التأمين على الحياة و الممتلكات سوق راكدة لا تستهوي الجزائريين
يفتقر معظم الجزائريين لثقافة التأمين عموما، إذ يعتبرون التأمين على الحياة و الممتلكات و الأخطار من كماليات العيش، كما يدرجونه في خانة المحرمات، و يحصرون إقبالهم على هذه السوق، في تأمين سياراتهم بسبب ما تفرضه عليهم الإدارة، أما خلاف ذلك فالوازع الديني و الخوف من تأخر التعويض، جعلهم يتبنون تصورا مسبقا، رافضا لهذا المنتج الذي يعتبرونه خاصا بالمؤسسات و الشركات و أصحاب رؤوس الأموال، و ليس الأفراد.
80 بالمائة من معاملات سوق التأمين بقسنطينة خاصة بالسيارات
ثقافة التأمين بالرغم من أنها مسؤولية مشتركة، تعرف سوقها ازدهارا كبيرا في دول العالم بما في ذلك الدول العربية، إلا أنها لا تزال تجارة راكدة في الجزائر، يعد زبائنها على رؤوس الأصابع، إذ يشكل التأمين على السيارات 80 بالمائة من نسبة معاملات التأمين بالعديد من الوكالات، حسب ما أكده مسؤول مصلحة التأمين و الحوادث على مستوى وكالة الشركة الوطنية للتأمين و إعادة التأمين بقسنطينة، نجيب عبد الرحمان.
المتحدث أشار إلى أن معدل عقود تأمين السيارات التي تبرمها الوكالة يوميا مع زبائنها هو 20 عقدا ،بالمقابل يبقى التأمين على الحياة جد محدود ،و لا تتعدى نسبة معاملاته1 بالمائة، أما التأمين على الممتلكات فيعرف نوعا من الإقبال، من طرف أصحاب المؤسسات و المحلات التجارية و حتى ملاك المنازل، خصوصا ما تعلق بشق التأمين ضد الكوارث الطبيعية و الحرائق.
إن غالبية الجزائريين يعتقدون بأن تكاليف التأمين جد باهظة، ما يعد خطأ ،حسب محدثنا، كونها سوقا في متناول الجميع، فعلى سيبل المثال ، لا تربو قيمة التأمين السنوي على الحياة 2000 دج، مقابل 2000 دج أسبوعيا ،كقيمة للتأمين على الحياة في حال السفر، أما التأمين ضد الكوارث، فيحدد حسب مساحة الممتلكات، فملكية بقيمة مائة مليون سنتيم تؤمن سنويا بحوالي 5000 دج، أما التأمين على النقل فيكلف 4000 دج في العام.
و بالرغم من تأكيدات الاتحاد العام لشركات التأمين في الجزائر، بأن رقم أعمال السوق قد ارتفع خلال سنة 2013 ليبلغ 20 بالمائة، إلا أن النسبة الأكبر للزبائن تبقى منحصرة في المؤسسات الاقتصادية و الشركات الأجنبية  و أصحاب الحرف، إذ أوضح نجيب بن عبد الرحمان، بأن وكالته لم تسجل أي رقم أعمال يذكر في ما يخص التأمين على الحياة سنة 2015، فيما بلغ رقم أعمال شق التأمين على الممتلكات 600 مليون سنيتم، أما التأمين على السيارات فتجاوز مليار و 400 مليون سنتيم.
الوازع الديني  وضعف الدخل وراء غياب ثقافة التأمين على الحياة و الممتلكات
حسب المتحدث ،فإن غالبية زبائن الوكالة يقصدونها فقط لتأمين سياراتهم ،حيث تتراوح أعمارهم عموما بين 20 الى 50 سنة، معظمهم يفتقرون لثقافة التأمين، بسبب ضعف الإعلام في هذا المجال، فضلا عن قناعتهم المسبقة بأن التأمين يعد من كماليات العيش، لأنه بمثابة مصروف إضافي يثقل نفقاتهم، فيقبلون عليه فقط كإجراء تتطلبه بعض المعاملات الإدارية.
أما السبب الرئيس وراء رفض المواطنين لخدمات التأمين على الحياة، فيرجع الى اعتقادهم المطلق بأن هذا التأمين حرام ، فالدين الإسلامي ،حسبهم، لا يجيز هذا النوع من التعاملات المالية، بما في ذلك التأمين على الممتلكات كالمنازل و المحلات ، كونه إجراء يدخل  في إطار الأحكام الغيبية و التنبؤ بالمستقبل، وهو ما يجعل الإقبال على مثل هكذا سلعة بمثابة خطيئة.
أما المحلل الاقتصادي شهاب جمعاوي، فيرى بأن ضعف المستوى المعيشي للمواطن، وضعف الدخل، وراء محدودية الإقبال على الأسواق الخدماتية عموما بالجزائر، بما في ذلك سوق التأمينات، فضلا عن أن مشكل المماطلة لمدة 9 أشهر أحيانا، في تعويض الزبائن عند وقوع الحوادث، دفع بالمواطن إلى فقدان الثقة في شركات التأمين بالرغم من أن الجانب القانوني لا يطرح أية عائق.
