دعا متدخلون خلال ندوة تاريخية بقسنطينة إلى وجوب تأصيل المدرسة للتاريخ الجزائري، كما أكدوا على أنّ الثورة كانت فكرة صمدت وواكبت مختلف تقلبات تلك المرحلة، بالإضافة إلى استعراض تجربة رقمنة المتاحف والزيارات الافتراضية لها باعتبارها سياحة للذاكرة وأهميتها في تعزيزها وحماية التاريخ ونقله للأجيال.
واحتضن المتحف الولائي للمجاهد، نهاية الأسبوع الماضي، ندوة تاريخية جاءت تحت عنوان “من التضحيات المجيدة إلى التحديات الرقمية: تخليد ذكرى الاستقلال في ظل التحولات الراهنة” حيث ذكرت مديرة المتحف، إيلان بن حمحوم، في كلمتها الافتتاحية أنّ عنوان الندوة جاء إيمانا بأنّ الواجب لا يقتصر على حفظ الذاكرة وإنما يمتد إلى ترسيخ قيم الاستقلال في وعي الأجيال الجديدة عبر أدوات العصر ولغتهم وفي طبيعتها الرقمنة والتكنولوجيا، مشيرة كذلك إلى أنّ إحياء الذكرى ليست مجرّد وقفة رمزية بل فعل التزام جماعي لاستلهام القوة ومواصلة البناء.
وقال مفتش مادة التاريخ في طور التعليم المتوسط بقسنطينة، مشاطي مهيرة، إنّه يجب على المدرسة أن تؤصّل للتاريخ الجزائري، كما عرّج للحديث عن لمحات مما قدّمه مجاهدون في صورة ديدوش مراد، ذاكرا أنّ “هؤلاء الجماعة صحيح أنّ ثقافتهم بسيطة لكنّهم كانوا عباقرة”، حيث أردف في مداخلته أنّ الجنرال الفرنسي عندما قال لو كان عندي ثلة من أمثال العربي بن مهيدي لفتحت العالم اعتبرت إهانة للمدارس العسكرية الفرنسية، لافتا كذلك إلى أنّ الجيوش في مدارسها تأخذ من الثورة العبر بدراسة هجومات الشمال القسنطيني.
وأوضح، مهيرة، في حديث هامشي للنّصر، أنه لابد من غرس التاريخ الحقيقي الموضوعي الذي يحبّب التلميذ في وطنه وتأصيل النشء بهذا التاريخ وأحداثه، إذ يجب على التلميذ وفق المتحدث دراسة تاريخه كما ينبغي كما أوضح أنّ التأصيل يأتي من المنهاج المدرسي بحيث يوضع في مستوى تطلعات هذه الناشئة بالمعطيات الجديدة من خلال الاستعانة بالذكاء الاصطناعي أو ما وصفه بـ”الديداكتيكية” الجديدة التي ينبغي إدراج ضمنها التاريخ، بالإضافة إلى إيلاء أهمية لدراسة التاريخ وتكوين أساتذته، موضّحا أنّ مختلف الدول تتغنى بالعولمة لكنها تسعى لتأصيل النشء في المقام الأول قبل ذلك.
من جهتها استعرضت الباحثة في مركز البحث في تهيئة الإقليم، مريم صغيري، تجربة المركز مع رقمنة المتاحف والزيارات الافتراضية عبرها، ما يعزّز الذاكرة بتقنيات حديثة، حيث ترى المتحدّثة أنّ الأجيال الحالية انخرطت في استخدام الأدوات التكنولوجية الرقمية وينبغي العمل من خلال الوسائل التي يستخدمونها حتى يستمر التاريخ بالطريقة المحببة إليهم، لافتة إلى أنّ الزيارات الافتراضية للمتاحف عرفت انطباعات إيجابية خاصة من طرف الأطفال، حيث ذكرت عملهم على 13 زيارة افتراضية استعرضت مقتطفات منها في فيديو عن عدد من المواقع التاريخية، مؤكدة أنّ هذا الجانب لا يعوّض الزيارات الحقيقية لكنّه يسمح بالتعريف واكتشاف ما تحتويه هذه المتاحف، كما تسمح بترسيخ الذاكرة على مستوى القنوات الدولية عبر مشاركتها عالميا، مؤكدة على أهمية الحصول على معلومات دقيقة وصحيحة لتبنى عليها هذه النماذج.
وقالت المتحدّثة للنّصر على هامش المناسبة إنّ الزيارات الافتراضية عبر الموقع الإلكتروني للمركز تتم من خلال رقمنة المبنى والأرشفة الرقمية للمقتنيات المتحفية، كما تتم من خلال “سكانير” ثلاثي الأبعاد وهي تقنية حديثة عالميا، كما يستخدم برنامج لتطوير هذه الزيارات الافتراضية، بحيث يتم استرجاع الصور البانورامية وإدراجها ضمن البرنامج لإعداد شهادات حية، أصوات ومعلومات وغير ذلك وحتى إدراج ما يطلبه القائمون على هذه المتاحف، كما أنّ هذه الزيارات تتم عبر تقنية الواقع الافتراضي باستخدام نظارات خاصة، وأضافت أنّ البرنامج يسمح بتتبع عدد الأشخاص الذين قاموا بهذه الزيارات والبلدان التي ينتمون إليها والمواقع التي توقفت زيارتهم فيها، حيث يمنح بيانات حول تجربة المستخدمين.
وتكلّم من جهته الباحث في التاريخ بقسنطينة، هارون حمادو، في حديث للنّصر عن المداخلة التي قدّمها حيث تحدّث عن المراحل الأساسية للثورة الجزائرية بداية التحضير إلى اندلاع الثورة والظروف التي سادتها وضرورة العمل المسلح، بعد فشل العمل السياسي والتجربة العسكرية الأولى ممثلة في المنظمة الخاصة، بالإضافة إلى أزمة حزب الشعب، ما خلق ترددا عند المناضلين حول الشكل الأنسب للكفاح، قبل الاستقرار على العمل المسلح، كما تحدث عن بيان أول نوفمبر وأبرز المحطات التاريخية الإيجابية والسلبية، معتبرا أنّ الثورة فكرة آمن بها كل الشعب تطوّرت أساليبها مع مختلف تقلبات المرحلة ومستجداتها.
إسلام. ق