استغرب رجال شرطة  ردود أفعال  مواطنين في حملة تحسيسيّة برمجت بقسنطينة مؤخراً بغرض حثّ «السائرين» على قطع الطرقات عبر ممرّات الراجلين، و وُصفت بعض الردود بالصادمة، حيث استغرب المستهدفون بدورهم سلوك عناصر الشرطة لأنّهم يعتقدون، بكلّ بساطة، أنّ من حقّهم عبور الطريق من أيّ نقطة يريدون وفي الوقت الذي يريدون.
حدث ذلك في أم الحواضر بين الماضي والحاضر، ويكفي كمثالٍ على الحقوق المكتسبة بفعل التكرار والآخذة في الاستفحال في مدننا، كالحقّ في الوقوف في أبواب العمارات والبيوت، الحقّ في شرب القهوة في الشوارع (وفي شرب الكوكا رفيق ليريكا الدائم)، الحقّ في التبوّل في الشوارع ذاتها والصّراخ ليلاً، الحقّ في التفرّس في العابرات ومعاكستهن، الحقّ في تأميم أرصفة وتحويلها إلى ملكيّة خاصّة...
هذه «الحقوق» تمّ تحصيلها على مراحل وطيلة عقودٍ نتيجة «مساومة» أنظمة متعاقبة تعاني من هشاشة في الشرعيّة  وتنشد السلم الاجتماعيّ بأيّ ثمن، والنتيجة، تضرّر سلطة الدولة وصورتها وتحوّل الفضاءات العامّة إلى غابة.
تحيل هذه «التفاصيل الصغيرة» إلى مشكلةٍ سياسيّة في الأساس تترجم اتفاقاً غير معلنٍ صمتت بموجبه الدولة على ما يفعله المواطن في الشارع  وأغمض المواطن عينيه على ما يفعله أعوان الدولة في حياته، فأصبح صانع القرار يفعل ما يشاء دون أن يضع الحساب في الحسبان  
و بات  المواطن يفعل ما يحلو له: يعبر الطريق من النقطة التي يريد ويبيع على الرصيف ويجمع الإتاوات ويلقي الفضلات ويصرخ  ويشرب القهوة.
لكلّ ذلك، من الضروريّ إعادة صيّاغة «عقد اجتماعي» يلعب بموجبه كلّ فردٍ في مساحته ولا ينهب فضاء غيره،
و يعاد الاعتبار للفضاء العام وللممارسة السيّاسيّة،  لأنّ ما نحتاجه اليوم ليس تعريف المشاكل بل تحويل المعرفة إلى تدبيرٍ، وهذا العمل تقوم به النّخب السياسيّة، التي بات يلعبُ في مساحتها إداريون أو نخبٌ جديدة توصف بالتقنوقراطية تنزع نحو التشخيص وتقديم التعريفات لأشياء معرّفة، ويعوزها «الفعل» لأنّها لم تتمرّس في أحزاب حقيقيّة نتيجة غلق «باب الاجتهاد»، وتلك من «الكوارث» التي ضربت الجزائر التي أصبحت تفتقر إلى كوادر سيّاسيّة في مستوى الجيل المؤسّس و أجيال الأحاديّة.
ملاحظـــة
الذي يحتاج إلى تدريبٍ في عبور الطريق يثير المخاوف في عبوره للحياة.
سليم بوفنداسة

    • صعلكة

        أصبح "خطاب الحق" عنوان ضعفٍ في عالم اليوم الذي باتت تتحكّم في مفاصله قوى ولوبيات لا تبالي بالقوانين ولا بالمبادئ التي راكمتها الإنسانيّة في خروجها الفاشل من الصّراعات الدموية. بل إن "التصعلك" تحوّل إلى ما يشبه العرف في العلاقات الدولية،...

    • ضرورة التفكير في المجتمع

        سليم بوفنداسة انتفض المجتمع المدني في ولاية خنشلة ضدّ "الراقي الزائر"، الذي أثار الجدل على مواقع التواصل، ودعا السلطات لفتح تحقيق حول قيّامه بنشاط غير مرخص، في مبادرة حضاريّة تكشف عن وعي الجمعيّات وتحمّلها مسؤوليّة التصدي لآفات ظلّت لفترة...

    • المخفيّ

      حين مات محمد ديب لم تجد وسائل الإعلام الوطنيّة، مادة سمعية بصريّة عن الكاتب تقدّمها للجمهور، كان ذلك سنة 2003، أي قبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وكان محمد ديب أكبر كاتبٍ جزائري، عاش عمرًا مديدًا يكفي لاستدراجه إلى توثيق يخدم...

    • اختراق

      شهدت الفترة التي تلت اندلاع الحرب المدمرة على غزة، تسخير ذباب إلكتروني لتسفيه الخطابات المؤيدة للفلسطينيين، ويمكن أن نقرأ ما يندى له الجبين في تعليقات عربيّة على الجهود الدبلوماسيّة لوقف المذبحة، أو على التضامن مع الضحايا، حيث...

    • خِفّـــة

      يبحثُ المتحدّثُ عن العبارة التي ستبقى  في أثير الله الأزرق بعد أن يفنى الكلام، عبارةٌ واحدةٌ تكفي كي يبقى، لذلك صارت استراتيجيات التّواصل تُبنى على عبارات يوصى بإلقائها وسط موجة الكلام، في حملات الانتخابات وفي الخُطبِ والتدخلات في وسائل...

    • وصفُ السّعادة!

      تجري الحياة في فضاءات أخرى وليس على المُستطيل الأخضر، رغم المُتعة التي توفرها كرة القدم، باعتبارها مسرح فرجةٍ في عصرنا، يلتقي فيه الشغف الكونيّ. صحيحٌ أنّ هذه اللّعبة، تجاوزت حدود الرياضة بعد ظهور "المستثمرين" والتجّار من باعة...

    • القيمة والشّعار

      يخترقُ المنتوج الثقافيّ الحدود واللّغات، بجودته أولًا وأخيرًا، وقد يفوق تأثيره التوقّعات، لذلك استغلّت بعض الأمم المُتصارعة على المسرح الكونيّ الفنون لتمرير رسائل تستهدف وجدان البشر و تستدعيه في لعبة استدراج و تماهٍ، عبر صوغ...

    • كبارُ "الباعة"!

      سخر كمال داود من الصّفة التي يطلقها العرب والمسلمون على ضحايا العدوان الهمجي على غزّة، ووجد الوقت والمتعة للتّنكيل اللّغوي بمنكّل بهم في الواقع، لكنّ اللّغة ستخونه، قطعًا، في وصف القتلة، لأنّ حريّته تتوقّف عند جثث الضحايا،...

    • مقبرةُ جماعيّة للإنسانيّة

      في هذه الأرض المزدحمة، حيث يتعايش الأحياءُ والموتى، تُحفر القبور على عجلٍ في الأسواق السّابقة والأرصفة السابقة، لا أزهار هنا في وداع النّازلين إلى ترابهم من حياة، هي مجرّد استراحة بين ميتات مُختلفة. قد يُسرف القتلى في النوم حيث...

    • في وصف الشّر

      تدفعُ المقتلةُ الجاريّة هذه الأيّام ومحاولات تأويلها وتغطيّتها نحو التفكير في "الشّر"، ليس كمصطلح خاضت فيه الفلسفات، ولكن كعنوانٍ بديعٍ لعصرنا الذي صدّقنا أنّه يشهد ذروة تطوّر الإنسانيّة، في العلوم والمعارف وفي النظم السيّاسيّة...

    << < 1 2 3 4 5 > >> (5)
الرجوع إلى الأعلى