تحولت الحلاقة من مجرد مهنة تقليدية مرتبطة بالمقص والمشط، إلى فن متكامل يجمع بين الذوق، التقنية، والابتكار، وفي قلب هذا التحول، يلمع اسم هيثم بن عبد الصدوق، الشاب القسنطيني، صاحب لقب أفضل حلاق في الجزائر، الذي جعل من الحلاقة العصرية مسارا للإبداع والتميز، فبلمسات دقيقة ورؤية حديثة، استطاع أن يرتقي بهذه الحرفة إلى مصاف المهن الراقية، جاعلا من صالونه فضاء للجمال والتجديد وتكوين الأجيال، ومقصدا للمشاهير ونجوم الكرة، ومن تجربته نموذجا يحتدى به في الإصرار والطموح.
دعوة عناصر المنتخب الوطني محطة فارقة في مساري
لم تكن رحلة هيثم بن عبد الصدوق في عالم الحلاقة مفروشة بالورود أو الفرص السهلة، بل كانت مليئة بالتحديات، بعد أن انطلق من الصفر في عالم كان يقتصر حينها على الحلاقة التقليدية بنمطها الكلاسيكي البسيط، وفتح أول صالون خاص به عام 2012 واستمر فيه لأربع سنوات، قبل أن يركب موجة التحول الكبير للحلاقة العصرية، وهي نقلة لم يتقبلها في البداية المجتمع بقسنطينة في البداية، إلا أن تشبته بشغفه، وتمسك برؤيته التي تقوم على تحديث هذا الفن وتقديمه في أبهى صوره، جعله يواكب التحول ويتفنن في مجال الحلاقة العصرية.
ومع مرور السنوات، وتزايد الإقبال على الصيحات الجديدة، بدأت ملامح نجاح هيثم تظهر، وبرز نشاطه على منصات التواصل الاجتماعي التي مكنت من توسيع دائرة شهرته، حيث أصبح مقصه معروفا في أوساط الشباب، وموضع ثقة الشخصيات الرياضية والفنية، وكان من أبرز محطات هذا المسار، تلقيه دعوة رسمية سنة 2017 من لاعبي المنتخب الوطني الجزائري لتولي مهمة الحلاقة الخاصة بهم خلال تواجدهم بمدينة قسنطينة، في لحظة وصفها بالفارقة والمليئة بالفخر، باعتبارها اعترافا ضمنيا بتميزه واحترافه.
ويعد توافد نجوم الرياضة والفن إلى محل هيثم بن صدوق أحد أبرز المؤشرات على النجاح الذي حققه في مسيرته المهنية، فقد اختار عدد من لاعبي المنتخب الوطني الجزائري محله كوجهة مفضلة، سواء خلال زياراتهم لمدينة قسنطينة أو حتى بصفة منتظمة. ومن بين هؤلاء النجوم، يذكر هيثم أسماء لامعة مثل مدرب الخضر السابق جمال بلماضي، ولاعبي المنتخب كرياض محرز، رامي بن سبعيني، يوسف بلايلي، بغداد بونجاح، حسام عوار، سعيد بن رحمة، ومحمد عمورة، إلى جانب عدد من لاعبي نادي شباب قسنطينة، الذين يحرصون على الاستفادة من خدماته.
كما لم تقتصر هذه الثقة على عالم الكرة فقط، بل شملت أيضا أسماء فنية معروفة في الساحة الغنائية، على غرار الشاب بلال الصغير، والفنان مومو، وغيرهم، ممن أعجبوا بالخدمة والمهنية التي يقدمها المحل. ويؤكد بن صدوق أن هذه الثقة التي منحها له المشاهير تمثل بالنسبة له مسؤولية قبل أن تكون فخرا، وتشكل دافعا دائما للاستمرار في تطوير الخدمات، وتقديم الأفضل لكل زبون، مهما كانت مكانته.
اختار هيثم هذه المهنة عن حب وقناعة، مدفوعا بشغف قديم وإصرار، جعله من الأسماء البارزة في مجاله بعد خبرة مهنية عمرها أكثر من 13 سنة، نال خلالها وتحديدا سنة 2018 جائزة أحسن حلاق في قسنطينة والجزائر، في اعتراف مستحق بتميزه وبصمته الخاصة في هذا المجال، واليوم، يقف هذا الحلاق العصري كشاهد على تحول الحلاقة من مجرد مهنة تقليدية إلى ثقافة بصرية متكاملة، تعكس الذوق، الشخصية، والهوية العصرية للشباب الجزائري.
