الأدب الجزائري قادر على إنتاج مخيال جديد شعبي حول التاريخ
أكد أمس السبت من قسنطينة، الكاتب واسيني الأعرج أن الأدب الجزائري قادر على إنتاج مخيال شعبي جديد حول التاريخ، لكنه اعتبر ذلك مرهونا بالمكانة الاعتبارية التي تُمنح له، كما قدم روايته الجديدة «الغجر يحبون أيضا»، فيما صنف الحراك الشعبي كـ«تقفية» لما اختلج في الأدب الجزائري طويلا حول الوضع السياسي للبلاد.
وقال واسيني الأعرج، الذي استضافته جمعية «المزهر القسنطيني» بمسرح محمد الطاهر فرقاني في جلسة بيع بالإهداء ونقاش نشطهما الكاتب محمد زتيلي، أن البعض اعتبر عنوان «الغجر يحبون أيضا» تقليلا من قيمة الغجر، لكنه أكد أن الرواية تتحدث عن الغجر وكيف أنهم قدموا للإنسانية أكبر قيمة وهي «الحرية»، مضيفا أن الرواية تدور في الخمسينيات وتقدم قصة مصارع الثيران «خوسي أورانو» أو يوسف الوهراني، وهي شخصية حقيقية عاشت في وهران في الخمسينيات. وأضاف الكاتب أن روايته الجديدة فسيفساء من المكونات الثقافية الموجودة في وهران خلال الفترة المذكورة، على غرار الديانات والثقافات، لكن أهم شيء في الرواية، بحسب واسيني الأعرج، يدور حول القدر وكيفية مواجهة الإنسان له. وأضاف المتحدث أن القصة تتعلق بشخص يواجه قوة مقابلة له فإما أن يواجه أو يهرب، ولكنها ليست مجرد حكاية «ماتادور».
الرواية الجزائرية غاصت في الوضع السياسي للبلاد
واعتبر الأعرج أن بعض الروايات الجزائرية تحدثت عن الوضع السياسي قبل الحراك الشعبي، على غرار الحديث عن الدولة العميقة وغيرها، فيما اعتبر أن الحراك الشعبي «تقفية» لما اختلج في الروايات الجزائرية، التي يمكنها اليوم إنتاج نموذج آخر من الأعمال بناء على ما تعيشه البلاد من تغيرات اليوم والطموحات الشعبية لبناء جمهورية ثانية والقيام بإصلاحات سياسية.
وأوضح الكاتب في رد على سؤال «النصر»عن مدى قدرة الأدب الجزائري على أن يتحول إلى منتج لمخيال شعبي حول التاريخ مثلما حصل مع الأدب الإغريقي، أنه من المفترض «أن تنتج الرواية الجزائرية مِخيالها الخاص عن التاريخ انطلاقا من المعطى المادي الذي نعرفه ونعيشه»، مضيفا أن هناك تاريخا غير مرئي أيضا. ونبّه نفس المصدر أنه ينبغي التعامل مع التاريخ كوسيط وليس كحقيقة مطلقة، فضلا عن ضرورة إزالة القُدسية عنه، لكنه قال إن الوضع الاعتباري للأدب هو ما يحدد بلوغه مستوى الإلهام الشعبي.
وضرب الأعرج المثال بكاتب ياسين، الذي صنع، بحسبه، مخيالا شعبيا متعاليا عن الثورات، كما ذهب بعيدا في رواية «نجمة» إلى الذاكرة الجمعية، لكن الصدى في المجتمع الجزائري ضعيف جدا، مثلما قال، مشيرا إلى أن الأدباء والفنانين لا يلقون تقديرا كما يلقى نظراؤهم من أمم أخرى، الذين تحمل المرافق العمومية أسماءهم. وتحدث الكاتب عن الموسيقي محمد إيغربوشن الذي كان يستحق أن تحمل أوبيرا الجزائر اسمه، بحسبه، مشيرا إلى أن اسمه يساهم في التخفيف من «الصراعات العرقية والإثنية»، فإيغربوشن ابن منطقة القبائل ووضع اسمه على الأوبيرا سيمنحه بُعدا وطنيّا.
ليس دور الدولة أن تضع السياسة الثقافية
وعبر محدثنا في رده على شق ثان لنفس السؤال، أن الأدب لا يملك مكانة في الجزائر، في حين قال «أنا لا أؤمن بوجود سياسة ثقافية» تضعها الدولة، لكنه نبه أن الساسة يمكنهم أن يفتحوا المرافق الثقافية أمام المثقفين، من خلال توفير المناخ لتثمر أفكارهم. وأضاف نفس المصدر أن حذف وزارة الثقافة، بغض النظر عن شخصية وزير الثقافة، مثلما قال، لن يغير من الوضع الثقافي في الجزائر «قيد أنملة»، على عكس ما قد ينجز عن هذا الأمر في بلدان متقدمة أخرى. وتمنى واسيني الأعرج أن يغير الحراك الشعبي من وضعية الركود الثقافي، رغم تأكيده على اقتناعه العميق أن التركيبة السياسية الحالية لا تملك شيئا لتقدمه و»ما زالت تحركها الحيلة والمناورات لأنها تعدِمُ رؤية بعيدة المدى».  
وتحدث الكاتب خلال كلمته التي أعقبت بيع كتابه الجديد بالإهداء، عن رواية الأمير وما انجر عنها من خلاف بينه وبين وزير الثقافة السابق، بسبب تطرقها إلى موضوع ماسونية الأمير عبد القادر، رغم تأكيده على أنها ماسونية القرن التاسع عشر، وقبل أن تدخلها الصهيونية وتنحدر القيم الإنسانية فيها. وعاد المتحدث خلال كلمته إلى قضية قيام صحفية بتحريف أحد تعليقاته على منصة التواصل الاجتماعي «فيسبوك» وسوقت من خلال ذلك على أنه ضد الحراك الشعبي، الذي اعتبر بدايته قوية لكن الخطر اليوم أن يتبخر هذا الحَراك.
وطالت بعض الانتقادات الرواية الجديدة لواسيني الأعرج، بحسب ما ذكره في تقديمه، حيث قال إن البعض أخذ عليه عدم الحديث عن الثورة الجزائرية في قصة تدور أحداثها في وهران الخمسينيات، لكن الأعرج أكد أن روايته تاريخية تصور اللقاء الذي وقع فعلا بين شخصية الماتادور خوسي أورانو وأحمد زبانة، والصداقة التي نشأت بينهما، مضيفا أن الرواية تتطرق إلى ثورة نوفمبر من جانب إنساني آخر. وأوضح الأعرج أنه ينبغي عدم حصر النص الأدبي في دائرة الأيديولوجيا الضيقة مشيرا إلى أن بعض الموضوعات الأدبية عرفت إشباعا وتكرارا مثل ثورة نوفمبر، في حين قال إن الجوانب السلبية في التاريخ يجب أن تظهر للعلن أيضا، مقدما مثالا بحصار الأمير عبد القادر لعين ماضي وتدميرها تحت قيادته بعد أن تلاعب به الفرنسيون عن طريق ملك المغرب وظلت القضية مخفية.    
                            سامي .ح

الرجوع إلى الأعلى