أكدت صاحبة مكتب الدراسات المكلف بمتابعة مشاريع ترميم المساجد القديمة بقسنطينة عن اعتماد المسح ثلاثي الأبعاد بدقة ميليمترية لأول مرة في ترميم جامع سيدي الكتاني وزاوية بشتارزي ومسجد سيدي عفان، حيث اعتبرت أن تكنولوجيا نمذجة معلومات المباني تختزل كثيرا من الوقت على المتدخلين، في وقت كشفت فيه مديرة ملحقة الوكالة الوطنية للقطاعات المحفوظة عن مشروع جارٍ لجمع المعطيات الجغرافية الخاصة بالمدينة القديمة من أجل إنشاء خريطة رقمية شاملة.
ونظمت ملحقة الوكالة الوطنية للقطاعات المحفوظة بقسنطينة يوما دراسيا حول “التراث الثقافي العقاري بين الرقمنة والذكاء الاصطناعي” في إطار إحياء شهر التراث، حيث أوضحت مديرة الملحقة، مريم فنطازي، في تصريح للنصر، أن التظاهرة تندرج في صلب مهام الهيئة من أجل الحفاظ على الطابع المعماري والتراثي لمدينة قسنطينة القديمة. وأضافت المتحدثة أن اليوم الدراسي يستهدف توفير فضاء للنقاش وتبادل الرؤى بين مختلف الفاعلين في مجال التراث حول السبل التي تتيحها التكنولوجيات الحديثة، مثل الرقمنة والذكاء الاصطناعي، في حماية التراث وتعزيزه وتثمينه، فيما نبهت بأن مجموعة من الأساتذة من جامعة صالح بوبنيدر بقسنطينة وجامعة العربي بن مهيدي بأم البواقي سيساهمون في تنشيط اليوم، إلى جانب أصحاب مكاتب دراسات مختصة في مجال الترميم.
وشرحت محدثتنا أن مدينة قسنطينة القديمة مصنفة كقطاع محفوظ، حيث تخضع للحماية بقانون خاص بها يتمثل في مخطط حفظ مدينة قسنطينة، معتبرة بأنه يعتبر أداة للتسيير ومتابعة كل ما يوجد ضمن حيز الحفظ، لذلك تعمل الوكالة على تطبيقه ومراقبة أي تجاوزات أو غيرها. وكشفت المتحدثة أن وزارة الثقافة وضعت برنامجا لاعتماد نظام المعلومات الجغرافية (GIS) عبر القطاعات المحفوظة، حيث أوضحت أن ملحقة الوكالة بقسنطينة تعكف حاليا على جمع المعطيات من أجل بناء قاعدة البيانات الجغرافية، بما يسمح بالحصول على جميع المعلومات الخاصة بالمدينة القديمة من خلال خريطة رقمية، على غرار وضعية جميع البنايات وتاريخها وصاحبها، فضلا عن حالتها الآنية وتاريخها والنشاطات التجارية الموجودة فيها وغيرها من المعلومات.
وأضافت مديرة الوكالة أن الخريطة الرقمية ستشمل التعرّف على المعالم التاريخية في المدينة القديمة، على غرار العيون، في حين ستوضع جميع المعطيات في منصة إلكترونية خاصة بوزارة الثقافة، إذ نبهت المسؤولة أن المشروع جارٍ على مستوى مدينة قسنطينة في الوقت الحالي، وهو في مرحلة جمع المعطيات، حيث ذكرت المسؤولة أن القطاع المحفوظ لمدينة قسنطينة يتربع على 85 هكتارا ويشمل عددا كبيرا من البنايات والنشاطات التجارية. وأضافت المتحدثة أن عملية جمع المعطيات انطلقت من السويقة صعودا إلى بقية أرجاء المدينة، في حين أوضحت أن نشر الخريطة الرقمية عبر المنصة الرقمية الخاصة بوزارة الثقافة سيعمل على زيادة الوعي لدى المواطنين بأهمية هذا التراث، فضلا عن توسيع مدركاتهم حوله.
