الموضــــة تُحيــي حـرفــــة الحيّــاكـــــــة
أحيت الموضة حرفة الحياكة من جديد، و زادت الطلب على منتجاتها من مفروشات و قطع ديكور وملابس على وجه الخصوص، وهو ما أنعش تجارة الصوف وأعاد للدكاكين الصغيرة بوسط مدينة قسنطينة، زبائن كانوا قد انقطعوا عنها لسنوات، فخيوط الصوف امتدت مجددا لتجذب اهتمام حرفيات وجدن في مواقع التواصل بوابة لتصريف منتجاتهن، عن طريق المزج بين اللمسات التقليدية والإضافات العصرية التي تواكب الأذواق.

روبورتاج / أسماء بوقرن

يلاحظ المتصفح للحسابات التي تعنى بالموضة على مواقع التواصل، عودة قوية لكل ما تنتجه إبر الحياكة، فالملابس الصوفية وحتى المفروشات رائجة جدا، ونشاط الحرفيين في المجال كبير، حيث تشكل النساء أكبر فئة من المهتمات بالبيع و الشراء و من بينهن هناء، التي أنشأت مجموعة خاصة بها تروج لها بقوة على المنصات التفاعلية.
اختارت الشابة اسم «منار للكروشيه» لعلامتها، وقالت إنها حققت الانتشار بفضل براعتها في التسويق حيث تقصدها زبونات من كل الولايات، خصوصا  الأمهات و الحوامل لطلب أطقم خاصة بالمواليد الجدد أو الأطفال الصغار، و تضم التشكيلة الصوفية عدة قطع كما أوضحت، منها ملابس و سلال لجمع الأغراض، و أغطية صوفية و إكسسوارات أخرى، و تستهوي منتجاتها الشابات اللاتي يعشقن الموضة و يواكبنها، وهو ما زاد الاهتمام بالكنزات الصوفية هذه السنة، فسعر الكنزة الواحدة قد يصل كما قالت إلى 4 آلاف دج، أما الوشاح فيتوفر مقابل 1000إلى 2000دج، علما أن فارق الجودة كبير مقارنة بما يتوفر في المحلات، ناهيك عن أن الكنزة تحاك حسب الطلب و للزبونة حرية اختيار الألوان و التصميم.
بين التجارة والشغف خيط رفيع
لفتنا تنوع موديلات الألبسة الصوفية هذا الموسم، وذلك بفضل كثرة العرض و النشاط الكبير للحرفيات اللواتي يتفنن في إنجاز تصاميم مواكبة للموضة، حيث يعتمدن على موديلات رائجة ومطلوبة في السوق الافتراضية، لتلبية أذواق الزبونات.
قالت حرفية التقيناها في محل لبيع الصوف وأغراض الحياكة بحي رحبة الصوف، إنها نجحت في بعث حرفتها و اكتساب سمعة وزبائن، وذلك بفضل مواكبتها للموضة و تصاميمها و ألوانها، فالزبون يبحث حسبها، عن سترات وكنزات صوفية يدوية عالية الجودة بسعر في المتناول، وهي معادلة لا تتحقق في المحلات، لكن يمكن أن تحل بسهولة على أيدي حرفية بارعة، مشيرة إلى أن سعر الكنزة في المحل قد يصل إلى 7000دج، أي ما يعادل تكلفة حياكة كنزتين حسب الطلب.
وحسب المتحدثة، فإنها تتعامل مع زبائن من الجنسين، ومن مختلف الشرائح العمرية خصوصا الشباب أما أكثر ما هو رائج، فهي الكنزات الصوفية بأكمام أو بدونها وتكلف بالعموم مبلغ 3000دج، نجد أيضا الكنزات المغلقة أو المفتوحة، والفساتين الطويلة، كالفساتين الصوفية الفضفاضة بأكمام واسعة وياقة مرتفعة، والتي تعد موضة الموسم الشتوي، تطلبها الشابات بكثرة ويفضلن تنسيقها مع إكسسوارات متعددة الألوان، مؤكدة بأن ميزة الحياكة تكمن في ضمان الجودة و الدفء و الإتقان.
وقد أنعش هذا الطلب سوق خيوط الصوف وأعاد الحركية نوعا ما إلى الدكاكين القديمة، وهو ما شدنا خلال جولة بأزقة رحبة الصوف، أين قال التاجر فيصل، إن النشاط عاد هذا الموسم مع رواج الألبسة الصوفية و المفروشات من ذات الخامة، ناهيك عن بعض التفاصيل التي تستخدم للزينة كسلال القطط والرضع و غيرها، مشيرا إلى أن أطقم الرضع تعتبر من المنتجات الأكثر رواجا لأنها تأتي كتشكيلة تضم أكثر من قطعة واحدة، موضحا بأن اللمسة العصرية التي تضفيها الحرفيات الشابات على هذه المنتجات هي ما صنع الفارق، وقال إن هناك اهتماما متزايدا بتعلم الحرفة وهو ما لمسه من خلال تعامله الدائم مع زبوناته، فبينهن من يتعلمنها لغرض التجارة و هناك من يطلبن الحرفة كوسيلة للتسلية والإبداع و استغلال أوقات الفراغ.
ومن بين هؤلاء النسوة حورية، وهي ربة بيت قابلناها بذات المحل، أخبرتنا أنها عادت بعد التقاعد إلى ممارسة شغفها بالحياكة حيث تلف خيوط الصوف بحب لتحيك لأحفادها وأولادها كنزات وقفازات وملابس أخرى جميلة ودافئة، وقالت بأنها طورت مهارتها بفضل بعض الفيديوهات التعليمية المتوفرة على يوتيوب، وتعلمت تقنيات جديدة و أتقنت غرزا صعبة، مشيرة إلى أنها تتابع حرفيين عرب من تونس ومصر، إضافة إلى سيدات أشهرهن إسبانية وصفتها بالمبدعة، وقالت إنها الأفضل من حيث الأفكار العصرية، وقد ساعدتها دروسها على تصميم قطع جميلة باستعمال «الكروشيه»، ولأنها تنجز كل قطعة بحب فإن النتيجة تكون مبهرة دائما، ولذلك تتلقى طلبات من صديقات بناتها للحصول على كنزات و فساتين وتنانير صوفية مميزة لأطفالهن، لكنها عادة ما تعتذر بسبب التزاماتها العائلية ورفضها العمل مجددا بعدما بلغت مرحلة التقاعد، حيث تحيك لأجل المتعة و كسر الروتين.
في المقابل استغلت حرفيات انتعاش تجارة الصوف، لعرض منتجاتهن في المحلات، و نشر ملصقات حائطية تتضمن رقم الهاتف واسم الحرفية والخدمة التي تقدمها.
تحضيرات مبكرة للعيد
أخبرنا البائع فيصل، بأن نشاط بيع الصوف عرف ازدهارا كبيرا في السنتين الأخيرتين، وبالأخص هذا الشتاء، بعد سنوات من الركود الذي  تسبب في غلق غالبية محلات «زنقة مقيس»، مضيفا أن محله من الدكانين القليلة جدا التي قاومت رياح الصناعة، إذ استطاع التكيف بفضل تنويع العرض و توفير منتجات محلية وأجنبية، مع ضمان تعدد الألوان و تفاوت الأسعار، إذ يقصد الزبائن محله لأجل الصوف ولوازم الحياكة و للبحث عن حرفيين متمكنين كذلك، بعد أن كان الطلب عليهم شبه منعدم قبل الموسم الحالي، حيث يشكل عنوانه حلقة وصل بين الحرفيين و الزبائن، وهو ما نبهه إلى أهمية عرض بعض المنتجات الجاهزة كعينات وسلع متاحة لمن يطلبها أو لمن يريد الحصول على فكرة عامة حول ما هو متوفر من منتجات صوفية حديثة و عملية، وغالبا ما يأخذ مقاسات الزبائن و يدون ملاحظاتهم حول  التصميم و اللون، ثم يتواصل مع الحرفي مباشرة لتمرير الطلب الذي يجهز للزبون في مدة قصيرة.
أطلعنا التاجر خلال حديثنا إليه، على طلبيات جاهزة بينها فساتين صوفية للفتيات الصغيرات، قال إن أسعارها  تبدأ من 1200 دينار، كما كشف عن موديلات أخرى قال بأنها ستكون جاهزة للعيد، وأنها تتعلق بطلبيات قدمتها زبونات، منها أطقم كاملة و تنانير و كنزات صوفية و فساتين من الصوف والقماش، وعرض علينا بعض القطع الرائجة بشكل كبير، أما عن الأسعار فأوضح بأنها متفاوتة و تناسب الجميع ولا تتجاوز بالعموم 1000 إلى 2000دج.
و حسبه، فإن موضة الصوف شملت كذلك قطع الديكور والأغراض المنزلية، منها الغطاء الذي يزين الأرائك والسرير» بتصميم « 4 كا»، و الذي يكلف 30 ألف دينار، فضلا عن إطارات الصورة والأغطية التي تعتبر أكثر منتج تطلبه العرائس.
 ينطلق سعر كرة الصوف أو لفة الصوف « كبة» من 60 دج إلى 150 دج، و قد يتعدى ذلك إلى 350 و حتى  500 دج، حسب الجودة، علما أن هناك منتجا محليا وآخر مستوردا من تركيا، موضحا بأن حياكة وشاح بسيط واحد تتطلب ثلاث لفات من خيوط الصوف سعرها الإجمالي 1500 دج،  فيما يكلف صوف الكنزة 4 آلاف دينار، ويستدعي نحو ثماني لفات، ويزيد العدد بزيادة طول وعرض القطعة، أما فساتين الكبار، فتتطلب 15 كرة صوف تقريبا، مقابل 4 كرات لفستان فتاة صغيرة، حيث عرض علينا عددا من الفساتين الجاهزة، والتي أشار إلى أنها ستكون كسوة للعيد.
بائع آخر بشارع العربي بن مهيدي، أوضح لنا بأن الإقبال على شراء أدوات الحياكة زاد، خاصة مع دخول أدوات جديدة للسوق تسرع من وتيرة العمل وتمكن من تقليص الجهد حسبه، فسعر إبر الحياكة التقليدية 100 إلى 150 دج، وتتوفر أخرى خشبية بـ 200 دينار، استخدامها أسهل وتوجد منتجات كثيرة ذات صلة بالحياكة أغلبها من الصين، وهي موجهة لحياكة القطع كبيرة الحجم من الأغطية والمفروشات و الحقائب اليدوية و القبعات.
أ ب

الرجوع إلى الأعلى