على أن غابة الزان وواد أزاون «جوهرتان مخفيتان»، ويقترحون وضع لافتات تبرز المسالك المؤمنة لبلوغهما، وتهيئة نقاط استراحة تحافظ على الطابع البيئي للمنطقة دون المساس بجمالية المشهد.
ورغم غنى الطبيعة، تعاني المنطقة من ضعف البنية التحتية وغياب مرافق الإيواء والمرافقة السياحية. وتبقى المبادرات الفردية خاصة من الشباب المحلي حاضرة، وقد بدأت تلفت الأنظار كذلك، حيث تنظم دوريا رحلات جماعية إلى الفضاء الجبلي الغابي، وقد أُنشئت صفحات ترويجية على وسائل التواصل الاجتماعي للتعريف به أكثر، ما أتاح للمزيد من الزوار فرصة اكتشاف سحر وجانة.
ترافق هذه المبادرات مساع من قبل السلطات المحلية، حيث تجتهد مصالح البلدية دائما لإقامة نشاطات وتظاهرات في المكان وحسب رئيس البلدية، فقد عملت مصالحه مع مختلف الفاعلين في المجال السياحي و الرياضي، على إقامة تظاهرات و نشاطات رياضية ذات صدى وطني للتعريف بالبلدية و مقوماتها السياحية مع العمل على دعم شباب المنطقة و الجمعيات المحلية.
وتبقى وجانة رغم النقائص محجا لمحبي الأماكن العذراء، والهدوء الجبلي النقي، والمغامرات الهادئة، حيث تقدم لزوارها تجربة نادرة، تمزج بين السكينة والتأمل، بين أشجار الزان العملاقة ومياه واد أزاون الرقراقة.
كـ. طويل