وقدمت الدكتورة فريد دلال من جامعة العربي بن مهيدي بأم البواقي المداخلة الأولى في الفعالية حول «الرقمنة في خدمة الحفاظ على التراث العقاري»، حيث اعتبرت فيها أن أنظمة المعلومة الجغرافية ضرورية في عملية الحفاظ على التراث الثقافي، مؤكدة أن استغلالها أثبت فعاليته في هذا المجال. واستعرضت المتدخلة استعمال نظام المعلومات الجغرافية في متابعة خطر التصحر على التراث المبني في القطاع المحفوظ بغرداية، في حين قدمت الدكتورة أمينة نعيجة من الجامعة نفسها مداخلة حول «الربط بين التراث والبيئة والتقنيات الرقمية»، إذ استعرضت فيها نماذج عن متابعة تأثير المناخ على المعالم التاريخية، على غرار آثار ارتفاع الحرارة على التراث المادي المبني.
أشغال ترميم سيدي الكتاني وصلت إلى 70 بالمئة
أما المهندسة المعمارية مريم زياني، صاحبة مكتب الدراسات المختص في ترميم البنايات التاريخية، فقد قدمت مداخلة قائمة على نموذج ميداني من المدينة القديمة بقسنطينة، حيث تعمل على متابعة عدة مشاريع إعادة اعتبار للتراث المبني بالمدينة القديمة. واستشهدت المتدخلة على دور الماسح الضوئي والنمذجة ثلاثية الأبعاد كآفاق جديدة لترميم الآثار التاريخية بحالة مشروع الترميم الذي يخضع له جامع سيدي الكتاني بسوق العصر وزاوية بشتارزي برحبة الصوف. وأكدت المتحدثة أن مكتب الدراسات اعتمد لأول مرة بقسنطينة على تقنية نمذجة معلومات البنايات في عملية الترميم، حيث خضع المعلمان لمسح ثلاثي الأبعاد بدقة تمتد إلى مستوى الميليمتر من أجل تصوير مختلف الأجزاء والغرف من المكان.
وأضافت المتحدثة أن التكنولوجيا نفسها اعتمدت في مشروع ترميم مسجد سيدي عفان بالجهة السفلى من حي السويقة، إذ شرحت أنها مكنت من اختصار الوقت المستغرق في العمل، بحيث أصبح بإمكان المهندسين والقائمين على المشروع العودة إلى النموذج ثلاثي الأبعاد من أجل تحليل وضعية المعلم واتخاذ الإجراءات المناسبة، على غرار متابعة وجود تشققات أو تسربات للمياه، عوضا عن العودة للمكان للتأكد أو استغلال صور وفيديوهات غير دقيقة بما يكفي. وقدمت المهندسة شرحا مستفيضا لطريقة استخدام هذه التقنية ومختلف الجوانب المرتبطة بها، حيث قالت إن نمذجة معلومات البنايات غيرت طريقة عمل المهندسين، فيما شرحت للحضور في الفقرة المخصصة للنقاش أن التكنولوجيات الحديثة لا تلغي الدور الإنساني للمهندسين في عمليات الترميم، مؤكدة أن عملية ترميم جامع سيدي الكتاني بلغت نسبة 70 بالمئة.
وأوضحت المهندسة في تصريح لنا على هامش مداخلتها أن جامع أشغال ترميم جامع سيدي الكتاني ومسجد سيدي عفان وزاوية بشتارزي والزاوية التيجانية السفلى ستستكمل مع بداية فصل الصيف، بعدما عرفت تقدما في الأشغال. وشمل برنامج اليوم الدراسي تقديم مداخلة للدكتور أسامة سبتي من كلية الهندسة المعمارية بجامعة صالح بوبنيدر بقسنطينة حول مساهمة الذكاء الاصطناعي في تخيل التراث، إلى جانب ثلاث مداخلات أخرى للدكتورة فريال بونويوة حول «الرقمنة المتطورة: الذكاء الاصطناعي كمحفز للجيل الرابع» والدكتور رضا عطوي حول «إعادة تشكيل معلم تاريخي باستخدام الذكاء الاصطناعي» والدكتورة زهرة جريدي حول «الحماية القانونية للتراث الثقافي في ظل الذكاء الاصطناعي».
سامي .ح