الأحد 24 أوت 2025 الموافق لـ 29 صفر 1447
Accueil Top Pub

فعاليات الطبعة 14 لمهرجان الراي بوهران: الـراي بيـن الذاكـــرة والحداثـــة وصرخــة الهامــش

أخذ محور «الهامش»، نصيب الأسد خلال الندوة الفكرية الموسومة « الراي بين الذاكرة، الهامش والحداثة»، التي تم تنظيمها في إطار فعاليات الجزء الثاني من الطبعة 14 لمهرجان الراي بوهران، واحتضنها قصر الثقافة زدور إبراهيم بلقاسم، وأجمع أساتذة ومثقفون أثروا الجلسة، على أن الراي «صرخة أصوات غنائية تمردت على واقع فني كان مفروضا في حقبة ما من تاريخ الجزائر».

وحسب المشاركين في اللقاء، والذين قدموا معطيات من شأنها تغذية ذاكرة هذا الطبع الغنائي والمساهمة في تطويره وتحديثه، فإن هذه «الصرخة كانت تحمل شعلة إبداع غير مألوف جسدته أصوات فرضت التميز»، وأنها عبرت أيضا عن «هوامش مجتمعاتية وسياسية مختلفة».
«الهامش» عند البعض قد يكون مركزيا عند الآخرين
وفي هذا الإطار، قال مسير الندوة البروفيسور في علم الاجتماع مهدي سويح، إن مسألة الهامش مهمة فما هو مركزي عند البعض قد يكون هامشيا عند الآخرين، والحديث على المركز والهامش يحيل حسبه، إلى مسألة المقدس والمدنس.
مبرزا من خلال طرحه، أن هناك مجموعة من الكلمات كانت مقبولة في الثمانينيات والتسعينيات لكنها منبوذة اليوم، بل وقد تثير الكثير من الجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
والراي كما قال، ظاهرة اجتماعية شاملة لا يمكن إبعادها عن سياقها الاجتماعي، والسياسي، والتاريخي، مضيفا أن الحديث عن الراي هو كذلك حديث عن التغير الاجتماعي، لأنه مع تطور هذه الأغنية تظهر بعض المؤشرات على أن المجتمع في تغير مستمر، مثلا التحاق العنصر النسوي بمسار الراي، والتعبير بطريقته في نوع من التمرد الذي أصبح لاحقا أمرا عاديا.
الراي .. عندما تبدع الشعوب بدائلها التعبيرية
واعتبر الصحفي والكاتب محمد بن زيان، أن الراي ليس ظاهرة منعزلة وعابرة، بل انبثق من هامش الجغرافيا وهامش اللغة، وقال إن التمزق الذي شعر به من جسدوا الثقافة العالمية مثل كاتب ياسين ومالك حداد، انتقل إلى العمق وأخرج صرخات واندرج فی تعبیرات عن الذات المحاصرة والمكبوتة فصار تمردا، لأن الشعوب عندما لا تجد نفسها مع النماذج الثقافية المنفصلة والغريبة عنها تبدع بدائلها وتبث تعبیراتها.
موضحا، أن الراي انطلق من هامش الهامشية، من أطراف المدن من الوسط الفلاحي والرعوي بالغرب الجزائري الممتد من الشلف، غليزان، سعيدة وسيدي بلعباس، بدأ انزياحيا متلبسا بتضاريس الحكاية وتحد الظروف سهبيا وسهليا وساحليا، ثم تشكل في تعدد الأمكنة، والإيقاعات، والرغبات، وتناقضات تضع الذات في حالة تمرد على ما يحيط بها من البدوي، والوهراني، والغيواني والقناوي، وكذا الروك والريقي والفلامينكو.
وفي هذا المسار وفقه، كانت المنحنيات مندرجة في صلب التحولات السوسيو- سياسية التي عرفتها بلادنا، فبدأ الراي هامشيا يشكل إيقاعه موصولا بـقاموس أو «ريبارتوار» أصحاب الصنعة الفنية، متصلا في سيدي بلعباس ووهران بإيقاعات سنوات الستينيات والسبعينيات التي لم تكن مجرد إيقاعات، ولكن تعبيرات عن تمرد.
وأضاف، أنه الهامش تحرك وصاغ تعبيراته ونسج هويته وامتد بها إلى العالمية، بإيقاعات موسيقية جسدت انزياحا عن التضييق وممارسات أخرى.
