استقطبت جامعة منتوري بقسنطينة، الاهتمام منذ تدشينها في نهاية الستينات، بفضل تصميمها المعماري العصري المتميّز، الذي وقعه المهندس البرازيلي الشهير أوسكار نيماير، و بقيت إلى غاية اليوم قبلة للمهتمين بالتحف المعمارية الجذابة، لخصوصية تصميمها المستوحى من الأدوات الأساسية للدراسة كالكتاب و القلم
و المحبرة و المبراة، مما منحها منظرا خارجيا فريدا من نوعه في العالم، و جعل منها صرحا علميا بسجل حافل بأسماء نوابغ في مختلف المجالات، مروا ذات يوم من هناك.
جامعة منتوري تمتاز عن غيرها من الجامعات الجزائرية، بعمارتها الحديثة الحاملة لبصمة أحد أكبر مهندسي القرن العشرين و صاحب تصاميم أشهر المنشآت العالمية كمبنى هيئة الأمم المتحدة بنيويورك، و مئات التحف المعمارية الحديثة الأخرى  فكان لجامعة قسنطينة حظ البروز بقائمة منجزات نيماير الخالدة، مما منحها مكانة تجاوزت الحدود الجزائرية، فضلا عما جادت به كصرح علمي من أسماء لشخصيات علمية و فكرية و أدبية، تعلّمت أو درست بها.
البرج الأول و الوحيد بالجامعات الجزائرية
  برج الجامعة الذي يعد الأول و الوحيد بالجامعات الجزائرية و إفريقيا، تحوّل إلى معلم بارز بقسنطينة، خاصة و أنه يبدو من بعيد و هو يناطح السحاب، مما يبعث على الفضول و رغبة رؤية المكان من أعلى و هو ما كان يفعله الطلبة الجدد منذ سنوات خلت، حيث كانوا يتفننون في إيجاد الحجج لأجل الصعود إلى طوابقه العليا، سيّما الطابقين الـ16و 17،لأجل التمتع ببانوراما قسنطينة التي حظيت جامعتها الواقعة على الطريق الرابط بين مطار محمد بوضياف و وسط المدينة بشرف تخليدها كمعلم علمي من خلال طبع صورة برجها على الورقة النقدية من فئة 200دج.
جامعة منتوري التي وضع الرئيس الراحل هواري بومدين حجر أساسها يوم 29مارس 1968تحوّلت إلى منشآة للدراسات العليا.و بعد أن كانت مجرّد فرع أصبحت جامعة عصرية متعددة التخصصات، تحصلت على شهادة ميلادها في جوان 1969، علما و أن قسنطينة كانت حاضنة لأحد أهم مركزين جامعيين شيّدهما المستعمر الفرنسي، بكل من مدينة الصخر العتيق و وهران،  باعتبار المدينة كانت توّفر لطلبة العلم حق متابعة الدراسات العليا منذ 1958، بفرع تابع لكلية الحقوق بجامعة العاصمة و الذي كان مقره بالجامعة الشعبية المعروفة اليوم بالمركز الثقافي ابن باديس، قبل أن تتغيّر الأمور بفتح مركز جامعي يشمل أربع وحدات بيداغوجية هي مدرسة الطب و الصيدلة بقلب المستشفى الجامعي، و كلية الآداب بالمدرسة، و الكلية العلمية الواقعة بمركز التكوين المهني بالمنظر الجميل و كذا الدراسات القانونية بالجامعة الشعبية.
العدد المحدود للطلبة الجامعيين آنذاك، لم يحمس السلطات حتى بعد السنوات الأولى من الاستقلال، إلى فتح منشآت أكبر، إلى غاية 1968، أين قامت وزارة التعليم العالي و على رأسها الراحل محمد الصديق بن يحيى، باتخاذ قرار بناء جامعة قسنطينة و التي أسندت مهمة تصميم مشروعها إلى المهندس المعماري الفذ البرازيلي أوسكار نيماير، فأبدع في رسم تصميمها، الذي تم تجسيده على مساحة 140ألف متر مربع و بطاقة استيعاب وصلت إلى 4000مقعد بيداغوجي، و أربع قاعات محاضرة، التهمت ما يزيد عن 11ألف و 400 متر مكعب من الاسمنت.
