تميز ختام المهرجان الدولي للمالوف بقسنطينة، بأجواء طربية صنعتها نجوم أضاءت ليلة الأربعاء إلى الخميس، بالمسرح الجهوي محمد الطاهر الفرقاني الذي احتضن فعاليات الطبعة الثالثة عشرة.
ليلة طربية استثنائية جمعت بين أصوات من الجزائر وتونس، وسط حضور جماهيري غفير وشخصيات فنية، أضفت على السهرة طابعًا احتفاليًا خاصًا، حيث تميزت الليلة الختامية بتكريم اسم بارز في الساحة الفنية الجزائرية، هو الفنان أحمد عوابدية، أحد أعمدة المالوف وصاحب مساهمات هامة في الحفاظ على هذا التراث الأصيل، وقد احتفى به جمهور المالوف وصفق له زملاؤه بحرارة فكان نجم الليلة بلا منازع.
افتتحت السهرة الفنانة التونسية سيرين بن موسى، التي أبهرت الجمهور بأدائها الراقي، مقدمة مجموعة من المقطوعات من المالوف التونسي كما حرصت على المزاوجة بين الطابعين التونسي و القسنطيني، ما جعل العرض مميزًا بروحه المغاربية.
وفي تصريح للنصر، عبرت الفنانة عن سعادتها الكبيرة بتواجدها في مدينة قسنطينة، مؤكدة أن مشاركتها في هذا المهرجان العريق «فخر لها» خصوصًا في ظل ما يمثله من مساحة فنية وثقافية تتيح تبادل التجارب والتواصل بين الفنانين.
وأضافت :«مثّلت المالوف التونسي الليلة، لكن بروح قسنطينية واضحة هناك الكثير من القواسم المشتركة بين المالوف التونسي والقسنطيني، والفروقات تكمن عموما في الموازين والإيقاعات». ووصفت الفنانة الجمهور القسنطيني بـ«الرائع»، مشيرة إلى أن تفاعله الكبير معها منحها طاقة إيجابية وجعلها «سعيدة للغاية».
تواصلت السهرة مع الفنان توفيق تواتي، الذي قدم عرضًا تميز بالأصالة، حيث أدّى مجموعة من الفقرات الغنائية والموسيقية التي تنتمي إلى المدرسة القسنطينية في المالوف، منها النوبة، والزجل، والمحجوز، محافظًا على الخصوصية الفنية لهذا التراث الذي يُعد من أقدم الأشكال الموسيقية في الجزائر. وعبّر تواتي للنصر على هامش الحفل، عن بالغ سعادته بالمشاركة في إحياء الليلة الختامية إلى جانب فنانين كبار، قائلا : «الجمهور كان رائعًا وتفاعل معي بشكل أدهشني، وهذا دليل على أن المالوف لا يزال ينبض بالحياة».
وأكد تواتي، أن الشباب بدأ يندمج تدريجيًا في الجمعيات الموسيقية، وهو ما يعتبره مؤشرًا إيجابيًا للحفاظ على هذا الموروث الثقافي. كما أثنى على جهود القائمين على المهرجان معلقا: «المالوف لا يموت بل يتجدد والمطلوب اليوم هو تسويقه نحو الخارج والتعريف به عالميًا، و نحن نعمل على ذلك سواء كفنانين أو من خلال التعاون مع الهيئات الثقافية المختصة». وأشار في سياق حديثه، إلى أهمية مشروع «سفينة المالوف»، وهو كتاب يعتبره «إضافة حقيقية» لهذا التراث، مؤكدًا أن الجهود متواصلة من أجل تسجيل المالوف ضمن قائمة التراث العالمي غير المادي لدى منظمة اليونسكو.
فلة عبابسة تُلهب المسرح وتختم الحفل مع عدلان فرقاني
مسك الختام كان مع الفنانة الجزائرية فلة عبابسة، التي صعدت إلى الركح وسط تصفيقات الجمهور الذي لم يتوقف عن التفاعل معها منذ اللحظة الأولى.
وقدّمت فلة، باقة من أجمل ما غنت إلى جانب أعمال تنتمي إلى المالوف والمدرسة القسنطينية تحديدا، أدتها بطريقتها الخاصة التي تمزج بين الأصالة والتجديد.
وقد صنع ظهورها إلى جانب الفنان عدلان فرقاني مفاجأة سارة للجمهور، حيث شكلا معًا ثنائيا رائعًا أمتع الحاضرين وأضفى على السهرة طابعًا احتفاليًا مميزًا، جسّد التواصل بين الأجيال الفنية وروح التلاحم التي يتميز بها هذا النوع من المهرجانات.
ولم تخف الفنانة تأثرها بالحفاوة التي استُقبلت بها، وأعربت عن فخرها بالمشاركة في المهرجان، مشيرة إلى أن «المالوف هو جزء من هويتنا الثقافية، ومن واجبنا كفنانين أن نحافظ عليه ونسوّقه للأجيال القادمة».
وعاد القائمون على التظاهرة للتأكيد في ختام الحدث، على أن المهرجان جسر تواصل ثقافي وفني وليس فقط مساحة للعروض، وهو أيضًا فضاء للتبادل الثقافي بين الفنانين من مختلف الدول المغاربية.
وقد عبّر مشاركون عن أهمية استمرار هذا الحدث الفني، لما له من دور في الحفاظ على تراث المالوف وتطويره، خاصة في ظل التحديات التي تواجه الموسيقى التراثية في العصر الرقمي. وبين العروض، التكريمات، واللقاءات، نجح المهرجان حسب محافظه في طبعته الثالثة عشرة، في إثبات مكانته كأحد أبرز المواعيد الثقافية في الجزائر والمغرب العربي، مؤكدًا أن المالوف ورغم قدمه لا يزال قادرًا على جذب الجمهور، وإحياء مشاعر الانتماء الفني والثقافي لدى الأجيال الجديدة.
عبد الغاني بوالودنين