تعمل وزارة الثقافة والفنون على تحيين ملف تصنيف مسارات القديس أوغسطين ضمن قائمة التراث العالمي، باعتباره أهم الشخصيات الدينية لدى الكنيسة الكاثوليكية، حيث ترعرع في مدينة هيبون بعنابة، ليتحول لشخصية مهمة في العهد الروماني، كان ويزال مصدر إشعاع ديني وروحي لدى المسيحيين عبر العالم.
وحسب ما كشفه الدكتور خليل عزوني مدير متحف وموقع هيبون بعنابة، أول أمس، لدى تنشيطه مداخلة بالمسرح الجهوي عز الدين مجوبي، فقد وضعت وزارة الثقافة والفنون لدى منظمة اليونسكو سنة 2002 قائمة لمسارات القديس أوغستين، منها اثنين طبيعية، مع أربعة ملفات أخرى ، حيث يجري حاليا تحيين الملف.
وقد عرض عزون مسارات القديس أوغستين، و المدن التي زارها، اعتمادا على المصادر التي تكلمت عنه، حيث كانت له رحلات انطلاقا من موقع هيبون زار فيها مدن عدة منها، ميلة، سوق أهراس مسقط رأسه، قالمة، التنس ولاية الشلف، شرشال، الهضاب العليا، باتنة إلى جانب مدن أخرى .
و يبحث الحجاج المسيحيون في كل مرة لدى زيارتهم موقع هيبون، على المسار الكامل للقديس أوغستين بهدف تتبعه، باعتباره ثاني شخصية دينية بعد «بولس الرسول» لدى المسيحيين، حيث تم خلق لحد الآن مسارين سياحيين، بداية من عنابة، مداوروش بسوق أهراس، قالمة، وقسنطينة. وذكر مدير متحف هيبون، بأن القديس أوغستين عرف بحكمته، وحسب ما نقلته الدراسات كان يساهم بحل جميع الخلافات التي كانت تظهر على مستوى الكنيسة الكاثوليكية المسيحية في القرن الرابع ميلادي، حيث عالج عديد القضايا من منصبه كأسقف هيبون.
وحسب ما ذكره الباحثون على غرار الدكتور عمار نوارة، المدير السابق لموقع هيبون بعنابة، والمدير المركزي الحالي بوزارة الثقافة مكلف بالحماية القانونية للممتلكات الثقافية، يُعد القديس أوغستين أهم الشخصيات الدينية، التي ترعرعت في المدينة، وتحولت إلى شخصية مهمة في العهد الروماني، ولد في تاغاست بولاية سوق أهراس، كان ذا عقيدة وثنية، من أم مسيحية و أب وثني كان شغوفا بالعلم، أرسلته والدته للدراسة إلى «مادور» الموجودة حاليا بمنطقة مداوروش في ولاية سوق أهراس، لطلب العلم هناك كونها أول إشعاع علمي في شمال إفريقيا بها مكتبة وجامعة. ولما ترسخ عنده أهمية العلم، رأى بأنه في حاجة إلى الذهاب لمدينة قرطاج في تونس أين تعلم الخطابة، وفيها التقى بأصدقاء ساعدوه في التوجه إلى مدينة روما بايطاليا، مهد الحضارة الرومانية، أين احتك «بالأب» «أمبرواز» وهو من أشهر خطباء أباطرة وملوك روما، يستخدمونه في تمرير رسائل للشعب، تأثر به وفي تلك الفترة اعتنق القديس أوغستين الديانة المانوية، وهو اعتقاد قريب من عبدة الشيطان، ولعدم قناعته بهذا الدين، أصبح لفترة بدون أي اعتقاد، إلى غاية توطد علاقته بالأب « أمبرواز» عن طريقه دخل إلى المسيحية، وفي ظرف 10 سنوات صنع تاريخا مجيدا وسط شعوب الإمبراطورية الرومانية، ليعود إلى إفريقيا وبالتحديد إلى الجزائر سنة 390 م، أين عُين أُسقفا لمدينة هيبون، وعاش قرابة 40 سنة فيها، حتى توفي بعنابة بعد محاصرتها من قبل الوندال، ليتم نقل جثمانه إلى مدينة ميلانو بايطاليا أين يرقد الآن.
