قال المتوج بجائزة إحدى المراتب العشرة الأولى لأحسن صورة في العالم، في مسابقة القمة العالمية لمجتمع المعلومات بجنيف بسويسرا، المصور ياسين إيمادالو في حوار خص به النصر، بأن الصورة الفائزة المعنونة "في قمة الاتصالات" التقطها في ولاية أدرار، خلال مهمة ميدانية لمؤسسة اتصالات الجزائر، لم تكن مجرد إطار بصري، بل كانت شهادة صادقة على الجهد الخفي لعمال يشتغلون بعيدا عن الأضواء، لضمان استمرار خدمة أصبحت شريانا حيويا لحياتنا اليومية، معتبرا تتويجه انتصارا معنويا لكل مصور جزائري يسعى لإيصال رسالة من خلال صورة.
حاوره / رضا حلاس
شرفت الجزائر باعتلائك منصة التتويج في مسابقة القمة العالمية لمجتمع المعلومات، بعد حجز صورة التقطتها بقلب أدرار مكانها بين أفضل 10 صور في العالم، هل كنت تتوقع هذا الفوز؟
ما أدهشني هو أن صورة بسيطة، صادقة، ومن قلب الميدان، استطاعت أن تلامس وجدان لجان تحكيم دولية، وتعكس واقعًا نعيشه يوميا، وهذا يؤكد أن قوة الصورة ليست في جمالها بل في القصة والرسالة التي تحملها، هو ما منح الصورة قوة استثنائية، وجعلها تحجز مكانا بين أفضل 10 صور في العالم، لقد تحدثت الصورة بلغة لا تحتاج إلى ترجمة، وأوصلت ما قد تعجز عنه آلاف الكلمات.
كيف كانت لحظة الإعلان عن فوزك في جنيف؟ و كيف كان شعورك عند رفع الراية الوطنية؟
في مسابقة بهذا الحجم، لم يكن التتويج مجرد فوز شخصي بالنسبة لي، بل هو انتصار معنوي لكل مصور جزائري يسعى لإيصال صوته من خلال الصورة، ولكل عامل بسيط يشتغل بإخلاص خلف الكواليس، كانت لحظة فارقة، تجاوزت حدود العدسة لتلامس الوجدان، وستظل محفورة في ذاكرتي ما حييت، كدليل على أن الصورة الصادقة قادرة على عبور الجدران والوصول إلى القلوب، مهما كانت المسافات.
ما هي الرسالة التي أردت إيصالها من خلال صورة "في قمة الاتصالات"؟
حملت الصورة الفائزة عنوان "في قمة الاتصالات"، التقطتها بعدستي في ولاية أدرار، خلال مهمة ميدانية رافقت فيها أحد زملائي التقنيين بمؤسسة اتصالات الجزائر، والذي كان منهمكا في إجراء صيانة لهوائي على موقع مرتفع، في مشهد شدني بقوة، حيث كان جسده معلقا بين السماء والأرض مؤديا مهامه في صمت واتزان، رغم وعورة المكان وخطورته.
في تلك اللحظة، لم تكن الصورة مجرد إطار بصري، بل كانت شهادة صادقة على الجهد الخفي لعمال يشتغلون بعيدا عن الأضواء، لضمان استمرار خدمة أصبحت شريانا حيويا لحياتنا اليومية، فمن خلال هذه اللقطة، سعيت لتقديم تحية تقدير واعتراف لهؤلاء الجنود الذين يضمنون استقرار شبكات الاتصال، في أقسى الظروف وأبعد النقاط.
مؤسسة اتصالات الجزائر استقبلت تتويجي بفخر واعتزاز
كيف استقبلت مؤسستك "اتصالات الجزائر" هذا التتويج؟
استقبلت مؤسسة اتصالات الجزائر تتويجي بفخر واعتزاز كبيرين، وقد لقيت دعما وتشجيعا مباشرا من الرئيس المدير العام، عادل بن تومي، الذي عبر عن اعتزازه بهذا الإنجاز، واعتبره تتويجا ليس فقط لي كمصور، بل نجاحا جماعيا يحسب للمؤسسة ككل، كما كانت التفاتة معبرة ومشرفة من طرف وزير البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية، سيد علي زروقي، الذي قدم لي تهنئة رسمية شرفتني كثيرا، وزادت من عزيمتي ومسؤوليتي لتمثيل الجزائر أحسن تمثيل في المحافل الدولية.
