نبش حاويات القمامة مشكلة تهدد الصحة العمومية بقسنطينة
أصبحت نقاط جمع القمامة على مستوى الأحياء السكنية تشكل هاجسا لدى السكان، بسبب نبش أشخاص الأكياس المرمية داخل الحاويات، لجمع المواد المعاد تدويرها، ما يؤدي إلى تبعثر النفايات على مساحة كبيرة، وانتشار الروائح الكريهة والحشرات، وهو ما يتسبب حسب مختصين في علم الأوبئة وخبراء في البيئة في تفشي الأوبئة وأمراض جلدية وتنفسية الخطيرة.

روبورتاج / إيناس كبير

قمنا بجولة بعدة أحياء سكنية متواجدة ببلديتي الخروب وعين سمارة، أين وقفنا على وضعية نقاط جمع النفايات التي تشوه الطابع العمراني، بفعل سلوكيات غير حضارية صادرة عن أشخاص، يجدون في حاويات القمامة، ما يحقق لهم دخلا ماديا، من خلال جمع قارورات بلاستيكية، ألبسة وعلب كارتونية، وغيرها من المواد القابلة للرسكلة، بعد تمزيق الأكياس وبعثرة النفايات التي بداخلها.
سلوك غير حضاري يشوّه النسيج العمراني
 وقد أخبرنا السكان الذين تطل شرفاتهم على نقاط الرمي، بأن الأشخاص الذين يتخذون من هذه الممارسة مهنة، تختلف أعمارهم، لكن الكهول هم الأكثر عبثا بالحاويات، الذين يفضلون جمع الملابس وعلب الكارتون، فيما يفضل الشباب جمع قارورات البلاستيك.
كما أعلمونا، بأن نشاط هؤلاء داخل الحي يزيد خصوصا يوم الجمعة أثناء نقص الحركة، بينما يظهرون في باقي أيام الأسبوع خلال فترات متقطعة، وأخبرتنا إحدى القاطنات بالحي نفسه بأن هؤلاء الأشخاص يترصدون أصحاب السيارات الفاخرة، عند رمي أكياس القمامة داخل الحاويات ويتسابقون للظفر بها، لجزمهم بأنها تحوي ما يحتاجونه، مردفة بأن هذا السلوك الذي يعد اعتداء على الفضاء العام، تسبب في نشوب مناوشات كثيرة، بين المعتدين والسكان، خاصة في حالات يجبر فيها جامعو البلاستيك الأشخاص على ترك الكيس على الرصيف بدل رميه داخل الحاوية.
وقد عرضنا هذا الوضع على مختصين وأطباء في الصحة العمومية، الذين أخبرونا بأن هذه الظاهرة شوهت المظهر العام للمدن والشوارع، وأصبحت تهدد صحة الإنسان تهديدا مباشرا، نتيجة انتشار الروائح الكريهة والبكتيريا والحشرات.
سمية بوحوش مكلفة بالصحة وحماية البيئة ببلدية قسنطينة
الردع وسيلة لمنع كل من يجمع البلاستيك بغير رخصة
قالت نائب رئيس المجلس الشعبي لبلدية قسنطينة المكلفة بالصحة والتطهير وحماية البيئة والصيانة والوسائل العامة، سمية بوحوش، بأن هذه الممارسة خلقت عدة مشاكل بيئية وأخرى اجتماعية، خصوصا المناوشات العنيفة التي تحصل بين سكان الأحياء وهذه الفئة، التي تتسبب في تلويث المحيط الذي يعيشون فيه.
وأوضحت، بوحوش بأن البلدية وضعت قرارا يمنع هذه الممارسات غير القانونية، تبعه قرار آخر لرئيس المجلس الولائي بقسنطينة، جاء فيه أمر بحجز المركبات التي تشتري الخردوات والقارورات البلاستيكية، مشيرة إلى أن البلدية قامت بوضع حاويات في منطقتي بومرزوق و ميموزة، خُصصت لرمي البلاستيك، كما ستعمم في باقي الأحياء، مما سيساهم في التقليل من انتشار هذه الظاهرة، وفقا لها.
من جهة أخرى قالت بوحوش، بأن عملية بيع البلاستيك يجب أن تكون منظمة ومؤطرة من اللجنة المسؤولة عن الحي، التي توظف المال الناتج عن عملية البيع في تنظيف الحي وإنجاز الأشغال التي يحتاجها.
عبد المجيد سبيح رئيس جمعية حماية البيئة
غياب ثقافة الفرز المنزلي فاقم الوضع
من جهته قال رئيس جمعية حماية البيئة، عبد المجيد سبيح، بأن تصرفات بعض المواطنين أيضا شاركت في خلق هذا السلوك، ذاكرا عدم احترام توقيت مرور شاحنة المؤسسة العمومية لجمع النفايات، مردفا بأن السكان في المناطق العمرانية يرمون نفاياتهم المنزلية في كل وقت.
ووفقا لما جاء في حديثه، فإن غياب ثقافة الفرز المنزلي أيضا أزمت الوضع، حيث يجمع الناس النفايات بمختلف أنواعها سواء أقمشة، أو بقايا الطعام والبلاستيك في كيس واحد، الأمر الذي يجذب الباحثين عن مقابل مادي زهيد، حتى وإن كان على حساب النظافة وسلامتهم الصحية، خصوصا وأن هذه العملية يشارك فيها أطفال مقابل سعر رمزي،
وقال سبيح بأن هذه الممارسة تشكل خطورة كبيرة عليهم، خصوصا من ناحية المواد التي لا يعرفون كيفية التعامل معها، أو يجهلون السوائل التي كانت محفوظة داخل القارورات، مثل مواد التنظيف، والمواد الكيميائية "كالأسيد"، التي من شأنها أن تسبب لهم أمراضا جلدية وتقرحات خصوصا وأنهم لا يرتدون قفازات أو ملابس خاصة تحميهم عند جمعها.
فإلى جانب عدم احترام جامعي المواد القابلة للرسكلة، إجراءات الأمن الصحية والبيئية، فإن هذا النشاط غير منظم ولا يخضع لدفتر الشروط ،فضلا عن أنه يتم بطريقة غير قانونية، وفي هذا السياق قال سبيح بأنه توجد ولايات بدأت بتنظيم هذه العملية، وذلك باتفاق الأشخاص الذين يقومون ببيع البلاستيك بطريقة قانونية مع نقاط جمع والأماكن التي يكثر استخدام القارورات بها، لاسيما على مستوى الجامعات، والمطاعم، والمقاهي فضلا عن الملاعب إذ يقومون بفرز النفايات وفصل المواد القابلة للتدوير، ثم توفيرها لهم بطريقة منظمة ومرخصة.
ومن جملة الحلول التي طرحها رئيس جمعية حماية البيئة، إنشاء مؤسسات مصغرة تنشط بطريقة قانونية، على مستوى البلديات والولايات يُرخص لها جمع البلاستيك، فضلا عن التعامل بشكل مباشر مع الوكالة الوطنية للنفايات، لإعلام المؤسسات الخاصة بالرسكلة بتوفر كميات البلاستيك التي يحتاجونها، فضلا عن نقل الفائض إلى مؤسسات تنشط في ولايات أخرى للمساهمة في خلق استثمار وطني في هذا المجال.
كما أكد سبيح، على أهمية التكوين في مجال الرسكلة حتى يتعرف الأشخاص على طرق التعامل مع كل أنواع البلاستيك، وتنظيم أيام تحسيسية لكل أفراد المجتمع ليتحصلوا على معلومات تمكنهم من إدراك أهمية هذه المادة، إذا تم التعامل معها بأسلوب صحيح لا يضر البيئة.

