تعاليم الإسلام تربي أتباعَه على خلق المنافسة في الخير، وهي منافسة مشروعة، تجعل المؤمنين يتسابقون في الصالحات، فينتشر الخير بين الناس، ويكثر الصلاحُ ويقلّ الفساد، ويُذهبُ الحسدَ والبغضاء، ويحل محله الغبطة والمنافسة.
إعداد: د .عبد الرحمان خلفة
 قال تعالى: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) آل عمران:133-136، وقال تعالى: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) الحديد:21.
فشهر الصيام يغرس في الصائمين خلق المنافسة حتى يصير سجية وطبعا فيهم، فيصدر فيهم بصفة تلقائية، وذلك بما أودع الله في رمضان من فضائل عديدة وثواب كبير وأجر عظيم، تغري المؤمنين للتنافس في خيره ونفحاته، ومما جاء من فضائله: عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ) متفق عليه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ) رواه البخاري، وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِي اللَّهم عَنْه قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَدْخُلُونَ مِنْهُ فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ ) رواه مسلم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) رواه البخاري، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهم عَنْه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ (رواه البخاري. فهذه الفضائل وغيرها تدفع المؤمنين للتنافس من أجل الفوز بفضائله ونيل بركاته.
ومبدأ المنافسة سلوك الصالحين وخلق إسلامي رفيع، قال تعالى متحدثا عن أنبيائه ورسله، قال تعالى: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) الأنبياء:90، وقال عزّ وجلّ عن عباده المؤمنين: (إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) المؤمنون:57-61.
فسلعة الله غالية تستحق أن يتنافس فيها المتنافسون، قال تعالى: (إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) المطففين:22-26، وروى الترمذي والحاكم والبيهقي من طريق يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: سَمِعْتُ بُكَيْرًا يَعْنِي ابْنَ فَيْرُوزَ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ، أَلَا وَإِنَّ سِلْعَةَ اللهِ لَغَالِيَةٌ أَلَا وَإِنَّ سِلْعَةَ اللهِ الْجَنَّةُ) قال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، ووافقه الذهبي.
إن التنافس في الخير والمسابقة في الصالحات سلوك حضاري دعا إليه الإسلام، لأنه يحقق الخير في المجتمع، ويحوّل طاقات أفراده نحو الإبداع والعمل والإنتاج بما يعود بالنفع والفائدة العامة على الأمة. فبدلا من أن ينشغل الفرد بسفاسف الأمور وتوافه الأشياء، أو يقضي وقته فيما يضره ولا ينفعه، فإن شأن عبادة الصيام وغيره من العبادات المفروضة أن تسوق كل مسلم ومسلمة إلى الإيجابية والفعالية في الحياة، فيسخر كل منهم ما عنده من طاقة وموهبة وقدرات في خدمة وطنه والرقي به، كلٌ في موقعه وحسب اختصاصه واستطاعته، فيتنافس الموظفون والعمال فيما بينهم، ويتنافس الطلبة في التحصيل العلمي، والباحثون في الإنتاج العلمي... فيتحقق الصلاح والتمكين في الدنيا والفلاح والنجاة يوم القيامة.
أ.د. كمال لدرع  عميد كلية الشريعة والاقتصاد بجامعة الأمير