ماذا عن دعم الأسرة والأصدقاء؟ وهل كان لهم دور في تحقيق هذا الإنجاز؟
نجاحي ما كان ليكتمل لولا دعم العائلة والأصدقاء، كانوا دائما السند الحقيقي في كل خطوة، ثقتهم وتشجيعهم منحوني القوة للاستمرار، فهذا التتويج اليوم ثمرة محبتهم الصادقة.
تتويجك الدولي ما هو إلا دليل على احترافك عالم التصوير الفوتوغرافي، كيف بدأت علاقتك به؟
شغفي بالتصوير، وتخصصي في التصوير المؤسساتي والتوثيق الصحفي، ليس وليد اليوم، بل هو مسار بدأ منذ سنة 2002، حين التحقت بجريدة La Dépêche de Kabylie، التي شكلت أولى خطواتي في عالم الصحافة المصورة، وقد قضيت بها أزيد من عشر سنوات، بين ميادين التغطية ودهاليز الأحداث، إلى غاية سنة 2013، ومنذ التحاقي باتصالات الجزائر، واصلت رحلتي مع العدسة، لكن من زاوية مختلفة، أكثر عمقا وارتباطا بصورة المؤسسة، التي لا أزال أزاول مهامي ضمن فريقها، حيث أعمل على إبراز هويتها البصرية والمهنية من خلال تغطية مختلف فعالياتها، إنجازاتها ومشاريعها بأسلوب احترافي يعكس روح المؤسسة وتطورها.
كيف توفق بين مهامك كمستخدم في اتصالات الجزائر وشغفك بالتصوير الفوتوغرافي ؟
أعمل كمصور فوتوغرافي ضمن الفريق الإعلامي لمؤسسة اتصالات الجزائر، حيث أضطلع بمهمة تغطية النشاطات والفعاليات الرسمية للمؤسسة، إلى جانب التصوير المؤسساتي الداخلي والخارجي، بما يتماشى مع المعايير المهنية والهوية البصرية المعتمدة.
أعتبر عملي أكثر من مجرد توثيق لحظات، لأنه مساهمة فعلية في صياغة الصورة البصرية للمؤسسة، سواء من خلال التقارير المصورة أو المحتوى المعد للتواصل الداخلي والخارجي، مع الحرص الدائم على احترام الرسالة الإعلامية وقيم المؤسسة.
ما هي أنواع الكاميرا التي تستعملها في التصوير ؟
أعتمد في عملي على معدات احترافية مثل كاميرتي « Canon 5D Mark IV » وNikon D850 »« ، لما توفرهما من دقة عالية وقدرة متميزة على التكيف مع ظروف الإضاءة المختلفة، ما يجعلهما مثاليتان للتصوير الصحفي والمؤسساتي على حد سواء، ورغم بساطتها، لا أستبعد أحيانا استخدام كاميرا الهاتف الذكي، خاصة وأن بعض الطرازات الحديثة باتت تتيح جودة صور جد محترمة، وتوفر مرونة كبيرة في الميدان.
الشغف والتجربة صـقلا مهاراتي التصويرية
هل تلقيت تكوينا أكاديميا في مجال التصوير؟
لم أتلق تكوينا أكاديميا رسميا في مجال التصوير، بل كان تعلمي نتيجة شغف عميق وتجربة ميدانية طويلة، مررت خلالها بمختلف الظروف المهنية والتحديات التقنية، وهو ما منحني فهما عمليا وواقعيا لخصوصيات التصوير الصحفي والمؤسساتي، بعيدا عن القوالب النظرية الجاهزة، هذه التجربة الذاتية مكنتني من تطوير أسلوبي الخاص، القائم على الحس البصري والدقة في التقاط التفاصيل التي تصنع الفرق.
الحس البـصري شرط لاقتـناص الصور ذات الدلالة
التصوير الميداني، خصوصا في بيئات العمل التقنية، يفرض تحديات عديدة. ما أبرز الصعوبات التي تواجهك أثناء التقاط مثل هذه الصور؟
بكل صراحة، قد لا تكون اللقطات دائما صعبة من الناحية التقنية، لكن في بيئة عمل مثل عالم الاتصالات، تكون اللحظات الحاسمة غالبا سريعة وعابرة، يصعب تكرارها، وهذا ما يتطلب من المصور أن يكون دائم الاستعداد، حاضر الذهن، وسريع البديهة، لاقتناص تلك الثواني التي تختزل المعنى وتحمل القيمة، في مثل هذه الظروف، لا يكفي أن تكون الكاميرا جاهزة، بل يجب أن يكون الحس البصري حاضرا في كل لحظة.