الدكتور محمد كواش طبيب مختص في الصحة العمومية
أمراض جلدية وتنفسية تهدّد الصحة العامة
من جانبه قال الدكتور والطبيب المختص في الصحة العمومية، محمد كواش، بأن الأشخاص العاديين الذي يقومون بنبش الحاويات يجهلون المخاطر التي تنجر عن هذه العملية، خصوصا وأنها تعد جد خطيرة، من ناحية الصحة العمومية، لهذا فهي من صلاحيات مؤسسات خاصة أو عمومية.
كما أشار الدكتور، إلى المخاطر الصحية التي تهدد سلامة ممارسي هذا النشاط الذين يجمعون النفايات بطرق غير منظمة، بسبب غياب الإجراءات الوقائية ووسائل الأمن لاسيما الألبسة الخاصة مثل القفازات والأقنعة.
 ومن جملة الأمراض التي تهدد صحتهم، ذكر الدكتور الأمراض الجلدية التي قد تصل إلى حد الإصابة بمرض سرطان الجلد، أمراض تنفسية وحساسية بسبب الروائح المستنشقة التي تزعج السكان أيضا أثناء حرق النفايات التي يبعثرونها على الأرض، ويكون الدخان المنبعث منها سببا في الإصابة بالربو، مرض السل، وسرطان الرئة.
كما طرح  الدكتور كواش فرضية تعرضهم للخدوش أو العض من طرف الحيوانات المفترسة الضالة، مثل التعرض لداء الكلب، واحتمالية إصابتهم بجروح خطيرة أثناء تواجدهم في محيط مكب النفايات بسبب تعاملهم بخشونة مع المواد الحادة والزجاج، فضلا عن لدغات الحشرات التي تنقل لهم أمراضا معدية، وتصيبهم بحساسية الجلد.
واعتبر المختص بأن انتشار النفايات الصحية في محيط المخابر والعيادات الطبية، وجمعها بطرق عشوائية هو أخطر ما قد يتعرض له هؤلاء الأشخاص، مضيفا بأنه يجب التعامل مع الحقن وقطع الزجاج فضلا عن بقايا المنتجات الكيميائية، وعينات الدم البشرية بعناية والتخلص منها بشكل صحي ووقائي.
 كما يؤدي انتشار القمامة في الشوارع والطرقات، وفقا لما شرحه، إلى تشكل برك مائية ملوثة بالقرب من الأنهار والوديان، أثناء تساقط الأمطار تسبب انتشار البعوض والحشرات، ناهيك عن نقلها أمراضا معدية، مثل الكوليرا تيفوئيد.
من جهة أخرى، وضح كواش، بأن تراكم النفايات أمام البالوعات، وقنوات الصرف الصحي بسبب العبث في الحاويات وبعثرتها، قد يكون سببا في انسداد هذه الأخيرة الأمر الذي يؤدي إلى حدوث فيضانات وتشكل السيول في فصل الشتاء، فضلا عن اندلاع الحرائق في فصل الصيف خصوصا في حالة تواجد أشجار بالمنطقة.
وقال المتحدث، بأنه يمكن الاعتماد على تجارب ونماذج أثبتت نجاعتها، كإنشاء، حاويات أرضية تُستخرج بنظام الرفع الميكانيكي يصعب الوصول إليها وذلك للحد من هذه الظاهرة.                         إ.ك

الرجوع إلى الأعلى