والراي حسب بن زيان، كان بيانا للحوارية التثاقفية، قوته في مرونته وفي قدرته على امتصاص المختلف وقوته أيضا في تجدده، فقد كان تحديا لأنساق موسيقية فقدت الروح وغرقت في النمطية، لقد بدأ الراي بآلات «الناي، القصبة، الأكورديون، الكمان، القيتارة، ثم الساكسوفون».
مبرزا، أن الكثير من الكتابات والملفات والأشرطة الوثائقية خصصت للراي، وتعدد الذين تحدثوا عنه وقد أصبح بعض ما تم توثيقه يشكل مادة محورية للباحثين والمهتمين. ولكن بعض ما أنجز تضمن اختزالا للذاكرة في تنميط فلكلوري تماشيا ومقتضيات السوق ومنطق دوائر «الشو بيزنيس».
ووفقا للمتحدث، فإن النتيجة لم تكن فقط تحریف ذاكرة ومخيال بل أيضا اجتثاث روح الراي وغيره من التعبيرات الفنية والثقافية إلى جانب بروز التوصيف السطحي الذي يعزل الظاهرة عن ملابسات نشأتها وما اكتنف سيرورتها منذ مطلع القرن الماضي. مشيرا، إلى أن البعض تجاهلوا الأصل وقلبوا الراي في قوالب محددة ومعدودة واختزلوا فيه الثقافة الوطنية، في حين أنه تعبیر جزئي متفرع يتفاعل مع طبوع أخرى وممتد في مناطق تتداخل مكوناتها الثقافية.
كما لا يمكن استیعاب ما يتصل بالراي دون استيعاب مكونات وأبعاد أخرى منها رصيد الشعر الملحون، وما تسرب من هامش الأندلس، والامتداد الإقليمي والقاري وغيرها.
مضيفا، أن إرهاصات ما عرف لاحقا بالراي، بدأت بجدل المفارقات، والتناقضات، وقمع الإباحي، ونزعة الخلاص الروحي التي كانت تتخذ أحيانا مسحة صوفية مثل ما تجسد في أشعار «مصطفى بن براهيم»، الذي تغنى بالحب والعشق والحنين وأيضا مدح الرسول (ص).
ولم يكن الراي بالنسبة للأخوين رشيد وفتحي نمطيا كما أوضح، بل متعددا في الأمكنة والروح، وبدأ التمرد حتى في المواضيع أخلاقيا وذوقيا.
أما مع المرحوم حسني، فتحول الراي لخطاب القلب والتحاب، وفي سنوات الدم والعنف، ارتفع صوت بإيقاع المداحات خارقا النسق ومدشنا لتغير قد يحيل إلى «الجندر»، كان صوتا ناطقا بإقصاء الإقصاء الجندري.
بينما سعى بلال، في مسلك يحاكي الرحلة التي مثلها في الشعبي دحمان الحراشي، لقد شكلت كلمات من الألم خطاب الراي، إلى جانب حالة عبور من الإحساس بالألم إلى حكمة يجسدها الجرح فالخطاب المضاد هو آلية مقاومة وآلية إنتاج للبقاء بتحرر ومعزل عن خطاب لا ينفذ إلى الصميم.
الراي إبداع لغوي رفع القدسية عن الطابوهات
من جهته، أوضح البروفيسور رابح سبع المختص في علم الاجتماع، أن الذي قرب أغنية الراي من الجمهور العريض هي أنها كانت عبارة عن «صرخة» مجسدة في كلمات ولغة يفهمها الجميع ويتجاوبون معها.
معتبرا، أن الراي جاء بـ «إبداع لغوي ولفظي» رفع غطاء «القدسية» عن بعض الطابوهات المجتمعية، وأن كلمات الراي ليست بذيئة بل هي إبداع لغوي يخرج عن المألوف. مؤكدا أن الراي ظاهرة مجتمعاتية لها مسار وذاكرة، فأول تظاهرة له كانت مهرجانا خاصا سنة 1985، ولكن التأسيس الرسمي لمهرجان الراي كان في أوت 2005.
الراي إبداع عجيب
وأوضح المايسترو قويدر بركان، أن التناول الأكاديمي للراي غالبا ما لا يذكر الكثير من الحقائق، فالراي إبداع عجيب يمكن من خلاله تمرير رسائل عن طريق موسيقى وكلمات ينجزها مبدعون مشيرا، أن عدة أسماء كانت وراء تطويره وإبرازه، وأن هؤلاء لا يزالون على قيد الحياة يختزنون الكثير من الأشياء عن هذا الفن الذي يشهد من حين لآخر وفق بركان، ظهور أشخاص يركبون الموجة ويشوهون الحقائق، داعيا لضرورة التقرب من الذين عايشوا البدايات وساهموا في تطوير وانتشار الراي لحفظ الذاكرة.