أذكر لنا موقفا صادفك خلال أداء مهامك التصويرية ؟
في إحدى التغطيات الميدانية التي رافقت فيها فريق الصيانة التابع لمؤسسة اتصالات الجزائر، اقترب مني أحد المواطنين وهو في حالة من الغضب، ظنا منه أننا وراء انقطاع خدمة الإنترنت في منطقته، حاولت تهدئته وأوضحت له أن الفريق موجود في المكان لإصلاح العطب، وليس التسبب فيه، وبعد أن استوعب الموقف، تغير تماما، وابتسم معتذرا، بل وطلب مني أن أرسل له بعض الصور التي التقطتها أثناء التدخل، كانت لحظة بسيطة، لكنها جسدت لي كيف يمكن للتواصل المباشر، والوضوح، أن يبددا التوتر ويخلقا تقاربا إنسانيا حقيقيا حتى في المواقف غير المتوقعة.
هل هناك مصورين تعتبرهم قدوة لك؟
في الجزائر، لدينا عدد كبير من المصورين الموهوبين، وكل واحد يتميز بأسلوبه الخاص ورؤيته الفنية، هناك من يختار توثيق الحياة اليومية في الأحياء والقرى، لينقل الواقع كما هو، ببساطته وعمقه، وهناك من يفضل التعبير بأسلوب فني عصري، يمنح الجزائر صورة جديدة تحمل الكثير من الجمال والتجديد، لكن ما يجمع بين كل هؤلاء هو الشغف الصادق بالكاميرا، والرغبة في إيصال رسالة من خلال الصورة، كل بطريقته، لكن بنفس الإيمان بقوة الصورة في التعبير والتأثير.
أنتمي للمدرسة الواقـعية في التصوير
هل تجد تفاعلا إيجابيا من زملائك في الميدان؟ ولأي مدرسة تنتمي في عالم التصوير؟
نعم، أجد دعما وتفاعلا كبيرا من زملائي، وهناك روح جميلة من التعاون وتبادل الخبرات بيننا، سواء في الميدان أو خارجه، هذه الديناميكية الجماعية تمنحنا دفعة معنوية للاستمرار والتطور، أما من حيث توجهي الفني، فأعتبر نفسي أنتمي لما يمكن تسميته بـالمدرسة الواقعية في التصوير، التي تؤمن بقوة اللحظة الحقيقية، وتركز على توثيق الواقع كما هو، ببساطته وصدقه، دون تزييف أو تصنع، بالنسبة لي، جمال الصورة يكمن في صدقها، وفي قدرتها على نقل الإحساس كما عاشه صاحبها.
برأيك، كيف يمكن للفن الفوتوغرافي أن يساهم في إبراز صورة الجزائر وكفاءاتها في الخارج؟
يمتلك الفن الفوتوغرافي قدرة هائلة على التعريف بجمال الجزائر وتنوعها الطبيعي والبشري، بعيدا عن الخطابات الكلاسيكية، إنه وسيلة راقية وهادئة لإبراز كفاءات شبابها، ونقل صورة مشرفة عن البلاد للعالم، بعدسة واحدة، يمكن أن نروي قصة، نبرز هوية، ونفتح نوافذ على ثقافاتنا وواقعنا، بطريقة تجعل الصورة تتكلم بلغتها الخاصة، دون حاجة إلى تفسير أو ترجمة.
أول مـشاركة لي في منافسة دولية كللت بالتتويج
بعد هذا الفوز، ما هي الخطوة القادمة لياسين إيمادالو؟ هل هناك مشاريع أو مشاركات دولية أخرى في الأفق؟
بكل صراحة، هذه كانت أول مشاركة دولية لي في مساري المهني، والحمد لله وفقت فيها وكانت انطلاقة موفقة. أتمنى أن تروني في مشاركات قادمة إن شاء الله، فالأهداف لا تتوقف، والطموح يكبر مع كل تجربة، ما أسعى إليه دائما هو تمثيل الجزائر بأفضل صورة ممكنة، بعدسة صادقة تنقل الوجه الجميل لهذا الوطن وشبابه.
ما الرسالة التي تود توجهيها للمصورين الشباب، الذين يحلمون بالبروز على الساحة الدولية؟
لكل مصور شاب، آمن بنفسك، طور مهاراتك، ولا تنتظر الفرصة بل اصنعها بنفسك، قد تكون صورة واحدة كفيلة بأن تغير مسارك وتفتح لك أبوابا لم تتوقعها، السر يكمن في الشغف والإصرار، والباقي يأتي في الوقت المناسب.
ر ح