أنـــوار

مظاهر التمدن الغربي انعكاس لمنظومة أفكار
عاد زميل لي متدين منبهرا مما شاهده من طراز عمراني وتنظيم إداري واجتماعي في باريس بعد أن مكث فيها أزيد من أسبوعين، وقال إن القوم هناك لم ينقصهم سوى الإسلام، هذا الانطباع الذي يتكرر مع الكثير ممن يزور الغرب ممن لهم موقف سلبي منه يستند إلى موقف ديني مسبق، يذكرني بموقف الرواد الأوائل الذين احتكوا بالغرب على غرار الطهطاوي ومحمد عبده الذي قال وجدت الإسلام ولم أجد المسلمين، ويعتقد هؤلاء أن ذلك من مظاهر التحضر والتمدن الحديث، وما يعيشه المسلمون يعد من أعراض التخلف.
إن العمران والتنظيم الإدراي والاجتماعي ليس إلا انعكاسا لمذاهب فكرية وفلسفات بدأت مع عصر الأنوار وأفرزت واقعا حضاريا ومدنيا، فلسفات تنبني أساسا على مبدأ الحرية والعدالة وحقوق الإنسان، تلك الفلسفات التي وقفت موقف النقد الصارم لتراثها وتوافقت مع عقلها، ثم انطلقت نحو الآفاق والمستقبل، فحررت الإنسان رجلا كان أو امرأة وانتصرت لسمو القانون، وقدسية العمل، ومركزية العقل، وانعكس هذا على الحياة اليومية اجتماعيا وعمرانيا، وعلميا وتكنولوجيا، وصحيا ورياضيا، وفنيا وثقافيا، فظهرت المدن الكبيرة المنظمة النظيفة والمؤسسات الاجتماعية،
والقيم التي انبنت عليها الدولة الغربية الحديثة تجد الاستهجان من قبل الكثير من هؤلاء الذين يحاكمونها إلى مفاهيم دينية لا تتطابق بالضرورة وحقائق الدين ومقاصده، فمجتمع الشرق يرفض إعادة الاعتبار للعقل المغيب في غياهب التراث، ويأبى إطلاق الحريات، ويكرس على مستوى المنظومة الفكرية والخطابية والواقعية قيما أقرب إلى الاستعباد وقمع الحريات في ميدان الأسرة والسياسة والاجتماع، ويوزع أدوارا اجتماعية بين الجنسين تتضاد وتراتبية الواقع الاجتماعي الغربي، بل إن قدسية العمل والوقت لم تعد بالدرجة التي ينبغي أن تكون عليها في المنظومة الحضارية،
إن هؤلاء ينظرون في مظاهر الحياة وعمرانها، ويعتقدون أنها مجرد أشياء يمكن للمسلكين تكديسها ليكونوا طبق الأصل عن الغرب حضاريا، غافلين عن البعد الفكري الذي يحرك الحياة والعمران هناك، والحريات السياسية والدينية والمدنية والاقتصادية التي واكبت التطور الحضاري الغربي دافعا وحافزا.وليس غرضنا هنا الدعوة إلى الاقتداء بالغرب في حلوه ومره، واقتفاء أثره شبرا شبرا؛ لأن لكل أمة خصائصها الدينية والحضارية، ولكن علينا دراسة الغرب بموضوعية والبحث في عوامل نهوضه وعوامل سقوطنا، فالغرب ليس شرا كله؛ هذا الغرب الذي كثيرا ما كان ملجأ المضطهدين في بلدانهم الإسلامية وقبلة طلاب العلم وأهل الفن والثقافة؛ بل قبلة المرضى الذين يجدون في مستشفياته إلى جانب الآلة البعد الإنساني وأخلاقيات المهنة؛ ولعل الغفلة عن هذا البعد الفكري هو الذي يفسر التناقض الصارخ الذي يعشه بعض من يسمون دعاة الإسلام الذي يمتطون أفخم طائرات الغرب وسياراته ويقيمون في أفخم فنادقه ويستعملون آخر أجهزته الإعلامية والتكنولوجية ويوفدون ذويهم للدراسة في أرقى جامعاته بلغته ثم لا يكفون عن وصمه بأبشع الأوصاف والدعاء عليه صبح مساء، والادعاء أنه مصدر الشر.                    
ع/خ

فتاوى
هل يلزم عقد جديد في حال طلاق الفتاة المعقود عليها قبل الدّخول ؟
الجواب :
إذا وقع الطّلاق على فتاة معقود عليها ولمّا يتمّ الدخول بها بعد  – أي لم يدخل بها دخولاً حقيقياً - فإنّها تبين بهذه الطلقة بينونة صغرى وإذا أراد العاقد أن يراجعها فلا بدّ من عقد جديد ومهر جديد ولا عدة عليها  ، وهذا الحكم سواء في حالة العقد الرّسمي أم  في حالة العقد الشّفوي
ما حكم إزالة الشعر النّابت في وجه المرأة ؟
الجواب :
الحمدُ لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
 يجوز للمرأة  إزالة شعر الوجه الذّي على الخدين وشعر اللّحية والشارب وما بين الحاجبين ودليل  ذلك ما أخرجه  عبد الرازق في مصنفه 3/146 ( 5104 ): عن معمر والثوري عن أبي إسحاق عن امرأة ابن أبي الصقر أنها كانت عند عائشة فسألتها امرأة فقالت: يا أم المؤمنين إن في وجهي شعرات أفأنتفهن أتزين بذلك لزوجي؟ فقالت عائشة: أميطي عنك الأذى وتصنعي لزوجك كما تصنعين للزيارة « . وأمّا شعر الحاجبين فيحرم نتفه  إلا إذا كان الشعر مشوهاً لخلقة المرأة
ما حكم سفر المرأة للحج من دون محرم ؟
الجواب :
الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
إن كانت المرأة لا تجد محرماً من أجل أداء فريضة الحج أو العمرة الأولى فلا حرج عليها أن تسافر مع مجموعة نساء ثقات بحيث تأمن على نفسها الفتنة ، وهذا مذهب المالكية، كما أنّ هذه الصورة تجوز أيضاً عند الشافعية من باب أولى
هل يجب على الولد أن ينفق على والديه الموسرين ؟
الجواب :
 لا يلزم الولد بالإنفاق على والديه إلاّ في حالة الإعسار ، وأمّا في حالة يسارهما فلا يكلّف بالنفقة عليهما ، ولكن نوصي الولد بوالديه إحسانا وأن يوسّع عليهما في عيشهما وأن يكرمهما ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
المجلس الإسلامي للإفتاء بيت المقدس.

الرجوع إلى الأعلى