شراكات مع شركات عالمية للإشهار وتوفير أحدث المعدات وأجود المستحضرات
ويحرص هيثم بن صدوق على تقديم تجربة متكاملة داخل محله تجمع بين الحلاقة التقليدية والعصرية، حيث يوفر خدمات الحلاقة الكلاسيكية لمن يفضلونها، إلى جانب الحلاقة الحديثة بتقنياتها الدقيقة والمعاصرة، مع اعتماد أحدث الآلات والمعدات المستوردة من كبرى الشركات العالمية، كما يولي اهتماما خاصا بالعناية الشاملة، من خلال توفير تقنيات متقدمة في العناية بالبشرة والشعر، باستعمال أجهزة حديثة ومنتجات مرخصة عالميا، ذكر منها علامة عالمية متخصصة في مستحضرات العناية بالبشرة والشعر، والتي تشمل باقة متنوعة من المنتجات على غرار مقشرات الوجه، واقيات الشمس، أقنعة الترطيب، شامبو الكيراتين، بلسمات معالجة، مستحضرات تفتيح البشرة، ومنتجات مقاومة الشيخوخة.
كما يفتخر بشراكته مع الشركة الأمريكية العريقة «وال» التي يمثلها كسفير ومدرب معتمد، حيث أتاح له هذا التعاون فرصة الاحتكاك المباشر بكبار الحلاقين الدوليين، وتبادل الخبرات داخل بيئة احترافية عالية المستوى، كما مكنه من عرض أحدث آلات الحلاقة وقص الشعر من إنتاجها في محله، ويعتمد كذلك على معدات عالية الجودة من الشركة الفرنسية «فرانس»، مثل كراسي الحلاقة والمرايا الاحترافية، لضمان راحة الزبون وتقديم خدمة نوعية.
الاحتراف لا يصنعه الحظ والموهبة
ويؤكد أن جزءا كبيرا من تطوير تجربته المهنية يستند أيضا إلى ملاحظات واقتراحات زبائنه، حيث يمتلك العديد منهم دراية واسعة باتجاهات الحلاقة الحديثة، مما يشكل بالنسبة له مصدر إلهام حقيقي ودافعا متجددا لتحسين مستوى خدماته. ولا تتوقف خدمات بن صدوق عند الجانب المهني اليومي، بل تمتد إلى مجال التكوين، حيث يساهم منذ سنوات في تطوير مهارات الشباب من خلال تنظيم دورات تكوينية داخل الجزائر وخارجها، لنقل خبرته وتجربته وفق منهج عملي ومتدرج، يوازن بين المهارة والتقنية والالتزام المهني إلى الجيل الجديد من الحلاقين، وإعدادهم لممارسة هذه الحرفة الراقية بمعايير احترافية عالية، تفتح أمامهم آفاق التوظيف والاستقلال المهني، ويعتبر تكوين الشباب وتمكينهم من دخول عالم الحلاقة بثقة وكفاءة من الجوانب التي يعتز بها في مسيرته المهنية، فمنذ أكثر من خمس سنوات، يحرص على تنظيم دورات تدريبية داخل محله، ينقل خلالها خلاصة تجربته إلى كل شاب طموح.
ويرى بن صدوق أن التكوين ليس متاحا للجميع، حيث يؤمن بأن هذه المهنة تتطلب نضجا فكريا وشغفا حقيقيا. لذلك يعتمد في اختيار المتربصين على معيارين أساسيين، وهما أن يكون الشاب بالغا، وأن يدخل المجال عن قناعة وحب، لا بدافع مؤقت أو فضول عابر، فالاحتراف، حسب رأيه، لا يصنعه الحظ أو الموهبة وحدهما، بل الالتزام والإصرار على التعلم.
وقد تخرج على يديه عدد من الشباب الذين التزموا بهذه القيم، وتمكنوا من إتقان المهنة باحترافية عالية، ما دفعه إلى ضم بعضهم للعمل داخل المحل، بينما استطاع آخرون أن يشقوا طريقهم بنجاح، سواء من خلال فتح صالوناتهم الخاصة أو بالالتحاق بسوق العمل خارج الوطن، لاسيما في دول مثل قطر والإمارات، حيث برزوا في هذا المجال وأثبتوا جدارتهم، ويعتبر بن صدوق هذا النجاح المشترك دليلا على أن التكوين الجاد والمبني على أسس صحيحة هو السبيل لصناعة حلاقين محترفين قادرين على التميز محليا ودوليا.