و كان أول من عيّن على رأس جامعة قسنطينة العميد عمار بن دالي، فيما أشرف على متابعة ورشة تجسيد المشروع التي أسندت إلى الشركة العمومية، إيكوتيك، المسؤول  زواغي سليمان، حيث تم فتح الجامعة لاستقبال أول دفعة في السنة الدراسية 1969 و 1970، وسط دهشة الطلبة و الأساتذة و الزوار الذين جاءوا من كل حدب و صوب لرؤية هذا الصرح المعماري المجسد لقاعة المحاضرات في شكل كتاب مفتوح و مكتبة في شكل مبراة، تتكون من قاعة كبيرة للمطالعة في الطابق الأرضي، أما الطابق تحت الأرض فقد خصص للمخازن ومقرات إدارة المكتبة، كما تتوسطهما ثلاث محابر و قلم، بالإضافة إلى أول برج و الوحيد في الجامعة الجزائرية إلى يومنا هذا، و الذي يتكوّن من 23طابقا مخصصا للمصالح الإدارية، ناهيك عن عمارة الآداب التي تشمل أربعة مدرجات لتقديم المحاضرات و أكثر من 100قاعة مخصصة للأعمال الموّجهة و التطبيقية، تعاني أكثرها من مشاكل في الكتامة رغم عمليات إعادة الترميم، فيما تشمل عمارة العلوم 13مدرجا للمحاضرات و 10مخابر علمية لإجراء التطبيقات في مواد الكيمياء و الفيزياء و البيولوجيا.
من فضاء للعلم إلى  فضاء للتنزه
تأسيس جامعة عصرية بمعايير عالمية، دعم مكانة مدينة العلم و الثقافة قسنطينة  و زاد من شهرتها، ليس في أوساط طالبي العلم فحسب، بل حتى المواطنين العاديين الذين كانوا و إلى وقت قريب يتنقلون إليها لأجل التجوّل بين فضاءاتها الخضراء، خاصة الشباب الباحثين عن المغامرات العاطفية و فرص التعارف، حيث اشتهر محيط عمارتيها العلمية و الأدبية و بشكل خاص الجهة الخلفية كفضاء للقاء، كما التصقت ببعض أركانها تسميات طريفة تترجم واقع طلبة لا يقصدون المكان لأجل الدراسة و إنما لأجل الراحة و الاستمتاع بأشعة الشمس، سيّما على المقاعد الإسمنتية التي تحيط بالمكتبة المركزية و التي كان يطلق عليها الطلبة السابقون صفة» برج الشغلة و التوقاب « فيما يطلق عليها طلبة اليوم اسم «السكانير»إشارة إلى عادة رمق المارة و مراقبتهم، و نفس الشيء يعرفه محيط قاعة المحاضرات التي حملت فيما بعد اسم الصديق بن يحيى و كذا محيط المطعم الجامعي الذي يتذكر الكثيرون شاي «عمي حشحوش» الذي يسرع الكثيرون لاقتنائه و ارتشافه بمجرّد خروجهم من المطعم بعد وقوفهم للحظات طويلة في طوابير عريضة، لأجل الفوز بوجبة لا يزيد سعرها عن «مائة و ربعة دورو» بالعملة السابقة.
الجامعة التي كانت و لا زالت تستقطب عشاق التقاط الصور التذكارية، لا سيّما أمام محبراتها التي لم جفت مياهها منذ سنوات دون أن يتم إعادة تشغيلها،عرفت بين سنتي 1969 و1972ميلاد خمس كليات هي كلية الآداب و العلوم الإنسانية، القانون، العلوم الإدارية و العلوم الاقتصادية، الطب و العلوم الدقيقة و البيولوجيا قبل إعلان الإصلاحات على مستوى قطاع التعليم العالي و الذي استمر بين سنتي 1973 و 1978و الذي نجم عنه خلق 12معهدا موزعة كالتالي معهد الحقوق و العلوم الإدارية، العلوم الاقتصادية، العلوم الاجتماعية، الآداب و الثقافة العربية، البيولوجيا، الطب، الرياضيات، الفيزياء، الكيمياء و علوم الأرض، و الهندسة المعمارية، العمران و البناء و كلها كانت تابعة إداريا للجامعة المركزية، و أغلبها كانت واقعة في نفس الحرم الجامعي، إلى غاية 1979 و1985 الفترة التي شهدت تطوّر عدد من منشآت منها منشأة زواغي سليمان التي استقبلت معهد علوم الأرض و المعهد الوطني للتغذية و التكنولوجية الغذائية، و هي نفس الفترة التي عرفت إنشاء معهد الطب بحي الصنوبر»شالي دي بان»، فيما تم نقل معهد الهندسة المعمارية مع خلق معهد الهندسة المدنية و الالكترونيك بمجمع أحمد حماني، أما بين سنتي 1990 و1995فقد تم تطوير معاهد أخرى منها بحي لخضر كحيل أين كان مقر مركز التكوين الإداري، حيث تم نقل تخصصات العلوم الاجتماعية و العلوم المكتبية و كذا علم النفس و علوم التربية، أما بحي شعاب الرصاص، فقد تم فتح معاهد التكنولوجيا و العلوم الدقيقة و الهندسة الميكانيكية و الكيمياء الصناعية، أما معهد البيطرة فأنشئ له معهدا ببلدية الخروب.
