افتتحت مساء أمس، بمتحف سيرتا للآثار والفنون القديمة، قاعة عرض جديدة تحت عنوان «قسنطينة في عصور ما قبل التاريخ»، وذلك في إطار مسعى متحف سيرتا إلى إثراء محتوياته وتوسيع فضاءاته، حيث عرض بالقاعة الجديدة مقتنيات أثرية فريدة تعود إلى العصور ما قبل التاريخ، مكتشفة في كهوف ومواقع أثرية بولاية قسنطينة، على غرار الهياكل العظمية، الأدوات الحجرية، وبقايا الحيوانات المنقرضة، ما يتيح للزوار فرصة نادرة للتعرف على الحياة اليومية للإنسان الأول في المنطقة.
ويمثل افتتاح هذه القاعة خطوة علمية وثقافية هامة لتثمين التراث القديم للمنطقة، وتسليط الضوء على تاريخ قسنطينة الضارب في القدم، وهو ما يعزز من مكانة المتحف كمركز للبحث الأثري والتاريخي، إضافة إلى دوره التربوي والتثقيفي.
وفي تصريح لـ«النصر»، أوضح بن زراري مجيد، المكلف بالإعلام بالمتحف، فإنه واستكمالا لعملية إعادة تهيئة قاعات المتحف العمومي الوطني سيرتا وفق العروض العصرية، والتي باشرتها إدارة المتحف منذ سنة 2017، وبعد فتح قاعتي عصور ما قبل التاريخ والضريح الملكي لصومعة الخروب بتاريخ 14 ماي 2024، ها هي قاعة «قسنطينة في عصور ما قبل التاريخ» ترى النور، وهي قاعة جديدة أُحدثت ضمن قاعات العرض الدائمة للمتحف، تحت إشراف السيدة خليد بوجعطاط، محافظ رئيسي ومديرة المتحف العمومي الوطني سيرتا.
وأضاف المتحدث، أن هذه القاعة ستسلط الضوء على إحدى أهم مراحل تاريخ المدينة العتيقة، بكهوفها الثلاث كهف الدببة، كهف الأروي، وكهف الحمام، ناهيك عن المحطات التي تعود لفترات ما قبل التاريخ في محيط المدينة، مثل موقع المنصورة، جبل الوحش، سيدي مسيد، بونوارة، تيديس وغيرها من المواقع.
وتُعرض ولأول مرة حسبما أوضحه بن زراري، بقايا حيوانات منقرضة كانت تعيش في مدينة قسنطينة، التي كانت عامرة بالغابات الكثيفة والأشجار المثمرة، ويخترقها واد الرمال بمياهه المتدفقة عبر منحدرات الصخور نحو منطقة المنية، وصولا إلى حدائق حامة بوزيان ثم واد بومرزوق.
وأكد المتحدث، أن هذه القاعة تعد فخرا للمدينة، حيث سيستمتع الزائر لمتحف سيرتا بمشاهدة مناظر لفترات ما قبل التاريخ، من خلال صخور المدينة العتيقة قسنطينة.
مشيرا في سياق متصل، إلى أن الاكتشافات والأبحاث الأثرية التي أُجريت بقسنطينة والمناطق المحيطة بها منذ القرن 19، دلت على تعمير بشري مبكر للمنطقة يقارب 1.8 مليون سنة، وذلك راجع إلى ما تتميز به من وفرة في الغطاء النباتي، ومصادر المياه، والتنوع الحيواني الكبير، وهي كلها عوامل جذبت إنسان ما قبل التاريخ، الذي كان في بحث دائم عن مصادر الغذاء.
وأثبت التواجد البشري بحسبه، في المنطقة من خلال الأدوات الحجرية والعظمية، والنقوش الصخرية المكتشفة في عدة مواقع، والتي تعود إلى العصر الحجري الأسفل، العصر الحجري القديم الأوسط، العصر الحجري القديم المتأخر، العصر الحجري الحديث، وفجر التاريخ. وأكد المتحدث، أن التضاريس المتنوعة في المنطقة لعبت دورا هاما في تحديد طبيعة مواقع ما قبل التاريخ، فمنها ما كان في الهواء الطلق مثل المنصورة، أولاد رحمون، جبل الوحش، ومنها ما كان داخل الكهوف الطبيعية أو الملاجئ الصخرية مثل كهف الدببة، كهف الأروي، كهف الحمام، كاف فنطرية، وبونوارة.
وقد عرف حفل الافتتاح حضورا كبيرا من قبل المهتمين بالشأن الأثري، إلى جانب عدد من الباحثين والمختصين في التاريخ، الثقافة، والتراث، الذين عبروا عن إعجابهم بالمحتوى العلمي والتوثيقي للقاعة الجديدة، وما تزخر به من معروضات نادرة وشهادات مادية تؤرخ لأزمنة سحيقة في تاريخ مدينة قسنطينة.
وقد أبدى الزوار انبهارهم الكبير بكل ما تحتويه قاعة قسنطينة في عصور ما قبل التاريخ” من مقتنيات وتحف أثرية، خاصة البقايا الحيوانية المنقرضة والأدوات الحجرية التي تعكس بوضوح نمط حياة الإنسان القديم، فضلا عن التقديم البصري المتميز الذي يدمج بين العرض المتحفي الكلاسيكي والتقنيات الحديثة، من خلال عرضها فوق طاولات زجاجية مضيئة مع إدراج لافتات معها توضح وتفسر كل قطعة معروضة ما أضفى بعدا جماليا وتعليميا يثري تجربة الزائر.
لينة دلول