على الجزائـر الـتمسـك بــاسترجــاع الأرشـيف لكتــابــة الـتاريخ الـوطني
الخلافات في الثورة أمر طبيعي ولا ينبغي تضخيمها         العمل مطلوب لتكريس و تعميق أكثر لمكتسبات الثورة
 قال الباحث في التاريخ الدكتور عامر رخيلة، أنه على الجزائر أن تتمسك باستعادة الأرشيف من فرنسا، حتى ننطلق في كتابة تاريخنا بعد مرور 55 سنة على استرجاع الاستقلال، مؤكدا أن هذا الملف، هو من أهم الملفات التي يجب التركيز عليها خلال فترة حكم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، واعتبر في حوار مع النصر، أمس، أن تاريخ 5 جويلية 1962 هو انتصار لإرادة التحرر لدى الجزائريين وكذا الوفاء  لملايين من الشهداء الذين دفعتهم الجزائر طيلة مرحلة الوجود الاستعماري، و يرمز أيضا لإعادة بناء الدولة الجزائرية على أسس اجتماعية وديمقراطية وأسس تجعل من الجزائر تسترجع هويتها الكاملة مبرزا ضرورة العمل لتكريس و تعميق أكثر لمكتسبات الثورة، وقال أنه لا ينبغي أن نضخم الخلافات والأزمات التي عرفتها الثورة التحريرية.
•النصر: تحتفل الجزائر اليوم بذكرى عيد الاستقلال، ما هي العبر والأبعاد التي يمكن استخلاصها من هذا التاريخ المجيد ؟
•عامر رخيلة : تاريخ 5 جويلية يؤكد تضحيات الشعب الجزائري والمعاناة التي عاشها طيلة 132 سنة وخروجه من الكابوس الاستعماري، 5 جويلية 1962 أعاد الجزائر إلى السكة التاريخية باسترجاعها سيادتها واندماجها من جديد في المجتمع الدولي، بعدما كانت فرنسا أنكرت على الجزائر وجودها، وباسترجاع الجزائر لاستقلالها، معناه استرجاع  السيادة على الأرض و على اللغة والعقيدة وعلى وجود الجزائريين، كون فرنسا كانت قد ضيقت خلال الفترة الاستعمارية على العقيدة الإسلامية، وحاربت اللغة العربية وجردت الجزائريين من مختلف أملاكهم وأهانت الجزائري، بحيث ألغت عليه صفة الآدمية، وأخرجت الجزائر من المجموعة الدولية، فبقوة القانون الفرنسي جعلت من الجزائر جزءا لا يتجزأ من فرنسا، 1962 هو انتصار لإرادة التحرر لدى الجزائريين وكذا الوفاء  لملايين من الشهداء الذين دفعتهم الجزائر طيلة مرحلة الوجود الاستعماري الفرنسي في الجزائر، و يرمز هذا التاريخ أيضا لإعادة بناء الدولة الجزائرية على أسس اجتماعية وديمقراطية وأسس تجعل من الجزائر تسترجع هويتها الكاملة وفي نفس الوقت هو انتصار لاتجاه التحرر في العالم لأن الثورة الجزائرية كان شعاعها التحرري ليس مقتصرا على الجزائر فحسب، بل كان له انعكاس على قارتي إفريقيا  وآسيا في المسار الأول، وعلى فكرة التحرر على المستوى العالمي، 5 جويلية 62 كذلك يؤكد أن الشعب الجزائري دفع تضحيات كبيرة وأنه ليس من العقل أو من المسؤولية التاريخية أن تسود الجزائر ثقافة النسيان، وعلى أبناء الجزائر اليوم أن يدركوا أن استرجاع الجزائر استقلالها كان ثمنه كبيرا، لكن في نفس الوقت يهون من أجل الحرية والاستقلال ومن أجل استعادة كرامة الجزائريين و يمثل هذا التاريخ كذلك إعادة بعث الأمة العربية، كمحيط جغرافي حضاري ثقافي  تاريخي للجزائر، لأن السنوات الذهبية للجامعة العربية بالرغم من ظهورها في 1945 كانت خلال الثورة التحريرية، فالمجموعة العربية عرفت وجودها في المعادلات الدولية وفي المنظمات الإقليمية وفي القرار الدولي وهذا كله رصيد يجعلنا كجزائريين أمام مسؤوليات ليس إزاء الجزائر فقط بل إزاء العالم و أفكار التحرر والاستقلال وحقوق الإنسان، لأن الثورة الجزائرية بشكل من الأشكال هي الدفاع عن حقوق الإنسان وبالرغم من أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948 تضمن مبادئ لازالت العديد من الشعوب اليوم لم تجسدها إلا أننا عندما نلاحظ مواثيق الثورة الجزائرية والدساتير الجزائرية من 1963 إلى اليوم وكذا التشريع الجزائري، نقول أن أغلبية بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كانت الجزائر سباقة للالتزام بها، والكثير من المكتسبات في المجال الاجتماعي والحقوقي  والإنساني  فاقت ما تضمنه الإعلان العالمي لحقوق الانسان، هذه مناسبة اليوم للوقوف أمام الذات لنكرس و لنعمق أكثر مكتسبات الثورة الجزائرية، فالشعب الجزائري يجب أن يكون الطموح هو الذي يسيره ففي سنة  1962 كانت نسبة الأمية تبلغ 90 بالمئة في الجزائر، واليوم الحمد لله، ما لا يقل عن مليون و500 ألف طالب جامعي في الجامعات والمراكز الجامعية ولدينا ملايين التلاميذ في مختلف مراحل التربية والتعليم  ومئات الآلاف من مراكز التكوين المهني والمتخصص هذه كلها مكتسبات ونقول أن الوفاء لشهداء نوفمبر والمقاومة الشعبية والحركة الوطنية يستلزم منا العمل أكثر لتعميق هذه المكتسبات .