تسربات المياه و مشاكل الكتامة تقلص عمر تحفة نيماير
جامعة قسنطينة التي حملت اسم منتوري عام 1997، حافظت على نمطها المعماري الخاص و الفريد الذي يأتي الكثير من الزوار من مختلف مناطق الوطن و حتى من الخارج للاطلاع على إبداع أشهر المهندسين المعماريين نيماير الذي أضاف اسم قسنطينة إلى قائمة المدن الحاملة للبصمة المعمارية العصرية و الدولية و التي للأسف تعرّضت للتدهور، و لا زالت إلى يومنا هذا كمبنى عمارة الآداب، التي تعاني من مشاكل الكتامة التي شوهت أسقف حجراتها و أروقتها التي رغم إعادة تهيئة أرضيتها بغطاء بلاستيكي «جيرفليكس»، لم تتخلّص من برك الماء التي تسببها تسربات المياه.
رئيس جامعة منتوري عبد الحميد جكون، الذي وصف الجامعة بواحة برازيلية  أبدع مهندس عالمي «نيماير» في رسمها، اعتبر عمليات الترميم و الصيانة التي تحرص مصلحة الوسائل العامة و الصيانة على تجسيدها من حين إلى آخر، للحفاظ على هذه التحفة المعمارية، غير كافية مرجعا السبب إلى نقص الإمكانيات المادية، مقارنة بحجم التدهور المسجل بمختلف البنايات، مؤكدا بأن عمليات الترميم، وفق المعايير المقتضاة، تتطلب ميزانية ضخمة، تعجز الإدارة عن توفيرها من ميزانيتها السنوية، مشيرا إلى ضرورة الاستعانة بمكاتب ترميم متخصصة و خبراء في الهندسة المعمارية، و تخصصات أخرى كفيلة بإيجاد حلول لمشاكل تسربات المياه التي قد تقلّص عمر العمارة مهما كانت جودتها.  أما عن عدم احترام و استغلال ذات النمط المعماري الذي بنيت عليه جامعة منتوري، في مشاريع توسيع المنشآت، داخل الحرم  كمنشأة تيجاني هدام التي دشنت بين 2000-2001 و خصصت لكلية الحقوق وكلية العلوم الاقتصادية و التسيير، قال محدثنا بأن تصميم بناية الحقوق لا يخل بالمنظر العام للنمط المعماري القديم للجامعة لما يحمله من لمسة عصرية و محلية جميلة، مؤكدا بأن الجامعة في أحسن حال و ستبقى معلما للأجيال القادمة، و هو ما يعملون لأجله من خلال تخفيف الضغط على منشأة بنيت لـ4ألاف طالب، لكنها تجاوزت قدرة استيعابها عشرات الأضعاف في السنوات الماضية حيث وصل عدد الطلبة إلى أكثر من 30ألف طالب.
وزراء و أدباء و نواب برلمان مروا من هنا
سجل جامعة منتوري مليء بأسماء الأساتذة و الطلبة الذين نجحوا في صنع اسما لامعا لهم في سماء السياسة و الأدب، و الكثيرون يذكرون أسماء الأساتذة المشارقة و الهنديين و الأجانب الذين كان لهم الأثر الكبير في تسطير مستقبلهم العلمي و إنارة دربهم، و من الصعب اختيار أسماء دون أخرى لأن لكل مكانته في مجال من مجالات الفكر و السياسة و الإبداع الأدبي، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الدكتور عمار الدسوقي، علي عبد الوافي، نبيه حجاب، المؤرخ طليمات، الشيخ الفقيه أحمد حماني، و الوزير أبو جرة سلطاني و مستشار رئيس الجمهورية علي بوغازي و أعضاء مجلس الأمة لمين شريط و بوزيد لزهاري و الباحث عبد الله حمادي و الناقد طاهر غوالمية و صالح خديش و الكثير من الشعراء و الأدباء.
مريم/ب

الرجوع إلى الأعلى