ويواكب هيثم كل جديد ويحرص على متابعة دقيقة لمنصات التواصل الاجتماعي الخاصة بكبار الحلاقين العالميين والعلامات الرائدة في صناعة الجمال، ما يتيح له الاطلاع المستمر على أحدث الأساليب، والمنتجات، والمعدات المستجدة في السوق العالمية، كما يولي أهمية كبيرة لحضوره الرقمي، مدركا أن منصات التواصل الاجتماعي أصبحت اليوم من أبرز أدوات الوصول إلى الجمهور والترويج للخدمات، ويعتبر منصة «الأنستغرام»، نافذة أساسية لعرض أعماله ومشاركة جديده مع المتابعين، حيث تجاوزت فيديوهاته عتبة مليون ونصف مشاهدة شهريا، وهو ما يعكس مدى اهتمام الجمهور بالمحتوى الذي يقدمه، ويرى هيثم أن هذه الأرقام ليست مجرد نجاح رقمي، بل تمثل بالنسبة له مسؤولية مستمرة تدفعه لتطوير نفسه ومتابعة كل ما هو جديد في عالم الحلاقة والعناية الشخصية.
أما بخصوص المنافسة، فينظر إليها هيثم على أنها عنصر إيجابي في مساره المهني، ويتعامل معها بكل احترام وتقدير لزملائه في هذا المجال، ويؤمن بأن المنافسة الشريفة تساهم في رفع سقف الأداء، وتدفع نحو الإبداع والتميز، كما تثري تجربته وتزيد من حرصه على تقديم الأفضل.
وفيما يتعلق بدرجة وعي الشارع القسنطيني بمجال الحلاقة العصرية، فيؤكد هيثم بن صدوق أن زبائن المدينة يتمتعون بثقافة جمالية متقدمة واطلاع واسع على كل ما هو جديد في هذا المجال، مضيفا أن الإقبال على صالونات الحلاقة الحديثة أصبح لافتا، خاصة من طرف فئة الشباب، الذين يحرصون على متابعة آخر صيحات قصات الشعر العالمية، ويبدون رغبة واضحة في تجربة الأساليب المبتكرة والتقنيات الحديثة في الحلاقة والعناية الشخصية.
ويرى أن هذا الوعي المتنامي والمتابعة الدقيقة للتفاصيل من طرف الزبائن، يشكلان حافزا دائما له لتطوير خدماته، ومواصلة البحث عن الجودة والتميز، بما يواكب تطلعات الزبائن ويستجيب لمتطلباتهم الجمالية المتزايدة.
رؤية طموحة لمستقبل واعد في الحلاقة والتكوين
لا يتوقف طموح هيثم بن صدوق عند تقديم خدمات راقية في مجال الحلاقة العصرية، بل يتجاوز ذلك إلى مشروع أكبر وأعمق أثرا، يتمثل في إنشاء مركز متكامل لتعليم فنون الحلاقة الحديثة والعناية بالبشرة، حيث يأمل في تأسيس فضاء احترافي يكون مرجعا في هذا التخصص، يجمع بين التكوين النظري والممارسة التطبيقية، ويمنح الشباب فرصة تعلم هذه الحرفة من أبجدياتها إلى غاية التخرج كحلاقين محترفين، يجمعون بين المهارة الفنية، الحرفة الدقيقة، والالتزام بأخلاقيات المهنة.
يوضح هيثم بن صدوق أن تكلفة الحلاقة داخل محله المتواجد بالمدينة الجديدة على منجلي تختلف باختلاف نوعية الخدمة المقدمة والمنتجات المستعملة. إذ تبدأ الأسعار من 500 دينار جزائري للحلاقة العادية، وهي موجهة أساسا لمن يبحث عن خدمة بسيطة وسريعة. أما الحلاقة العصرية، فتصل تكلفتها إلى حدود 10.000 دينار جزائري، وتشمل باقة شاملة من العناية بالشعر والبشرة، باستخدام منتجات عالية الجودة ومعتمدة دولياً.
يوجه هيثم بن صدوق رسالة واضحة إلى الشباب المقبلين على عالم الحلاقة، فحواها أن النجاح في هذه المهنة لا يتحقق بسهولة أو في وقت قصير، بل يتطلب الكثير من الجهد، الصبر، والإصرار، مؤكدا أن البداية قد تكون صعبة ومرهقة، لكن من يلتزم بالتعلم الجاد ويثابر على تطوير مهاراته، سيصل حتما إلى الاحتراف، داعيا للتحلي بروح التعلم المستمر، وخوض دورات تكوينية جادة على يد حلاقين محترفين، موجها نصيحة جوهرية للشباب بضرورة الابتعاد عن كل ما يمكن أن يشتـت انتباههــم أو يعوق تقدمهم، خاصة الآفات الاجتماعية التي قد تفسد الموهبة وتبدد الجهود، فالمهنة، كما يراها، تتطلب التدرج والتعلم خطوة بخطوة، بدءا من التقنيات البسيطة وصولا إلى إتقان التفاصيل الدقيقة، وبالمثابرة والانضباط، يؤمن بن صدوق بأن كل شاب قادر على صناعة اسم له في هذا المجال، وتحقيق ذاته المهنية بكل فخر.
رضا حلاس