بحيرة طونقة.. قطعة من الجنة
يتداول صورها البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي على أنها ملتقطة بمنطقة ساحرة بتايلندا، لكنها في الواقع قطعة من الفردوس حبا الله بلادنا بمناظرها الخلابة، تعرف ببحيرة طونقة الواقعة في أقصى الشمال الشرقي للحظيرة الوطنية للقالة، و التي تشهد تهافت عشاق الطبيعة من داخل و خارج الوطن، ممن لا يفوّت أكثرهم فرصة الاستمتاع بجولة بين نباتاتها المائية و سحر طيورها المتنوعة الأصناف،على متن قارب الدليل علي وعلي الملّقب بالتايلندي.
مريم بحشاشي
أول ما يجذب انتباه قاصدي البحيرة، قبل ولوج المدخل المسيّج للبحيرة، لوحة طبيعية غاية في الجمال، تزينها أسراب الطيور و الخيول بمختلف الألوان و قطيع البقر و هي ترعى في البراري، على ضفاف طونقة التي تعد فضاء طبيعيا خلابا، تم تصنيفها، حسب معاهدة "رامسار" ضمن المناطق الرطبة ذات الأهمية العالمية، و تمتد على مساحة تزيد عن 2600هكتار، يتمازج فيها ألوان الغطاء النباتي المائي المتنوّع بحركية الطيور المهاجرة، و أخرى اختارت الاستقرار بها، لما وجدته من ظروف ملائمة للاستيطان.
و رغم انخفاض منسوب مياه البحيرة في هذه الفترة الحارة، غير أن متعة التجوّل على متن قارب الدليل السياحي الهاوي علي وعلي،38 عاما، تبقى مغرية، لاستكشاف أغوار هذه البحيرة الفاتنة بنباتاتها المنتصبة فوق سطح مياهها العذبة و أوراقها الطائفة بين سيقان نباتات أخرى مغمورة في الأعماق، مثلما شرح لنا مرافقنا، الذي كان يبدو كخبير في مجال الطبيعة و الطيور، لما كسبه من معلومات بفضل احتكاكه المتواصل بالمختصين طيلة 15سنة، عمر احترافه هذا النشاط المتميّز و الذي بدأه من باب الهواية، عشقا للطبيعة التي كبر بين أحضانها في مسقط رأسه طونقة.

قارب التايلاندي ورحلة بين زنبق الماء و قصب السمار
عن سر كنيته ب"التايلندي، قال مرافقنا أنها التصقت به منذ صغره نظرا لملامحه الآسيوية، سواء من حيث حجم و شكل العينين و نعومة الشعر و لونه و قامته، فضلا عن احترافه نشاط التجوال بالسياح في مياه البحيرة على متن زورق، يتم دفعه باستعمال عصا يزيد طولها عن ثلاثة أمتار، صالحة لكل الفترات حتى عند ارتفاع المنسوب المائي في فصلي الخريف و الشتاء، و هي الفترة التي تبسط فيها البحيرة جناح غطائها المائي لتعانق محيطها الغابي بمشجرة طونقة الشاسعة و تغمر أشجارها الوارفة و المتشابكة بنسمات مياهها المتلوّنة، بألوان نباتاتها الجذابة بين لون زنبق الماء الأبيض، و السرو الأقرع و نبتة النفلة و "مارسيليا دي فيزا"النادرة، التي تعد، حسب التايلندي، نبتة جالبة للحظ، و كذا السرخس بكل أنواعه و قصب السمار الطويل الذي يحجب الرؤية، و يجعل المتجوّل يشعر و كأنه في مكان معزول، وسط هدوء تام تكسره بين الفينة و الأخرى نقنقة دجاجة السلطان و أصوات الطيور الأخرى، خاصة من أصناف الغريات التي تملأ المكان، مما يزيد رغبة المتجوّل في رؤية و اكتشاف المزيد من هذه الكائنات المتميّزة و الفريدة و يدخله في حالة تأمل واسعة، يتمنى لو أنها تستمر بضع ساعات، خاصة و أن أشعة الشمس لا يكاد يكون لها تأثير على المتجولين، حتى في فترة القيلولة، لارتفاع أحجام أنواع عديدة من النباتات و بشكل خاص قصب السمار، فضلا عن نسمات المياه العذبة بهذه البحيرة التي تشكل نظاما بيئيا و بساطا طبيعيا غاية في الجمال.
و تحدث علي، المشرف بمعية شقيقه، على نشاط النزهة في القوارب ببحيرة طونقة عن التوافد الكبير لطلبة علم البيولوجيا و البيئة، و كذا المختصين في علم الطيور، فضلا عن السياح من داخل و خارج الوطن و بشكل خاص من أوروبا، خاصة و أن بحيرة طونقة تعتبر ثالث منطقة رطبة بالعالم، و يطمح علي إلى توسيع نشاطه في مجال السياحة البيئية، لأهميته في استقطاب السياح الأجانب، خاصة عند ارتفاع منسوب المياه و اتساع مساحة التجوال بالمحيط المائي، حيث يتمكن الزائر من الاستمتاع بسحر الطبيعة في كل تجلياتها و هي تغيّر ألوان ثيابها من فصل إلى آخر بين الحمرة في الشتاء  و خضرة في الربيع و أصفر ذهبي في الصيف.

الرجوع إلى الأعلى