مردفا في تدخله خلال الندوة، أن أغنية الراي أوجدت سوقا للأغاني وهو ما لم يكون موجودا من قبل، وأن الراي «صرخة» عبرت عن رغبة جمهور أراد تجاوز الأغاني المضبوطة بقوانين ولجنة قراءة الكلمات، وأراد أن يعبر بكل حرية عوض اضطرار كتاب الكلمات للحصول على رخصة «نص مقبول للغناء». وبالتالي فموجة الراي حسبه، كسرت تلك الحواجز وفي الوقت نفسه وجد الراي إيقاعات الأغنية الوهرانية جاهزة واستطاع العازفون لها نقل موسيقاهم للراي بكل سلاسة.
وذكر قويدر بركان، بتجربته الشخصية حيث كان في أوركيسترا أحمد وهبي، وملحنا للشاب خالد في الوقت نفسه، وشيئا فشيئا تحولت أغنية الراي لسوق تجارية مذرة للأموال داخل الوطن وأيضا خارجه كما عبر.
وأضاف المتحدث، أن المرحوم أحمد وهبي عندما لاحظ استحواذ الراي على الجماهير وهذا ما عكسته الحفلات الغنائية التي كانت تقام حينها، وكان الجمهور غفيرا عكس الوافدين للأغنية الوهرانية، بدأ في التفكير لتجسيد مسار للأغنية الوهرانية من خلال تأسيس مهرجان خاص بها.
مشيرا، إلى أن أحمد وهبي قدم طلبا لوزارة الثقافة التي زكته ووافقت على إقامة مهرجان للأغنية الوهرانية بدأ في 1985 في ساحة الشمس بعين الترك، واستمر إلى غاية طبعة 1988 التي غنى فيها المرحوم حسني في أول ظهور له على الساحة الفنية. ولكن المهرجان توقف بالنظر للظروف التي مرت بها البلاد إلى غاية 2008، حين أعيد بعثه من طرف وزارة الثقافة، ووفق المتحدث فإن الراي استمد الكثير من موسيقى الأغنية الوهرانية وهنا يقع الترابط بين الطبعين الغنائيين.
الراي رافق العائلات في أعراسها وليس «هامشيا»
من جهته قال الصحفي محمد كالي، الذي أصدر مؤخرا كتابا عن الراي، إن الراي لم يكن في الهامش بدليل أن المغنيين كانوا ينشطون سهرات الأعراس العائلية ويشاركون في التجمعات الاحتفالية المختلفة و«الوعدات».
مردفا أن الراي ربما يمكن ذكره في الهامشية مقارنة مع الثقافة الرسمية المعتمدة.
الراي عبّر عن عبقرية وتحولات سوسيو- سياسية وثقافية
أما الصحفي والروائي والكاتب المسرحي بوزيان بن عاشور فعبر عن رفضه لوضع حدود البدايات والترابطات، كأن نعطي حسبه «تاريخا مضبوطا لبدايات الراي، أو توضع تصنيفات لمختلف الطبوع الغنائية، لأن كل طبع يغذي طبع آخر في ترابط مرن بينها».
مضيفا: « أغنية الراي مثلا لم تولد مع المهرجان في 1985، وإنما سمحت الظروف السوسيو- سياسية آنذاك بالانفتاح وبالتالي صعود أغنية الراي في الساحة الفنية مرتكزة على عبقرية إبداع المغنيين من خلال الكلمات والصوت، لأن الآلات الموسيقية والتجهيزات الفنية لا يمكنها خلق ذاك الإبداع الذي ميز الراي وحدها بل رافقتها الكلمات والأصوات».
مبرزا في مداخلته، أن تلك الفترة عرفت ظهور دور تسجيل وتوزيع للأغاني، والعمل على إصدار أشرطة «الكاسيت»، وتواجد المنتجين أعطى دفعا لأغنية الراي و صنع سوقا لهذا الطبع الغنائي داخل وخارج الوطن.
مشيرا أيضا، إلى أن رواج الراي وانتشاره تزايد مع بدايات فتح قاعات الحفلات للأعراس، ليصل إلى الإعلام عن طريق بث أغاني الراي عبر القناة الإذاعية العمومية الثالثة، ثم تناوله من طرف جريدة «الجزائر أحداث»، وهكذا لغاية وصوله للعالمية اليوم، ولم يغفل المتحدث ذكر أساتذة باحثين عملوا كثيرا حول الراي وكل ما يحيط به من تحولات مجتمعية وسياسية وثقافية، ومنهم المرحوم ملياني الحاج، وبوزيان الداودي وكاتب الكلمات والفنان المسرحي صايم الحاج وغيرهم.
بن ودان خيرة

آخر الأخبار

Articles Side Pub-new
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com