و عرض، أول أمس، البروفيسور سليم عنان أستاذ التعليم عالي والمختص في صيانة وترميم الممتلكات الثقافية، باعتباره رئيس مشروع حفرية موقع هيبون الأثري، مداخلة في ذات الجلسة بالمسرح الجهوي، تحدث فيها عن إعادة إحياء حفرية موقع هيبون الأثري، حيث انطلقت بحر الأسبوع حفريات جديدة تحت اشراف عنان ضمن الدراسات العلمية التي باشرها باحثون جزائريون مختصون في الآثار من مختلف جامعات الوطن.
وحسب ذات المختص ، الهدف من الحفريات هو تقديم قراءات جديدة للموقع الأثري ودراسة الطبقات الستراتيغرافية للموقع و رد الاعتبار لعديد المعالم الأثرية، بالإضافة لاستخلاص قراءة أولية انطلاقا من التساؤلات التي يطرحها الباحثون حول تاريخ المدينة التي شهدت أحداثا هامة، بهدف إعادة كتابة التاريخ بأياد جزائرية.
وستسمح الحفريات التي بدأت تظهر نتائجها، بتعزيز وتدعيم المتحف الأثري هيبون بقطع جديدة نادرة، خاصة وأن موقع عنابة دائما ما يصنع الاستثناء باكتشافات فريدة من نوعها .
وأكد مدير متحف هيبون، بأن الاكتشافات في المدينة الأثرية التي تتربع على مساحة 60 هكتارا، لم تتعد 30 بالمائة، منذ الحقبة الاستعمارية، و لا تزال 70 بالمائة من خباياها غير معروفة و تعد مدخرات تاريخية للأجيال القادمة، فيما يجري الآن التوسع في نقاط الاستكشاف والبحث، إذ تتضمن المدينة الأثرية عدة مواقع منها المعلم الديني المسيحي، الذي بُني كنسخة عن الكنسية الحقيقة الموجودة بأسفل موقع هيبون، وقد مست الحفريات والبحوث رقعة تتربع على25 هكتارا فقط من الموقع.
وتعمل وزارة الثقافة،على إعادة بعث الحياة في المدينة الأثرية التي وضع حجر أساسها الملوك النومديون، وتتعلق الأنشطة بتثمين الموقع بغية تصنيفه كتراث عالمي، لما يحظى به من قيمة مهمة للإنسانية جمعاء وتراكم حضاري، حيث كانت المدينة أول محطة إغريقية بعد سرت الليبية، و محطة تجارية فنيقية قبل تأسيس قرطاج بتونس بأربعة قرون، وصارت في العهد الروماني واحدة من أهم المدائن الحضارية في شمال إفريقيا، و واجهة تجارية تصدر منها المنتجات نحو روما، وكذا مقرا لأسقفية القديس أوغستين، والتي أعطتها الصبغة العالمية، و حتى خلال الفتح الإسلامي ترك المسلمون بصمتهم بالمدينة الأثرية هيبون، ببناء أول مسجد في عنابة، على أنقاض كنيسة القديس «إتنيان». وتجدر الإشارة، إلى أن موقع هيبون يواصل استقبال وفود سياحية أجنبية بأعداد هامة أسبوعيا، أين يتلقون شروحات حول ما يزخر به المتحف و الموقع الأثري لهيبون من قطع أثرية، وإبراز خصائص ومميزات المدينة، كما يحضون بتتبع مسار سياحي من ضمنه المدينة القديمة «بلاص دارم»
حسين دريدح