التعامل مع الإسمنت و الخشب  ليس حكرا فقط على الرجال
عمرها لم يتجاوز 30 سنة، لكنها تمكنت من تحويل ورشة حرفية مصغرة أنشأتها في إطار أنساج سنة 2014، إلى واحدة من بين أهم مؤسسات المناولة العاملة في مجال ترميم و إعادة الاعتبار للبنايات و المعالم الأثرية القديمة بالجزائر، يتعدى رأس مالها 5 مليون دج، حيث ساهمت بشكل بارز في أشغال استرجاع مباني قصبة الجزائر العاصمة، و ترفع حاليا تحديا آخر هو ترميم الواجهات الداخلية لنزل سيرتا بقسنطينة و إعادة تصميم جدرانه و أسقفه و حتى أرضياته وفقا للنموذج الأصلي، لتثبت بأن ورشات البناء و التعامل مع الاسمنت و الجير و الخشب ليس حكرا فقط على الرجال.
التقيناها مؤخرا بقسنطينة خلال مشاركتها في الصالون الوطني للمؤسسات المصغرة الناشطة في المجال الثقافي، فكشفت لنا دانا، ابنة مدينة تيبازة عن ثالث مشاريعها، وهو ترميم مقر وزرة الشؤون الدينية و الأوقاف وفق نمط معماري عربي إسلامي أصيل، قالت بأنها الأبرع في تنفيذه، نظرا لسياسية عملها القائمة على إدارة نشاط مجموعة مكونة من 60 حرفيا في مختلف التخصصات و المجالات، من النقش على الخشب على الزجاج و السيراميك و أشغال البلاط و الجير و الفسيفساء و ما إلى ذلك، كونها تعد الجزائرية الوحيدة التي تحمل لقب ماناجير فني حرفي، يقضي عملها بجمع أكبر عدد ممكن من الحرفيين الأكفاء و إدارة أعمالهم، في إطار مؤسساتي منظم، يختص بترميم و إعادة الاعتبار للمباني العريقة.
يكمن التحدي في عملها كما قالت في أنها اقتحمت مجالا، لطالما سيطر عليه الرجال بصورة خاصة، الأمر الذي لم يكن سهلا كما قالت خصوصا في ظل مجتمع ذكوري، يعتبر ورشات البناء  و تحديدا أشغال الحفر و التعرية و طلاء الجدران و التعامل مع مواد البناء عموما، خارج اختصاصات المرأة، وهو ما جعلها تصر على المضي قدما في عمل، باشرته خلال تواجدها رفقة عائلتها بمصر، أين كانت تزاول دراستها في علم النفس بجامعة عين شمس، لتنتقل بعدها إلى سوريا حيث صقلت موهبتها في مجال التصميم، والتحقت بعدها بمؤسسة بيت الديكور السعودية كمسؤولة ورشة.  أما عن تجربتها في مشروع إعادة الاعتبار لنزل سيرتا، فقد أوضحت دانا بأنها وضعت المشروع نصب عينيها منذ الإعلان عنه، حيث دخلت المنافسة رفقة العديد من المؤسسات الأخرى، حيث افتكت الصفقة بفضل تميز أفكارها و قدرتها الدائمة على تقديم الحل البديل، إذ يأتي دورها في المرحلة الأخيرة من المشروع، و يخص إعادة تصميم الواجهة الفندق من الداخل، لكن وفق نفس النمط القديم، كون البناء مصنف كجزء من تراث المدينة و يتمتع بطابع معماري خاص، وهو عمل جد معقد على حد تعبيرها، لأنه تطلب منها أزيد من أربعة أشهر من الدراسة  لضبط مخطط عمل كامل بالإضافة إلى فريق عمل مكون من 60 حرفيا.  وحسب الحرفية، فإن المشروع المقرر تسليمه مطلع شهر سبتمبر 2017، أكثر تعقيدا مما يبدو عليه، لأنه  يتطلب تنسيقا مستمرا مع خبراء و مهندسين و تقنيين في البناء، لضمان عدم المساس بطبيعة البناء، إذ شكل مسرح سيرتا أو سينما سيرتا، أعقد جزء في المشروع بسبب الخراب شبه الكلي الذي طاله بسبب حريق نشب فيه، ما لم يترك أي نموذج ملموس أو صورة حتى لشكل تصميمه السابق أو طبيعة الألوان التي كانت مستخدمة لطلائه، و ما تطلب دراسة معمقة و بحث اعتمد على مسح عينات من الدعامات المتهاوية و تحليل أجزاء محترقة للوصول إلى النموذج السابق، عمل وصفته بالجبار.
ومع ذلك أكدت بأنها تمكنت بفضل بحثها المستمر، من إيجاد حلول بديلة و تقديم أساليب عمل جديدة لربح الوقت و تقليص النفقات، استحق كما قالت احترام الشركات الأجنبية الاسبانية و الصينية العاملة على المشروع.
 دانا أكدت بأن ثاني مرحلة من عملية الترميم ، تأتي بعد الانتهاء من أشغال الطلاء و النحت و تركيب نماذج الجبس و ما إلى ذلك، و تخص تصميم الديكور الخاص ببهو الفندق و القاعات الرئيسية، وهو كذلك مجال تبرع فيه، حيث تشرف على ورشة خاصة لتصميم الأثاث الخشبي الفاخر ذو الطابع العربي الإسلامي، فضلا عن أشغال الرسم على الزجاج و الفسيفساء التي تتم بالتعاون مع حرفيين من تونس و المغرب.
نور الهدى طابي                                                                                                                                            

الرجوع إلى الأعلى