و بهذا الخصوص ، أوضح ممثل الشركة الوطنية للتأمين و إعادة التأمين» كار»، بأن وكالته تحصي ما يعادل 20 قضية قانونية في السنة، من أصل حوالي 1300 تصريح بالحوادث، يرفعها ضد شركته ، مؤمنون في حالات تأخر التعويض بعد تسجيل حوادث السير، علما أن القضاء سرعان ما يفصل فيها ببراءة الشركة،حسبه، لأن المؤمنين يرتبطون بعقود مع وكالات تأمين خاصة، تكون هي المسؤولة عن تأخر الدفع، فيما تلعب شركة التأمين الوطنية دور الوسيط فقط بين المؤمن و الوكالات، هذه الأخيرة التي قال بأنها لم تسدد مستحقاتها العالقة لدى « كار» منذ سنة 2013.
الخبير الاقتصادي ، أشار من جهة ثانية، إلى وجود مشكل إعلام و اتصال حقيقي، في هذا المجال، مطالبا شركات التأمين بإعادة النظر في سياستها المنتهجة لاسيما الاتصالية منها، قصد تعزيز الثقة بينها وبين الزبون، فضلا عن العمل على تحسين الخدمات وإعادة النظر في مدة التأمين، مضيفا بأن هذا المنتج يباع ولا يشترى في الجزائر ، ما يتطلب عملا معمقا لترسيخ ثقافة التأمين و نشرها داخل المجتمع، من خلال تلقينها للتلاميذ بالمدارس، على غرار ماهو معمول به في كبريات الدول الأوروبية.
أما من ناحية النجاعة الاقتصادية ، فإن سوق التأمين في الجزائر لا تزال عذراء و بحاجة لاستثمارات أكبر ، بالرغم من أن إحصائيات المجلس الوطني للتأمينات تؤكد ارتفاع رقم أعمال السوق الجزائرية للتأمينات من 44 مليار دولار سنة 2006  ، إلى 126 مليار دولار سنة 2014.
قوة القانون و حرب الشوارع تفرض عقود التأمين على الجزائريين
في جولة عبر بعض وكالات التأمين بقسنطينة ،قمنا بسبر آراء مجموعة من  المواطنين ، فاكتشفنا  نفورا شبه تام لمعظم المواطنين من التأمين، و بالأخص التأمين على الحياة، الذي يعد ضربا من الشرك  بالله ،كما عبر البعض.
وحسب من تحدثنا إليهم، فإن التأمين يعد منتوجا ثانويا، لا يدخل في صلب اهتماماتهم، ما عدا ما تعلق بالتأمين على السيارات، أما التأمين على الممتلكات و حتى الحياة،  في بعض الحالات، فيكون أمرا مفروضا من قبل الإدارة، كون وثيقة التأمين تعد ضرورية  في حالات السفر كالعمرة مثلا، أو عند طلب قروض بنكية، أو عند شراء منزل أو محل جديد، لذلك يجد المؤمنون أنفسهم مجبرين على طلب خدمة التأمين بقوة القانون، و ليس طواعية.
 وفي  وقت اتفق الجميع على أن التأمين على الحياة لا يجوز شرعا، فإن التأمين على الممتلكات كان محل خلاف بين البعض، فمنهم من اعتبر بأنه ضرورة باتت تفرض نفسها، لتجنب الخسارة، في حالات الحرائق أو السرقة أو التخريب، الناتج عن تصاعد موجة الاحتجاجات الشعبية و حرب الشوارع، أما الباقون فاعتبروا بأن التأمين على الممتلكات و مختلف المخاطر، إجراء غير ضروري لأن الدولة تتكفل عادة بـتعويض المتضررين في حالات الكوارث الطبيعية وما شابه.
•  الدكتور كمال العرفي أستاذ بكلية الشريعة و الاقتصاد بجامعة قسنطينة
التأمين على الحياة محل اختلاف فقهي لكن هناك من أجازه
أكد الدكتور بكلية الشريعة و الاقتصاد بجامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة، كمال العرفي، وجود اختلاف فقهي حول قضية التأمين، مشيرا إلى وجود العديد من الدراسات و الاجتهادات التي أخذت هذا الموضوع بعين الاعتبار، حيث أجمعت أكثر المجامع الفقهية على تحريم التأمين التجاري الاختياري، كالتأمين على الحياة و الممتلكات، مقابل إجازة التأمين التعاوني، الذي يفرضه القانون كالضمان الاجتماعي مثلا.
و بين بأن الاجتهاد في هذا المجال، خلق نوعا من التضارب في المواقف، فهنالك من اعتبروا بأن التأمين التجاري المفروض من قبل القانون أو الإدارة كالتأمين على السيارات و حتى الممتلكات أمر مقبول لا يندرج في خانة التحريم و أبرزهم ،كما قال، الشيخ مصطفى الدرقاء، صاحب كتاب نظام التأمين في الشريعة و مدخل الفقه العام.
أما سبب تحريم التأمين على الحياة، فيعود كما أضاف، إلى مشكل عدم الفهم، و تناقض هذا النوع من المنتجات مع الجانب العقائدي، ودخوله في شق التأمين على ما هو غيبي،ما يعتبر نوعا من الشرك، مع ذلك لا يزال هنالك اجتهاد كبير في هذا المجال، من قبل العديد من الهيئات العلمية الإسلامية التي تدرس القضايا الاقتصادية  للمصارف و البنوك و المؤسسات المالية، وقد ذهبت بعض هذه الهيئات ،كما أكد ،إلى القول بجواز التأمين على الحياة مع ربطه بشرط الضرورة القصوى، و أبرزها وهو مصرف الراجحي السعودي .
نور الهدى طابي  

الرجوع إلى الأعلى