كشف الفنان كمال بناني، عن قرب افتتاحه لمدرسة للتكوين في فن المالوف، ستحمل اسم والده الراحل حمدي بناني، وستضمن تكوينا قاعديا للفنانين الشباب وأصحاب المواهب، لرفع المستوى والحفاظ على الهوية التراثية الغنائية. كما أعلن بناني في حوار خص به النصر، عن مشاريع فنية منها ما هو تجسيد لأحلام والده، وأخرى تتعلق تخص جديده الخاص الذي سيقدم في شكل باقة غنائية متنوعة مشكلة من أغاني تراثية وأخرى عصرية. كما قدم رؤيته التجديدية لفن المالوف، وما يعمل على تحقيقه لترك بصمته في المجال، وتحدث عن حرصه على توثيق الأغاني التراثية وكتابة القصص المغناة، بطريقة تمزج بين التقليدي والعصري وتعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، لضمان رواجها وانتشارها.
حاورته / أسماء بوقرن
هــذا أبـــرز جديـــدي
النصر: نشرت على صفحاتك على مواقع التواصل أنك تحضر لإطلاق الجديد حدثنا عنه؟
كمال بناني: فعلا جهزت باقة فنية متنوعة تتضمن أغاني تراثية بطبع المالوف منها ما نُسي اليوم، وهي تشكيلة من أغانيات طويلة منها «ليالي السرور»، التي أنهيت تسجيلها مؤخرا ومدتها ساعة من الزمن أو أكثر، إلى جانب أغنية «قالو لعرب قالو». حيث أحرص سنويا على طرح جديد فني لرغبتي في تلك بصمتي الخاصة، مع الالتزام بطرح أغنية على الأقل في كل السنة.
أستعد أيضا، لإصدار أغنية وطنية بعنوان «ماعندي غيرك»، تستهل بعبارة «ما عندي وطن غيرك يا وطنا» موسيقاها عربية الهوى، كما حضرت جديدا في طبع المالوف العصري بعنوان «يا بدرا»، وهي أغنية من تلحيني وتوزيع رحايلية طريق، وكلمات الشيخ لخضر كسري والشاب قيس وناس، وهما المشرفان على كتابة كلمات الأغاني التي أنتجها عادة، وأدخل عليها شخصيا بعض تعديلات لأعكس إحساسي الخاص، لأن الفن حالة شعورية قبل كل شيء
مع ذلك، فإني ممن يفضلون العمل الجماعي عند التحضير للجديد، حيث أطرح فكرتي غالبا على الفريق وأنصت بإمكان لما يقدم من اقتراحات، كما أنفتح على النقاش وآخذ برأي الكبير والصغير للخروج بنتيجة جيدة.
متى موعد الإصدار؟
لم يتسن لي إتمام التسجيل كليا لانشغالي بالمهرجان الثقافي الوطني للموسيقى والأغنية الحضرية، كونه أخذ مني الكثير من الوقت وذلك باعتباري محافظا للتظاهرة، لكني سأنطلق في عملية تسجيل أغنية «ما عندي غيرك» هذا الشهر وستكون جاهزة قبل تاريخ الفاتح نوفمبر، أو في عيد الاستقلال المصادف للخامس جويلية على أقصى تقدير، أما أغنية «يا بدرا» فستطرح خلال موسم الصيف بعد الإعلان عن نتائج البكالوريا.
أكمل مسيرة والدي وأحاول تحقيق أحلامه
أنت من المحافظين على الموروث الغنائي لفن المالوف ومن المشتغلين على توثيقه، كما أنك فنان مجدد أيضا، وهي سمة كان يشتهر بها والدك الفنان حمدي بناني فهل حملك وصية أم أنك اخترت اتباع نهجه؟
أنا أسير على خطى والدي وأتبع نهجه الفني، كما أصر على تحقيق ما لم يتمكن الوالد من بلوغه، وقد اخترت المالوف العصري للمساهمة في نشر هذا الفن وسط من يتعذر عليهم فهم الكلمات القديمة المثقلة بالمعاني وفائقة البلاغة، لذلك أوظف الموسيقى العصرية لجذب أذن المستمع محاولة مني لنشر اللهجة الجزائرية في الوطن العربي لأن للمالوف عشاقا من كل البلاد العربية.
كما أحرص في ذات الوقت على إعادة تسجيل الأغاني التراثية بصوتي، لاعتقادي بضرورة توثيقها لكونها تمثل الهوية.
هل تعمل على تحقيق أهداف كان يحلم والدك بتحقيقها إكراما لذكراه؟
وضع والدي رحمه الله سنة 2016 لبنة مشروع يتمثل في غناء نوبة من نوبات المالوف رفقة الأوركسترا السيمفونية، وشاءت الأقدار أن يرحل دون أدائها وتسجيلها وأنا أعمل من أجل إتمام الأمر اليوم، حيث قطعت الخطوات الأولى وتحدثت مع قائد جوق الأوركسترا لطفي سعيدي، الذي أوجه له التحية عبر جريدة النصر، واتفقنا على العمل بعدما أعجب بالفكرة التي تتطلب جهدا كبير بالمناسبة، كما أن تجسيدها صعب لصعوبة كتابة نوبة كاملة بـ «البركيسيون».