•النصر : بعد مرور 55 سنة على استقلال الجزائر، لا تزال العديد من القضايا العالقة، فيما يخص العلاقات مع مستعمر الأمس، هل سنسجل تقدما في معالجة الملفات المتعلقة بالذاكرة، ومنها قضية الأرشيف خلال حكم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون؟
•عامر رخيلة : منذ سنة 62 أدبياتنا تقول أنه من بين الأهداف التي سطرت هي كتابة تاريخ الجزائر، وصناعة التاريخ كـأي صناعة تحتاج إلى المادة الأولية والمادة الأولية في صناعة التاريخ هي الوثيقة ولذلك نحن الآن وبصرف النظر عن طرح مسألة الاعتراف وإقرار الطرف الفرنسي واستنكاره للممارسات اللاإنسانية التي مارسها الاستعمار في الجزائر، فأهم ملف في تقديري هو حقنا في استرجاع الوثيقة و الأرشيف، لأن هذه الوثيقة مشتركة وأرشيف مشترك ومن حق الجزائر أن تتمسك باسترجاع هذه الوثائق، والحمد لله الآن توجد تقنيات التصوير ونقل الوثيقة، حيث بالإمكان أن تحتفظ فرنسا بما عندها وتسلمنا نسخة طبق الأصل لما هو موجود من أرشيف، هذا حق وما على فرنسا إلا أن تقر بحقنا، لأنه إذا كان هناك شيء يمكن أن نركز عليه مع الرئيس  ماكرون هو مسألة الأرشيف،  لأن الرئيس الفرنسي مقيد بالمعادلات السياسية الموجودة في فرنسا، فبخصوص مسألة الإقرار والاعتراف بالتعذيب الذي مورس في الجزائر، قد يجد ماكرون صعوبات مع المجتمع الفرنسي نظرا للتناقضات الموجودة في المجتمع الفرنسي وكذلك التطرف الذي لا يزال يهيمن على نسبة من هذا المجتمع ، وعليه بالنسبة إلينا الإشارات التي قدمها ماكرون لا ننتظر منها الكثير، فيما يخص الاعتراف لأنه مقيد في أي قرار بالعودة إلى المؤسسات الدستورية ، ولكن على الطرف الجزائري أن يبدي إرادة سياسية قوية في التمسك باستعادة الأرشيف، حتى ننطلق في كتابة تاريخنا بعد مرور 55 سنة على استرجاعنا لاستقلالنا، و الآن حتى بالنسبة للتشريع الفرنسي، فالوثيقة التاريخية لما تمر عليها 30 سنة بالنسبة إليهم تفتح، وللأسف الآن يوجد كيل بمكيالين لأن هذه الوثائق مفتوحة أمام المؤرخ الفرنسي، لكن أبواب الأرشيف موصدة في وجه الطرف الجزائري، لذلك يجب أن نناضل في إطار القوانين الفرنسية وعلينا أن نرافع لاسترداد هذه الوثائق.
•النصر : الثورة الجزائرية تبقى خالدة عبر الأزمان، ماذا بشأن كتابة تاريخها والعبر التي يستنبطها أجيال الاستقلال ؟
•عامر رخيلة : طبيعة الثورة الجزائرية ثورة شعبية، ضد قوة من مكونات القوة الدولية، و من مفرزات الحرب العالمية الثانية ، أن فرنسا صارت إحدى القوى الكبرى في العالم والمتحكمة في القرار الدولي ونتيجة هذه الظروف الثورة الجزائرية عانت الكثير، وبشأن ما عرفته الثورة من أخطاء وتجاوزات، نقول أن الثورة عمل إنساني والعمل الإنساني ليس كله إيجابيات، قد تشوبه بعض السلبيات، لذلك لا ينبغي أن نضخم الخلافات والأزمات التي عرفتها الثورة فهذا شيء طبيعي، لكن وحدة تمثيل الثورة ظل موجودا في مؤسستها الوحيدة وهي جبهة التحرير الوطني ومؤسساتها الفرعية وتمكنت الثورة الجزائرية من إجهاض كل المحاولات الإخلال بوحدة التنظيم الثوري الجزائري، شيء طبيعي في مسار الثورة تكون خلافات ومشاكل، فهناك محطات تستوجب القراءة ، لكي نستفيد من إعادة قراء ة بعض المعطيات التاريخية قراءة صحيحة، بناء على ما جرى والظروف التي جرت فيها تلك الأحداث ونتائجها بالنسبة للثورة، وبالرغم من الصعوبات والمشاكل التي عرفتها الثورة، إلا أن انعكاسها وصداها وتأثيرها على الثورة لم يكن بالشكل الذي يقدمه بعض الدارسين والمؤرخين.
•النصر : كيف يمكننا اليوم أن نستغل الرصيد الكبير للثورة لتحسين الأوضاع وبعث التنمية في كل المجالات؟
•عامر رخيلة : علينا بالوفاء لشهداء ثورة نوفمبر، والوفاء لا يكون إلا بتعميق روح نوفمبر في الممارسات السياسية والثقافية و الفكرية، فثورة نوفمبر تبقى دائما نبراسا ولذلك تعميقها والاستفادة منها لن يتم، إلا بالتقيد بروح نوفمبر، والتي هي الروح التحررية، فليكن عندنا اليوم إجماع وطني حول مبادئ ومفاهيم حول الوحدة الوطنية واللغة والعقيدة ومكونات المجتمع، وفي إطار هذا الاتفاق يجوز أن تكون هناك وجهات نظر متباينة والقراءات المختلفة، ولن يمس ذلك بالمكاسب المنجزة .
مراد - ح

الرجوع إلى الأعلى