تقترحُ النّخبُ السيّاسيّة الوطنيّة «الصّراع» كأسلوب عيْشٍ، يظهر مع اقتراب استحقاقات ثمّ يكمن ليظهر متى استدعته ضرورة، في وضعٍ يؤشّر إلى أنّ العوامل التي رافقت تأسيس الدولة الفتيّة،مازالت مستمرّة إلى المراحل الأخيرة من «البناء»، بل إن اختلاف المشاريع السياسيّة والأفكار الذي برز منذ ظهور الحركة الوطنيّة، أصبح ترفاً في هذا الوقت المتأخّر الذي احتلّت فيه المصلحةُ مكان الفكرة، وتحوّلت فيه السيّاسة إلى رياضة تمارسها فئاتٌ تثير السخريّة أكثـر ممّا تثير الجدل.
فهل يعقل أن يتقدّم إلى مقدمّة المشهد هؤلاء الذين لم يكفوا عن التقدّم،  ويتأخّر حاملو الأفكار الذين بإمكانهم اقتراح الحلول للمشاكل التي تفرزها التعقيدات الاقتصاديّة والاجتماعيّة؟
لا بدّ أن يتصدى المشتغلون في حقول العلوم السياسيّة وعلم الاجتماع لهذه الظاهرة، و لا بدّ من تنبيه حادٍّ إلى ضرورة الاهتمام بالرأسمال البشري وتصويب الانحرافات التي تجعل المفكرين والنّخب الحقيقيّة خارج دوائر قيادة المجتمع، بل ولا تُتاح لهم حتى فرصة مخاطبته، في وقتٍ يزحف فيه مقاولون وسماسرة على حياتنا، فيتحوّل من يشقّ الطّرق بطريقة فيها ما يُقال إلى خطيبٍ يرسم لنا المستقبل بأصابعه على لوح الغيب، ويسكت العالِمُ.
يحتاج الجسمُ السيّاسيّ في الجزائر إلى دراسات لمعرفته، كما هو، بعلله ومكوّناته، ومن ثمّة وصف العلاج اللازم، مثلما تحتاج حياتنا العامّة إلى مبادرات تستقطب النّخب للاستفادة من تدبيرها  ومن روحها النقديّة التي تفيد صانع القرار وتجنبّه الأخطاء التي قد يزيّنها المجاملون.
إن تحوّل الصّراع إلى قاعدة عملٍ داخل التشكيلات والمنظومات السيّاسيّة، من شأنه إحياء نزعات بدائيّة داخل المجتمع الذي حاول بناةُ الدولة الوطنيّة القفز به نحو الحداثة والمدنيّة، بل إن هذه النزعات عادت إلى الظهور  من خلال سلوكات الأنانيّة و المصلحيّة والعنف والعروشيّة...لأن الأمر يتعلّق في نهاية المطاف ببنية كامنة يتم إيقاظها.
 ولن يكون درسُ الأزمة الدمويّة عامل إحباط في تلمّس المخارجِ الصحيحةِ لحماية المجتمع من انحرافات جديدة، بل يجب أن يكون تجربة مفيدة للتدرّب على الاختلاف والانتقال من ردّ الفعل العنيف إلى الطّرح السلميّ الذي يسعى إلى تحقيق الإقناع وليس إلى إلحاق الأذى.

سليم بوفنداسة

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى