مردود وفيـــر في رمـــان منطقة سيدي جميل  المصنــــف الأول وطنيـــــا

تحولت سهول سيدي جميل بدائرة البسباس في الطارف، إلى قطب لإنتاج الرمان وتسويق الشتلات إلى مختلف الولايات وحتى لخارج الوطن، حيث تُجنى هذه الفاكهة الموسمية في نهاية فصل الخريف وتُصنف من ضمن أجود الأنواع المنتجة وطنيا، وفيما يُعوّل المهنيون على الكهرباء الفلاحية من أجل استغلال الآبار في ظل شح المياه، تشهد هذه الشعبة عجزا في العمالة المتخصصة في عملية التقليم التي تعتبر عاملا حاسما يتحكم في جودة الرمان.

  روبورتاج: حسين دريدح

في هذا الروبورتاج نزلنا ببستان الفلاح علي، بسيدي جميل، وأبرز لنا أن الصنف المنتَج بهذه المنطقة موجود منذ فترة الاستعمار وذو نوعية جيدة، تم توارثها عن الأجداد، حيث تم تطوير نشاطهم وتوسيع المساحات المزروعة. وحسب ما عاينته النصر على مستوى البستان، تُحقق شجرة رمان سيدي جميل مردودا وفيرا يتجاوز 1 قنطار من الحجم المتوسط، ويصل وزن الثمرة إلى 2 كلغ، حيث يتم التحكم فيه خلال عملية التقليم.
ويؤكد علي بأن هذا الرمان مصنف الأول من حيث الجودة، حيث قدم مستثمر إيطالي إلى سيدي جميل، وأخذ الشتلات وعمل على تطويرها بتونس، غير أنها لم تنتج نفس النوع، إذ كان هناك تشابه في الشكل الخارجي للثمرة وذوقها، غير أن الحبيبات الصغيرة ليست نفسها، وتم تعديلها جينيا.
وأضاف المتحدث بأن الفلاح يتعب من أجل تحقيق نوعية ومردود جيدين، حيث أصبح رمان سيدي جميل مطلوبا في السوق على المستوى الوطني، ومعروف حتى خارج الوطن، مشيرا إلى ضرورة المحافظة على هذا الصنف وحمايته، ومناشدا المصالح الفلاحية للمساهمة في ذلك عن طريق الدعم والمرافقة.
وأشار علي إلى بعض المعوقات التي يعاني منها أصحاب البساتين بالمنطقة، والمتعلقة بشح مصادر التموين بالمياه، وارتفاع أسعار الأسمدة، وكذا استهلاك مادة المازوت في تشغيل مضخات السقي، إلى جانب صعوبة الحصول على تراخيص حفر الآبار، داعيا المسؤولين المحليين إلى دعمهم لتطوير وتوسيع مساحات غرس الرمان.
تجار متنقلون يُحققون مبيعات مرتفعة
يؤكد تجار متنقلون التقينا بهم بالبستان وهم ينتظرون دورهم لشحن سياراتهم النفعية، بأن رمان سيدي جميل، يُباع بسرعة، ومن يشتريه يعود في اليوم الموالي، وقال أحدهم للنصر «لأول مرة أقوم ببيع الرمان. لقد دلوني على هذه المنطقة، و وجدت أصحاب البستان طيبين ويعتمدون أسعارا معقولة، حيث اشتريت في المرة الأولى 6 قناطير نفدت في ظرف قياسي، وبعتها في نصف يوم، والآن عدت لشراء المزيد لبيعه في مدينة عنابة».
الطارف وعنابة أصبحتا قطبا لغرس فاكهة الرمان

وحسب أصحاب البساتين بسيدي جميل، تصل مساحة الرمان المغروسة بالمنطقة لنحو 100 هكتار، كما توسعت عملية غرس الشتلات إلى كامل ولايتي الطارف وعنابة، حيث تقارب مساحة الرمان المغروسة فيهما 800 هكتار، وقد شجعت طبيعة التربة والدراسات التقنية للأراضي، التي تمتاز بطبقة طينية في الأعلى، حسب الفلاحين، في الحفاظ على المياه وطبقة سفلية رملية، ملائمة لغرس الرمان وأنواع أخرى على غرار الحمضيات والعنب.
وعرفت المنطقة في 10 سنوات الأخيرة استفاقة وثورة حقيقية في عملية الاستثمار الفلاحي الذي يرتكز على غرس البساتين بشتى الأصناف، سواء اللوزيات، الحمضيات، الكروم وكذا الرمان، وذلك راجع إلى توجه أصحاب رؤوس الأموال في قطاعات مختلفة سواء البناء والتعمير، التجارة، الاستيراد والتصدير، والمؤسسات الصناعية، إلى الاستثمار الفلاحي.
وقد سُجلت تجارب ناجحة خاصة في ولاية الطارف، حيث وصل مستثمر خاص غير بعيد عن مطار عنابة، إلى غرس نحو 300 هكتار من أشجار مثمرة من مختلف الأنواع، تصل إلى آلاف الهكتارات، وهو ما رفع الإنتاج وساهم في تحقيق فائض في بعض الأصناف من الفواكه التي كانت تستورد في وقت سابق على غرار العنب، الأمر الذي ساهم في خفض الأسعار، وتحقيق توازن وكسر احتكار بيع بعض الفواكه على غرار الموز، أثناء ذروة إنتاج فواكه أخرى، حسب ما يشير إليه الفلاحون وتجار الجملة الذين التقينا بهم في البساتين.
نقص العمالة المختصة في التقليم

يشير جدي هاني وهو مقلم أشجار، التقينا به في بستان الرمان وهو يقوم بعملية القطف، إلى أن المردود يرتبط بالتقليم المحترف، حيث يتوقف ذلك على تفريغ الشجرة من الأغصان الداخلية، ونزع المتلاصقة فوق بعضها، وفق تقنية محددة، ويمكن التحكم في النوعية من خلال عملية التقليم، حسب رغبة صاحب البستان، إن كان يرغب في ثمار كثيرة في الشجرة، أو عدد قليل لكن وزنها أكبر لزيادة ثمنها كونها ذات جودة. ويؤكد جدي بأن الرمان الأصلي معمر، ويتجاوز عمره 300 سنة.
وأضاف هاني، بأن هناك نقصا فادحا في المختصين في التقليم، بسبب عدم نقل الخبرات للشباب، والعزوف عن هذه المهنة، حيث أن أغلب من يعملون في هذا المجال بمنطقة سيدي جميل كبار في السن، وقال محدثنا إنه الشاب الوحيد الذي يعمل معهم، رغم أن هذه المهنة تدر عائدات مالية معتبرة، إذ يمكن أن يحصل المُقلم خلال عمله ببستان واحد على 30 مليون سنتيم خلال 12 يوما فقط، مطالبا بفتح اختصاص للتكوين في مجال تقليم الأشجار.
يقول هناني بأن انطلاقته في العمل داخل البساتين، بدأت وهو صغير السن، حيث كان يقوم بجمع الأغصان الصغيرة من مخلفات عملية التقليم، ويغرسها لبيعها كشتلات، ومن خلال مشاهدته المستمرة ومرافقته للمقلمين، استطاع إتقان العملية واحترفها فأصبح يعيل بها عائلته.
وقفنا عند مرورنا على عدة بساتين، على تزويد مستثمرين بشبكة الكهرباء الفلاحية التي تنتظر عملية التشغيل ووضعها حيز الخدمة، لتساعدهم على تطوير نشاطهم، وأبرزها تشغيل الآبار للسقي، في ظل توقف تزويد الفلاحين بالمياه من سد الشافية الذي انخفض منسوبه إلى ما دون 5 بالمائة، بالإضافة إلى جوانب أخرى على غرار وضع كاميرات مراقبة في ظل معضلة السرقة والاعتداءات.
السرقة هاجس الفلاحين وأصحاب البساتين

وحسب تصريح فلاحين وأصحاب بساتين للنصر، فقد أعربوا عن معاناتهم الكبيرة مع عصابات السرقة التي تستهدف كل شيء، بداية بالشتلات، والعتاد الفلاحي على غرار المضخات والكوابل والمعدات، حيث تم القبض على عصابة تبيع العتاد ببسكرة، وصولا إلى سرقة الفاكهة عند موسم الجني بطريق متعددة وبكميات كبيرة. وأضاف الفلاحون بأن السنوات الأخيرة، عرفت سرقة آلاف الأشجار منها الرمان والحمضيات، لإعادة بيعها بسعر مرتفع للراغبين في غرس الفواكه الموسمية، وأضافت مصادرنا بأن العصابات المختصة في سرقة البساتين تستغل النقص الموجود في توفير الشتلات، لأن الفلاحين يقومون بتقديم الطلبيات لدى المشاتل قبل أشهر من الغرس، حيث يصعب بعد سرقتها تقديم طلب جديد، لأن فترة الغرس محدودة والشتلات غير متوفرة بالعدد الكبير المطلوب للغرس، ما يسمح للعصابات بالتفاوض مع وسطاء لبيعها بسعر مرتفع.  وأوضح فلاحون في حديث للنصر، بأنهم أجبروا على توكيل حُراس على بساتينهم، بعد استهدافها عدة مرات، من أجل سرقة المحصول والأشجار وحتى العتاد، ورغم فرض الحراسة يقومون بأساليب مختلف للدخول إلى بساتينهم ومزارعهم، ويتوقع الضحايا، بأن يتعدى عدد أفراد العصابة الواحدة 8 أشخاص، لأن حجم الخسائر التي يتكبدونها جراء السرقة في ليلة واحدة، تكون وخيمة حيث يركز أفرادها على الكمية لتكون استفادتهم أكبر، غير مستبعدين وجود تواطؤ مع ناشطين في الميدان الفلاحي.
من جهتها فتحت مصالح الدرك الوطني تحقيقا في نشاط عصابة مختصة في استهداف المشاتل والبساتين المغروسة حديثا بالسهول الخصبة التي تتميز بإنتاج الحمضيات والكروم وكذا الرمان، منها الواقعة بضواحي الحجار والبسباس. ويتركز نشاط أفراد العصابات بضواحي دائرة البوني، الحجار، عين الباردة، البسباس، بن مهيدي، والذرعان، وذلك لتحرك الاستثمار الفلاحي بهذه المناطق، وقدوم أصحاب رؤوس الأموال من ولايات مختلفة، للاستثمار في غرس الأشجار المثمرة في مساحات شاسعة.                            ح.د

الرجوع إلى الأعلى