الموسيقى الكلاسيكية جسر لعصرنة المالوف
انفرد الراحل حمدي بناني باستعمال آلات لم تكن دارجة في عزف موسيقى المالوف، مثل الجيتار والباتري، فهل تفكر في تكرار التجربة؟
كان والدي أول جزائري يدخل الآلات العصرية في أداء موسيقى المالوف وذلك سنة 1974، ولا أزال أحتفظ بأشرطته الموسيقية التي توثق لذلك الحدث إلى يومنا هذا، وقد حرص على تفعيل فكرته وتحقيقها من أجل الترويج لهذا الطابع الموسيقي وإيصاله إلى خارج الوطن، لأنه كان يؤمن بأهمية الانفتاح الثقافي وأن عصرنه الموسيقى التراثية مهم لاستمراره مسايرة لمتطلبات كل عصر.
أسعى بدوري، لمواصلة هذا المسار ولكن بطريقتي الخاصة، كإدراج العزق الكلاسيكي في أداء الأغاني التراثية، لأن هذه الموسيقى لا تموت والعمل على مشروع مماثل ليس أمرا سهلا بل يتطلب بحثا وتجريبا و دقة.
نفهم من كلامك أنك من دعاة العصرنة؟
أكيد أنا مع الفكرة شريطة عدم المساس بالهوية وبأساسيات فن المالوف، بداية بالحفاظ على طبيعة اللباس التقليدي بل وإجبارية ارتدائه وتوحيده لدى عناصر الفرق.
نحو تسجيل قصص من التراث الغنائي
كيف يمكن الحفاظ على الهوية الغنائية في ظل حتمية التجديد لضمان الاستمرار كما قلت ؟
هذا مشروع أعمل عليه حاليا، من خلال تسجيل التراث وقصص الأغاني القديمة بدأت منذ سنتين في ترتيب أفكار تتضمن سيناريوهات لغناء قصص من الموروث الغنائي، وقد فكرت في الاعتماد على حكواتي مثلا، وبناء ديكور تقليدي بسينوغرافيا مسرحية. أود كذلك تصوير العمل على شكل فيديو كليب بتقنيات الذكاء الاصطناعي، ليعيش المستمع تجربة بصرية وحسية مختلفة عند اختياره للأغنية، فيشعر أنه كان حاضرا في ذلك الزمن، يدخل عالم الأغنية ويفهم قصتها، وهذا بالنسبة لي جزء من مهمتنا كفنانين في الحفاظ على الهوية الغنائية و تقديمها للأجيال.
التكوين جزء من خططي لتكريم ذكري أبي
في اعتقادك كيف يكون الاستثمار في الطاقات الشبانية الصاعدة التي تؤدي المالوف، قصد ضمان استمراريته والترويج له أكثـر؟
تكوين الجيل الصاعد من فناني المالوف حتمية لضمان تناقله بطرق وقواعد صحيحة، وعليه افتتحت مدرسة مالوف بعنابة، يشرف على التدريس فيها الأستاذ صالح عوابدية وهو تلميذ الفنان حسان العنابي رحمه الله.
المدرسة تابعة للمجلس الشعبي البلدي لمدينة بونة، وقد فتحت أبوابها لاستقبال الشباب والأطفال منذ شهرين تقريبا.
أعمل كذلك على تأسيس جمعية ثقافية للفنانين باسم الوالد حمدي بناني، هدفها الحفاظ على الموروث الثقافي، وسوف أقوم بإنشاء مدرسة في إطار الجمعية للتكوين الدائم بالتنسيق مع القطاعات المعنية بالولاية، سيتم من خلالها تعليم الصغار والشباب قواعد العزف على الآلات الموسيقية، والموسيقى الأندلسية وبالأخص موسيقى المالوف، والصولفاج الذي يعد لغة التحاور الموسيقى مع أي شخص في العالم.
ستفتتح المدرسة قريبا وستكون هدية لوالدي، وستضمن تكوينا قاعديا لأجيال الفنانين لرفع المستوى.
أعمل على توفير مخزن خاص بالزي التقليدي
عرف الراحل حمدي بناني بأناقته وإطلالاته الراقية، فهل ورثت شغفه بالأناقة؟ وهل ترى بأن اللباس التقليدي جزء من هوية المالوف عموما؟
أحرص رفقة أعضاء فرقتي على ارتداء الزي التقليدي الرجالي الذي يمثل هوية موسيقى المالوف، وهي رسالة فنية متوارثة في العائلة، كما أعمل في إطار مشروع الجمعية والمدرسة الموسيقية الذي أحضر له، على توفير مخزن خاص باللباس التقليدي، يتضمن تشكيلات تقليدية متنوعة، لتنويع الإطلالات الفنية في المناسبات وخلال المهرجانات.
كلمة توجهها لجمهورك؟
أشكر كل من يتابعني ويستمع لفني، لأن الفنان لا يستمر بدون جمهور، وأطلب من كل مبدع جزائري وبخاصة الشباب الرقي بالكلمة و اللحن و المعنى، لأن الفن شاهد على صاحبه وانعكاس لصورته في العائلة وأمام الجمهور، ناهيك عن أن كل فنان هو سفير بلده خاصة في ظل الانفجار المعلوماتي وهيمنة مواقع التواصل، ومهمتنا اليوم تقديم صورة جميلة تليق ببلدنا الجزائر وبفنها.
أ.ب